الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة

طوني سماحة

2016 / 10 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تدخل إحدى آلهة الشعوب القديمة المحيطة بكنعان في علاقة تاريخية مع شعبها كما عمل إله إسرائيل. عندما أعطى الله الوصايا العشرة لموسى كانت الأربعة الأولى منها عامودية وتختص بعلاقة الانسان بالله. أما الوصايا الستة المتبقية فهي أفقية وتعني الانسان وعلاقته بأخيه الانسان. كان عنوان الوصية الخامسة إكرام الوالدين، أما الوصايا الأخرى، فهي تختص بالآخر، أكان هذا الآخر أخا أم جارا. تنحصر هذه الوصايا بثني الإنسان عن القتل والسرقة وشهادة الزور وعدم اشتهاء ما يملكه الآخر.

إن كانت الوصايا الأربعة الأولى تشكل خارطة طريق الى السماء، فالوصايا الستة المتبقية تشكل خارطة طريق للأرض. تميز الشعب اليهودي آنذاك عن شعوب الأرض المجاورة لما كان لهذه الوصايا والعلاقة مع الله من أثر على حياته. لذلك يصح القول إن العهد القديم، بحسب تسميتنا له، ليس سوى بعهد جديد غيّر حياة اليهودي أولا، ومن ثم أثّر في المسيحي الذي حمل هذا الإرث الاجتماعي والروحي والديني ونقله الى العالم.

يقر علماء الاجتماع أن القيم الغربية التي تمثلت بحقوق الانسان في القرن العشرين لم تبن إلا على الإرث اليهودي المسيحي Judaeo-Christian الذي كان للدول الأوروبية والأمريكية اليد الأطول في تحقيق ولادته. ومن الجدير ذكره أن حقوق الإنسان لم تطبق بشكل جيد إلا في هذه الدول. دعونا ننظر الى دول العالم الأخرى، نراها تتخبط في مشاكل وحروب إثنية وعرقية ودينية واجتماعية وثقافية، بينما نرى الغرب ينعم بنوع من السلام النسبي ويظهر تقبلا أكبر للآخر المختلف. فمن حروب أفغانستان وباكستان وصولا الى اليمن والصومال، ومن خرافات الهند والصين الى العنصرية التي تميز شعوبها، ومن فقر أفريقيا الى جهل شعوبها، كلها آفات طبعت ما نسميه اليوم بشعوب العالم الثالث.

عشت في لبنان وعشت في الغرب. أدركت أن نجاح الغرب مردّه الى رفض الانسان الغربي عامة للفساد والاحتيال والكذب بينما تعشش هذ الصفات في مجتمعاتنا الشرقية. تجد الشرقي أكثر الناس احتيالا على القانون واستفادة من أنظمة المعونة الاجتماعية والتهرب من الضرائب. فيما تجد الصيني والهندي يعمل بجد ونشاط لكنه لا يتوانى هو أيضا على التهرب الضريبي إن سنحت له الفرصة، أما الغربي فيقدس العمل والقانون.

قد يخال للقارئ لوهلة أنني بصدد تمجيد الفرد الغربي على حساب الشرقي. إطلاقا، فللغربي مشاكله هو أيضا والتي ظهرت خاصة في مرحلة ما يسمى "ما بعد المسيحية" أي ما يعرف بمصطلح Post-Christianity. فالغربي، وإن كان ناجحا عمليا وعلميا، إلا أنه فشل اجتماعيا نتيجة إدمانه آفات أخرى منها الكحول والمخدرات والجنس المشبوه والجري اللاهث وراء المال.

في تقييم نهائي للعهد القديم، لا نستطيع إلا وأن نقر أنه كان وسيلة تقدم وازدهار لشعب إسرائيل. وضع العهد القديم حدا للخرافة، أنزل الأوثان عن عروشهم، حرّم التضحية بالأطفال للآلهة، شجع على التفكير والقراءة والكتابة، لم يبح السرقة والزنى والشهوات كافة، أدخل الانسان في علاقة مع الله، وأعاد صياغة مفهوم الالوهة. لم يكن الكتاب المقدس مجرد كتاب جاف يحوي تعليمات قاسية، بل دخل الى أعماق الادب والفلسفة والفكر والشعر والقصة.

قد يؤمن الكثيرون أن العهد القديم ليس سوى كتابا تخطاه الزمن، لكن هذا الكتاب هو الباب الواسع الذي دخل منه العهد الجديد الى العالم ليعلن لنا شخص السيد يسوع المسيح الذي لم قدّم نفسه مخلصا للبشرية. ولم يزل هذا الكتاب حتى اليوم بجناحيه القديم والجديد عهدا جديدا يمنح الانسان الخلاص من عبودية الخطيئة وفرصة المصالحة مع الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أبو أحمد الحامدي
طوني سماحة ( 2016 / 10 / 31 - 00:16 )
أهلا بك سيد أبو أحمد الحامدي،
مع احترامي لرأيك، لكنك لست موضوعيا في ما تقول. من المتعارف عليه ان شرعة حقوق الانسان هي وليدة الفكر الذي ترعرع في ثقافة مسيحية وليس في اي بيئة اخرى. انت تشبهّني بزغلول النجار وغيره ، وأنا ارى في ذلك تجن علي، إذ انا، ولا غيري من المؤمنين المسيحيين طالبوا يوما بتكفيرك أو تكفير غيرك، او الطلب بقتلك، او التمييز ضدك او اي ضد انسان آخر. ليتك تعيد النظر في ما تقول بعيدا عن التجني والتهجم
أهلا بك


2 - سامي سيمو
طوني سماحة ( 2016 / 10 / 31 - 00:21 )
أهلا بك أخ سامي،
كثيرون هم الذين هاجموا الكتاب المقدس لا لسبب إلا بدافع الكراهية. أصلي أن يفتح الله عيونهم لكي يكونوا ناقدين بحسب الحق وليس مجرد عدائيين


3 - مو كل مدعبل جوز
nasha ( 2016 / 10 / 31 - 09:53 )
الأخ المعترض أبو حامد الحامدي
من حقك أن تنتقد كفيما يحلو لك لا اعتراض على ذلك.
أما تشبيه الأستاذ الكاتب بشيوخ الإعجاز العلمي القراني فهذا فعلا تجني عليه كما أشار هو في تعليقه.
الثقافة الدينية هي ركيزة الثقافة العامة لأي مجتمع لأن الدين يمثل المطلق في اي مجتمع بشري.
ثقافة حقوق الإنسان هي امتداد للثقافة المسيحية بدون أدنى شك .
مبادئ حقوق الإنسان لم يخترعها المفكرون والفلاسفة الغربيون ولكنها تطور ثقافي طبيعي أساسه الثقافة المسيحية بالتأكيد.
أما ما يكرره الأخوة المسلمين عن تاريخ الكنيسة الغربية فهو مجرد ترديد لقصص وحكايات شيوعية الحادية قديمة بدون دراسة للتاريخ الأوربي بحيادية وإنصاف .
مما لا شك فيه أن تدخل الكنيسة الغربية في السياسة أدى إلى تشويه الإيمان المسيحي ولكن المنتقدين يهملون اضطرار الكنيسة الغربية إلى الأخذ بزمام السياسة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية نتيجة هجوم أقوام شمال أوربا في القرن السادس الميلادي وأحداث فراغ سياسي مدمر على مدى مدة طويلة.
إذا كان هنالك أخطاء ارتكبتها الكنيسة فلا يعني أن الأخطاء المرتكبة أخطاء في المعتقد المسيحي .
تحياتي


4 - الاخ ابو حامد الحامدي
طوني سماحة ( 2016 / 10 / 31 - 21:44 )
شكرا لمشاركتك مرة اخرى
أخشى ان تكون اسأت القراءة مرة اخرى. فانا ايضا من منتقدي مساوئ الكنيسة اكانت محاكم تفتيش ام غيرها. لكن موضوعى لم يكن مساوئ او محاسن الكنيسة، بل موضوعي هو تأثير الكتاب المقدس روحيا واجتماعيا وثقافيا على مسيرة التاريخ. حتى الملحدون في الغرب يقرون بأن ثقافة الغرب مبنية على اسس مسيحية. هذا ليس اختراعا مني. يمكنك البحث عن ذلك للتحقق منه. أما تشبيهي بزغلول النجار فهو ايضا خطأ. زغلول النجار يطرح الاعجاز العلمي كيما يثبت القرآن. أما دراستي فلا تتعدى كونها ابحاثا روحية واجتماعية وثقافية. ما يعني انها ملموسة. طرحت خلال العشرين مقال الماضين جراسات وأمثال واثباتات كثيرة. يسعدني لو انك اخترت فكرا ما كيما تناقشني به بدل ان تحكم دون اي اثبات ان الكلام هراء. باي حال تسعدني مشاركتك ولك من الشكر


5 - مو كل مدعبل جوز
طوني سماحة ( 2016 / 10 / 31 - 21:51 )
على قول المصريين -وحشتني يا اخ ناشا- شكرا لمشاركتك القيمة مرة اخرى ولفكرك المستنير

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا