الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفردوس المفقود: -وجدنا الإسلام ولم نجد المسلمين-!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2016 / 11 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتب: د. محمود محمد سيد عبدالله
(مدرس جامعي وكاتب مصري)

بارك الله في نفوس راقية جميلة مهذبة...تعيش على بعد آلاف الأميال...لم نجد مثيلا لهم بين أبناء وطننا وأقاربنا و (من كنا نظنهم) أحبائنا! والعجيب أنهم ليسوا على ديننا أو ينتمون إلى ثقافتنا...بارك الله في قلوب أصيلة كانت تشجعنا وتدفعنا دفعا إلى الرقي والإنجاز! ولعن الله نفوسا دنية تحاول تدميرنا ووضع العراقيل في طريقنا ولا تتركنا أبدنا في حالنا...بل ويتآمرون للنيل منا والإيقاع بنا...ولا يعلم هؤلاء أن لكل نفس طاقة تحمل...وأنه عندما يفيض بالإنسان ويحس بالقهر في مناخ ملوث - فقد يفعل أي شيء...وقد يضحي بأي شيء...فلا قيمة للحياة إذا لم يعش الإنسان فيها مرفوع الرأس...ولا قيمة لمنصب أو مال أو جاه إذا ما أحس الإنسان يوما بظلم واضطهاد...لقد قالت لي من قبل أستاذة جامعية إنجليزية في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكسيتر الربيطانية بإنجلترا:

"عجبا لكم أيها المصريون! تطاردون التعاسة والسعادة بين أيديكم! وتحبون المشكلات والمشاحنات، مع أنه بإمكانكم تجنبها! وتستمتعون بتدمير بعضكم البعض بدلا من التعاون على البر والبناء! أهذا ما يأمركم به دينكم؟ ألم يقل لكم قرآنكم: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"؟ في ثقافتنا تجدنا نكمل بعضنا البعض..ونركز على النصف الملآن من الكوب..وندعم الفاشل حتى ينجح ويتميز..ونعاون الضعيف والمحتاج دون أن نذله أو نمن عليه..ونحب الحياة ونعيشها كفترة قصيرة نحاول من خلالها أن نقطف زهرة من كل بستان كي نشكل باقة جميلة..ونقطف من أجمل الثمار كي نتغلب على مرارة الحياة ومتاعبها! ونفرح للآخرين ونحتفل بنجاحهم..دون أن يعطل أحدنا الآخر أو يضع له العراقيل...عندكم العقول الصغيرة والنفوس المتعالية والأفكار الهدامة...وعندنا العقول الكبيرة والنفوس الطيبة والأفكار البناءة المستنيرة"!

حقا...وصدقا...ويقينا...لقد وجدنا عندهم الإسلام دون أن نجد المسلمين! لقد أبهرونا بمنهج حياة يطبقون فيه - دون أن يدروا - قيم الإسلام (مثل الإنضباط والنظام والجد وإتقان العمل والتسامح والتراحم والتعاطف والمودة والتعاون والعمل الجماعي والإلتزام بالعهود)! وجدنا الأمل متجسدا في كرسي متحرك يجلس عليه رجل معاق (أو إمرأة مسنة) تدفعه زوجته (أو يدفعها زوجها) بكل حب وإبتسام وإقبال على الحياة كي يستمتعا بها مهما كانت الظروف والموانع! وجدنا التواضع متجسدا في صورة أستاذ جامعي (عميد الدراسات العليا) - كان مشرفا على رسالتي - يصنع لي القهوة بنفسه في مكتبه بكل بساطة وإهتمام! وجدته يعرض علي التعاون في كتابة ورقة بحثية معه على أن يكون هو المؤلف الثاني وأنا الأول!

وجدنا الصدق متجسدا في صورة رجل يجر كلبا تبرز على الرصيف فما كان منه إلا أن أخرج من حقيبته مناديلا ونظف بها كل الفضلات من على الرصيف حتى عاد كما كان وأفضل! وجدنا الذوق والأدب متجسدا في صورة إمرأة فائقة الجمال والروعة كانت جارتنا تعتذر لي بشدة لتسببها في إزعاجي وأنا أعمل في البحث في عطلة نهاية الأسبوع بسبب حفلة أقاموها في حديقة منزلهم! وجدنا الحب والتضحية في صورة زوجين سعيدين مسنين كانا جيرانا لي حيث كان الرجل يتحمل زوجته المعاقة والتي تمشي بصعوبة وتدخن بشراهة في حديقة المنزل...وقد تحدى أهله جميعا وتركهم في لندن لإعتراضهم على إرتباطه بهذه السيدة المطلقة التي كان لها إبنان من زوج قبله!

وجدنا العطف والحس المرهف في صورة إمرأة تداعب أطفالي وتعطيهم الهدايا واللعب لمجرد إعجابها بهم بهدوئهم وإتزانهم ونحن في الباص - ودون سابق معرفهّ! وجدته في صورة سيدة محترمة أمام المستشفى التي وضعت فيها زوجتي مولودا وهي تراني أمام مكينة صرف تذاكر الإنتظار وأنا أهم بشراء ساعة أو ساعتين لركن سيارتي أمام المستشفى...فإذ بها تلحقني قبل أن أدخل النقود في الماكينة لتقول لي: "معي تذكرة لسه فاضل فيها ساعة...خدها لو سمحت...ميري كريسماس أند هابي نيو يير"! وجدتها في صورة زميلة شابة مهذبة في العمل - كنت أصلي على ورقة لضيق الوقت كي أدرك المغرب قبل العشاء...في غرفة وضع الأشياء والملابس - وكنت في حالة ركوع...فلم تكن تفهم صلاتنا...فتوقفت لتطمئن علي وما إذا كنت متعبا وأحتاج لمساعدة...لتقول لي باللكنة الإنجليزية الجنوبية الجميلة: "آر يو أل رايت مهمود؟؟؟" (هل أنت بخير يا محمود)...واستمرت متسمرة في مكانها لأني لم أرد عليها! ولم تغادر حتى انتهيت من صلاتي وتبادلنا التحية..وقلت لها أنني كنت أصلي وأعتذرت عن عدم الرد لأن هذا غير مسموح به في صلاتنا! فما كان منها إلا أن أثارت الأمر مع المدير وطالبته بدراسة تخصيص غرفة للصلاة والعبادات في هذا المكان حتى يستطيع زملاؤها المسلمون أداء صلاتهم في أي وقت ودون تطفل من أحد! رأينا النظام في صورة رجل سباك يأتي في ميعاده بالضبط - المحدد سلفا قبلها بيومين - إلى منزلي في تمام العاشرة صباحا...وكان جرس الباب يدق مع رنة ساعة المنزل التي أعلنت العاشرة! رأينا الرحمة في صورة سائق الأتوبيس الذي يخفض الأتوبيس على الأرض قليلا وينزل مزلاجا خصيصا لمعاق يريد أن يستقل الأتوبيس وهو على كرسيه المتحرك! رأيناها في صورة "لندن آي" - وهي عبارة عن دائرة كبيرة نستقلها كالمراجيح لتصعد بالتدريج إلى سماء لندن لتريك كل معالم المدينة وهي لا تتوقف عن الحركة البطيئة أبدا لأن نظامها يتطلب الصعود والنزول من الكبائن التي تنزل على السطح ليركب آخرون بسرعة البرق...لا تتوقف "لندن آي" عن الدوران والحركة- كما رأينا - إلا في حالة واحدة فقط (وخصيصا وبشكل إستثنائي): "عندما يكون هناك معاق على كرسي متحرك وجاء دوره في الصعود!"

حقا إن ما أقوله يشبه البكاء على الأطلال! على أجمل وأنظف وأنقى 4 سنوات في عمري...في أجمل مناخ إنسانيا وأكاديميا وعمليا ومعيشيا...سنظل نتوق للرجوع إليه يوما كما كان أبونا آدم يتوق دوما إلى "الفردوس المفقود"!

خالص تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق في صفد اندلع مجددا بعد إخماده أمس إثر قصف من جنوب لبنان


.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج




.. حلف النيتو يعلن أنه سيتولى دورا أكبر في تنسيق إمدادات الأسلح


.. اعتصام أمام البرلمان السويدي للمطالبة بإيقاف تصدير السلاح لإ




.. أكثر من مليوني حاج يقفون على صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظ