الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا .....الشمس....فيروز

حسام جاسم

2016 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اغاني منتصف الليل تحتضن بدايه الشتاء و تعلن أمل جديد
كل شتاء تحتضن العائلة غرف البيت تتداخل بيننا أواصر التعاون و الإجتماعات لأخذ الآراء و تعديل الديكورات
أغاني فيروز تعود تصدح دائما (حبيتك بالصيف ....حبيتك بالشتاء )
نضيء البهجة ببعض الضحكات و صرخات الأطفال
يدورون حول الاثاث يكسرون الزجاج يسقط الصحن و تصرخ امي : هذه هديه قديمه من امي !!!
تأتي خالتي لتزيد الأوضاع الأمنية تأزما : حسام الله تعال هنا !!
اركض بعيدا أخذا في طريقي المزيد من التكسير
تحت أقدامي يتدافع كل شيء ملابس هنا و هناك أدوات مطبخ و العاب و كتب
لا تتركني خالتي تبقى تركض ورائي كأنها أصبحت طفله تنزعج عندما أنادي عليها (خاله ) كانت ترفض الألقاب تقول: انا لا أكبر ابدا .
نجلس مع بعض في (الحوش) الكبير نتجادل حول اختبارات علم النفس و الفنانين .
عند الظهر يأتي خالي من العمل تعبان
زوجة خالي لم تحضر الغداء فلا زالت مشغولة بدسته من الأطفال الصغار
ينام الجميع عند الواحده ظهرا كبارا و صغارا إلا أنا و نسرين نفتح الشبابيك و نركض نحو الشارع لقد تعرفنا على صاحب محل للملصقات و صور الفنانات و المطربين نشتري منه الكثير و الكثير لأن أغلب اطفال مدينتي لا تأخذ هذة الأنواع من الصور كانوا يرمقوننا بنظرات خادشة للعقل فالجميع يأخذ صور السيد الفلاني و الشيخ العلاني و يذهبون بها للحوزات الدينية عصرا .
لم أعتد على تلك الأجواء خلقت جوا مغاير للسائد
نعبر الطرق بثقة عارمه ممسكين بيد بعضنا كل منا يذهب لزيارة اصدقائه و نجتمع عند الساعه 3 عصرا قبل أن يصحى الاهل و تبدأ التحقيقات .
نرجع بصمت نفتح الباب الرئيسي للبيت و يدخل كل منا من شباك غرفة عائلته .
نتظاهر بالنوم العميق مع السبات الكاذب ههههه فجأة تنطفىء الكهرباء و يصحى الجميع نجتمع مجددا فوق السطح نضحك كثيرا لأننا احسن من البقيه النائمه فالصور التي جلبناها اليوم أكثر جمال و اناقه
نجلس و نلصق تلك الصور داخل دفتر كبير سرقته انا من مكتبة ابي دون أن يلاحظ لأننا نرجعه لنفس مكانه في الرف
وقت العصر يذهب للغروب
نقرأ كتب الدراسه السطح يكشف البيوت القريبة نرى الاحباب يجتمعون بدايه العصر خلف الأسطح يرسلون همسات و طيور ملونه بحجه أنها سقطت بالخطأ !!!!
شرفه المنزل تتداخل فيها فتحات زخرفية ننظر من خلفها إلى الشارع لأننا لم نكبر لكي نمسك السياج و نطل برؤوسنا للعلن
تتلاشى الشمس لتختفي تقول نسرين : أن الشمس تذهب لأولادها فهم ينتظرونها بالليل لكي تطعمهم
- سألتها : ولماذا تتركهم في النهار ؟؟؟
- لكي نتعرض للضوء فالمعلمة تقول الشمس الله وضعها لنا في النهار لنرى العالم الواسع من حولنا
- و لماذا لا تبقى معنا في الليل
- لانها ليست شجاعه أنها تخاف من القصف الأمريكي .
- كيف ذلك !!!!
- تخاف من صوت الرصاص لأنه في الليل يعلو أكثر و أكثر و تنفجر القنابل لذلك تذهب لحراسة أولادها كما يفعل أهلنا
- دعينا ننزل فالرصاص سيبدأ بالانطلاق .
ادخل لغرفتي اسئل ابي : متى سيتوقف القصف ؟!!
_ لا أعلم أنه بيد الحاكم العسكري بريمر و طوني بلير و ساسه الحكم المؤقت .
- انهم يمنعون الشمس و يرهبونها .
- اي شمس ؟؟؟
- شمس الله و بناتها .
- ههههههه الشمس لا تخاف أنها تختبر قوة صبرنا لننتظرها كل صباح .
- كيف سأعرف أنها لا تخاف منهم ؟؟!!
- غني فالغناء هو من سيخرجها من العزلة .
- انت تكذب
نمت و انا حزين عرفت ان ابي يكذب و أراد اللعب على عقلي لكنني أذكى منه فأنا ذهبت لمحل الصور ولم يعرفوا بذلك فأنا اتصرف دون علمهم لذلك انا أذكى .

قرأت سورة الفاتحه لكي تنور قبري عندما اموت فالشمس خائفة و خالتي تبكي أثناء القصف و الاطفال يصرخون نجتمع في غرفه واحدة
خالي و ابي ينتظرون في الشارع ليروا ماذا يحصل يرجعون بحكايات الموت و رؤية الرصاص لم تتدخل عائلتنا في الدمار الدامي بين مليشيات مسلحة تطوق المدينه و قوى الأمن العراقي مع الأمريكان يقصفون المدينه تمهيدا لتحريرها من سياسة الأرض المحروقة ليرسلوا لنا ديمقراطية مدويه و دمويه تسطر دماءنا على المنجل و ضوء المدفئه يخفت و يرجع بقوة
كنت مع كل قنبلة تسقط اضحك
اضحك و امي تضربني على وجهي : انت لا تدرك حجم المصيبه ؟؟!!!!
الوضع أصبح خطرا ليلا و نهارا قصف مدوي و تفتيشات لجنود شعرهم اشقر عيونهم ملونه ليست كعيون ابي و خالي أنها تختلف وجوههم ملساء
يبتسمون فيما بينهم في وجوه البؤساء أخرجت راسي خلف جسد خالي لأرى جندي يبتسم لي يحمل دبدوب احمر يتكلم بلغه لا افهمها لكنني عرفت لغة عيونه انه يشير بيده الي تقدمت نحوه بخطوتين لتسحبني امي و تقول له : إذهب إلى بلدك لا نريد العاب فأنتم اللعبه الوحيدة التي فشلت في أرض الرافدين .
وجه امي الغاضب ارعبني
صعدت إلى السطح لاراه يلتفت يبحث عني رميت له حجارة سقطت على خوذة جندي اسود البشرة
ليضج الحديث العالي بلغتهم السريعه
رحلوا بمدرعاتهم دون وداع
ظهر الأطفال يركضون وراءهم بالأحجار و يتصارخون كاطفال فلسطين و ثورة الحجارة لا يستطيعون الرد على الأطفال ذهبوا مبتعدين لكنهم لم يرحلوا بل سيعودون مجددا للبحث داخل المنازل عن مطلوب جديد .
أصبحت الشمس قوية فهي رغم قنابل النهار لم تنهزم ترددت مع غيوم الشتاء لكنها لم تختفي تطل علينا مع كل اغنيه فيروزيه .
ذهبت للمدرسه أرى ست ماجدة تغني لنا و نتمايل معها في الرقص
أدركت وزارة التربية خطر النشيد الوطني و الغناء على تطوير العقول و الشجاعه ضد القنابل
تم تغيير النشيد الوطني بنشيد مكبوت يدل على هزيمتنا بالاحتلال نشيد متناقض مع نفسه ( هل أراك في علاك ) نشيد يطلب الأمنيات و لا يحققها نشيد حزين لا يبعث الأمل جاء خارج حدودنا !!!!
و تم منع درس الموسيقى فهي حرام فالله لا يعرف العزف و لا يعرف الرقص
أنها أمور دنيويه يقول خطيب الجامع !!!
صديقي يقول : أنا لا استطيع التوقف عن سماع الأغاني ولكنني ابكي لأن الله سيعاقبني الشيخ في الحوزة يقول : سيضع الله في الأذن رصاص و حديد و يزيد سعيرا لمن يسمع اغاني فإنها فسق شيطاني .
أصبحت اسمع الاغاني بالسر دون أن يعلم أصدقائي .
عائلتي لم تمنعني من الاستماع لكن مديرة المدرسه تتحدث عن فجور الاغاني و يجب أن نلتزم بتعاليم ديننا الحنيف و نستمع لخطبة الشيخ فإنه يحمل( نور النبي محمد) بين وجنتيه و بركه الجبين المحروق من أثر السجود و السحور .
نقلت ست ماجدة اطفالها لمدرسة أخرى يقال أنها للمتميزين
لم أعرف معنى تلك الكلمة !!
كنت أعتقد أنها تجمع الحلوين فقط و أبناء أصحاب المناصب العاليه !!!
يدق الجرس لنهرب من سور المدرسه إلى منازلنا كنت صغير جدا لاعبر سور المدرسه انه كبير فقط الكبار يجتازونه وقفت انظر لأبناء خالي الأكبر مني سنا يهربون و انا خائف يسحبونني من يدي و يقولون لي اقفز
اقفز لإصاب بخدوش و جروح ارجع للغرفة لتصرخ امي كيف هربت لم ينتهي وقت الدروس لتقوم بارجاعي للصف رغما عني
اجلس كئيبا استنشق رائحه الطباشير الملون سبورة فاشلة غير واضحه لا أرى شيئا أتظاهر بالفهم ليخلص الدرس على سلام و صبر .
لم أعد أرى ست ماجدة رحلت بعيدا لتلحق بأطفالها
أصابني الإحباط أحسست بالوحده فالمعلمة الجديدة لا تعرف الغناء أنها فقط تقرأ لنا القصص الرومانسية و الطفولية لكنني لا أصدق كلام القصص لانها غير محققة الحصول في واقعي لا أرى تلك الأشياء القصصية في شارعنا
أين كعب سندريلا ؟؟؟ أين الذئب الذي التهم جدة ليلى ؟؟؟
لا يوجد كعوب أو ذئاب في الشارع !!!!!
النساء و الرجال لا يلبسون أحذية ذات كعوب
ست ( هدى ) كاذبة تجمل لنا الشارع بقصصها و هو مليء بالنفايات !!!
تقص علينا كيف تغني ساندي بيل و لا يوجد أحد يغني في شارعنا انهم فقط يلطمون و يبكون انهم ضعفاء !!!!
تخبرنا كيف نحب بعضنا و الشيخ في جامع شارعنا يقول :
انبذوا الأصدقاء المختلفين عنكم !!!!
كذبت ست هدى كما كذب الشيخ لم ارى الصدق الا في تجاربي السريه التي أفعلها دون أخبار أحد .

مرت سنوات و سنوات أخرى لإدراك دائرة الكذب البشرية في بلدي كيف تسير و من يجعلها تدور للرجوع و تتقدم من جديد .
اختفى ذاك البيت العملاق و اختفت معه ملامح الذكريات و غابت عنه أشباح القنابل و الطلقات النارية تفرقت العائلات الصغيرة عن بعضها أصبح كل منها في مكان كبر جميع الأطفال و لكنهم يصدقون تلك الأكاذيب و أصبحوا ينصاعون لها دون سبب فقط لأنهم تربوا عليها و تحششت في ادمغتهم
.
لم يبقى معي إلا امي و ابي فقط رحل الجميع و اشتبكت تداخلات حياتهم اليومية في الوضع السياسي و الاقتصادي للبلد .
الحكومه كما هي دون تجديد لازالت تمنع الغناء و تدرس الأكاذيب في المدارس .
اما انا لم اتغير بقيت اعترض على اكاذيبهم و لا أصدق إلا عقلي
لا زلت الحق أحلامي و اكتب هذة الذكرى بعد منتصف ليل شتاء جديد يطل من نوفمبر لعله يمحي هذه المره المآسي و يجلب معه الحب الصافي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah