الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل القرآن يدعو للسلم والتسامح؟

نجم النسّاج

2016 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما ذكرنا آيات القتل والإرهاب في القرآن، ينبري لنا المسلمون للدفاع عن سماحة الإسلام، متهميننا بإجتزاء الآيات، ومطالبين إيانا بوضع هذه الآيات في سياقها التاريخي، ومعرفة الظرف الذي نزلت فيه، ثم يُلقون إلينا بآيات السلم والتسامح التي لا يطبقون عليها هذه المعايير.
تالياً مجموعة من أبرز آيات السلم والتسامح في القرآن مع تفاسيرها وسياقاتها التاريخية:

* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (الكافرون 6)
ــ قوله تعالى: لكم دينكم ولي دين فيه معنى التهديد؛ وهو كقوله تعالى: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا. وكان هذا قبل الأمر بالقتال، ((فنسخ بآية السيف)). وقيل: ((السورة كلها منسوخة)) (تفسير القرطبي).
ــ هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: (قل يا أيها الكافرون) شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش. وقيل: إنهم من جهلهم دعوا رسول الله إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، و((أمر رسوله فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية)). قال الإمام أحمد: عن الحارث بن جبلة قال قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أقوله عند منامي. قال: إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ قل يا أيها الكافرون فإنها ((براءة من الشرك)). (تفسير ابن كثير).
ــ لكم دينكم = الشرك، ولي دين = الإسلام، ((وهذه الآية منسوخة بآية السيف)) (تفسير البغوي).

* لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( البقرة 256)
ــ هذه الآية ((منسوخة)) وإنما نـزلت قبل أن يفرض القتال (تفسير الطبري).
ــ عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتا (أي يموت أطفالها)، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله: (لا إكراه في الدين). وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك.
وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي ((منسوخة بآية القتال)) وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل (تفسير ابن كثير).
ــ قيل إنها ((منسوخة)) لأن النبي قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام، قاله سليمان بن موسى، قال : نسختها يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين . وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين. وقيل ليست بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية، والذين يكرهون أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام فهم الذين نزل فيهم يا أيها النبي جاهد الكفار. وقيل أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا، وإن كانوا مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على الإسلام؛ لأن من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين، ألا ترى أنه لا تؤكل ذبائحهم ولا توطأ نساؤهم، ويدينون بأكل الميتة والنجاسات وغيرهما، ويستقذرهم المالك لهم ويتعذر عليه الانتفاع بهم من جهة الملك فجاز له الإجبار . ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك. وأما أشهب فإنه قال: هم على دين من سباهم ، فإذا امتنعوا أجبروا على الإسلام، والصغار لا دين لهم فلذلك أجبروا على الدخول في دين الإسلام لئلا يذهبوا إلى دين باطل. فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على الإسلام سواء كانوا عربا أم عجما قريشا أو غيرهم (تفسير القرطبي).

* مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة 32)
أكثر ما يوضح لك مدى التزوير عن المسلين هو عندما يذكرون لك هذه الآية فلا يقرآونها من بدايتها، إذ إنها على النحو التالي: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"، أي أنهم يحذفون (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل)، بالتالي فإن المسلمين هم الذين يجتزأون الآيات ويخرجونها من سياقها كما نرى، وحينما تبدأ الآية بهذه الجملة يصبح واضحاً أن الكلام عن بني اسرائيل، وإذا عرفنا أن (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض...) مقتبسة أصلاً من التلمود اليهودي الموجودة فيه هذه الآية بالحرف، يصبح الأمر مفهوماً.
ــ يقول القرطبي: وخص بني إسرائيل بالذكر لأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس مكتوبا، وكان قبل ذلك قولا مطلقا فغلظ الأمر على بني إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء. وقال مجاهد: المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما، وقيل: كان هذا مختصا ببني إسرائيل تغليظا عليهم. ثم أخبر الله عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات، وأن أكثرهم مجاوزون الحد، وتاركون أمر الله (تفسير القرطبي).
ــ عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا"، قال: من شدّ على عضُد نبيّ أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعًا، ومن قتل نبيًّا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا (تفسير الطبري).

* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (208البقرة )
ــ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: الإسلام. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في الطاعة. وأولى التأويلات قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة (تفسير الطبري).
ــ لما بين الله سبحانه الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق فقال: كونوا على ملة واحدة، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه. فالسلم هنا بمعنى الإسلام. وقال ابن عباس: نزلت الآية في أهل الكتاب، والمعنى ، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم كافة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. و "كافة" معناه جميعا، فهو نصب على الحال من السلم أو من ضمير المؤمنين، وهو مشتق من قولهم: كففت أي منعت، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام. (تفسير القرطبي).
ــ يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله: أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك. قال العوفي، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وعكرمة، وقتادة، والسدي في قوله: (ادخلوا في السلم) يعني: الإسلام. نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضيري وأصحابه وذلك أنهم كانوا يعظمون السبت ويكرهون لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا: يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) أي في الإسلام قال مجاهد في أحكام أهل الإسلام وأعمالهم (كافة) أي جميعا وقيل: ادخلوا في الإسلام إلى منتهى شرائعه كافين عن المجاوزة إلى غيره وأصل السلم من الاستسلام والانقياد ولذلك قيل للصلح سلم (تفسير البغوي).

* لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة 8)
ــ عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: نـزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أمّ فى الجاهلية يقال لها قّتَيلة ابنة عبد العُزّى، فأتتها بهدايا وصناب وأقط وسَمْن، فقالت: لا اقبل لك هدية، ولا تدخلي عليّ حتى يأذن رسول الله فذكرت ذلك عائشة لرسول الله، فأنـزل الله (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ)، فقال: ((هذا قد نسخ، نَسَخَه القتال))، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف، ويجاهدوهم بها، يضربونهم، وضرب الله لهم أجلَ أربعة أشهر، إما المذابحة، وإما الإسلام.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ)، قال: نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (تفسير القرطبي).
ــ أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا قتيبة حدثنا حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله ومدتهم مع أبيها فاستفتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال: صليها. وروي عن ابن عيينة قال: فأنزل الله فيها "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" (تفسير البغوي).

* ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125)
ــ هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ((ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين)). (تفسير القرطبي).

* وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (الكهف 29).
ــ عن ابن عباس قال: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو ((تهديد ووعيد)). وقد بين أن ذلك كذلك قوله: "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا" والآيات بعدها. (تفسير الطبري).

بعد أن وضعها أبرز آيات السلم وأكثرها انتشاراً بين المسلمين في سياقها، واطلعنا على تفاسيرها، فهل يحق للمسلمين القول بأن قرآنهم يدعو للسلم ويحض على التسامح؟.

* كاتب وصحفي من الأردن
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah