الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت ست الدنيا لم يبق منها سوى الطرقات و الضجيج

عمار عكاش

2006 / 1 / 1
الادب والفن


(( بيروت ست الدنيا لم يبق منها سوى الطرقات و الضجيج ))
الإهداء إلى بيروت الذاكرة علّ الذاكرة تحميها من مرارة الحاضر
عمار عكاش – طالب في قسم علم الاجتماع – جامعة حلب [email protected]

حين بدأ يجوب الشوارع ليستذكر كل ما تركه في مدينته بعد سنين الغياب ، كان المشهد قد تغير ، شيءٌ واحدٌ فقط ظل كما هو الوحشة التي تغلف المكان ... لولا هذه الوحشة لظن أن بوصلته خانته فأخطأ دروب العودة إلى مدينة الحب و الموت و الزمن المر .
كانت الأشياء متداخلةً ـ ((العمارات و الأبراج و الشارات الضوئية على واجهات المطاعم و الفنادق و السيارات و البشر ))– جاعلةً لوجه المدينة تجاعيداً تـشبه التراب ، فهمْهَم : كيف صرنا كائناتٍ من تراب تجترّ نفسها كالكواكب في دورتها السقيمة ؟ .
بحث عن عازف الموسيقي المشاغب الذي كان يهوى دوماً التمرد على الفنون الأكاديمية و سلالم النوتة ، فألفاه في إحدى أزفة صبرا الضيقة و قد اختار الموت هناك لتنوش جرذان الحواري جثته فلا يزعج العفن الآدمي ما تبقى من صفاء ....
صعد إلى التل العتيق كانت ريتا تخرج من النعناع ، و كان ثمة شاعرٌ يهوِّم خيالاً جريحاً و يذوي في سرير الغريبة .... أما ريتا فاختارت أن تذوب في تراب الأرض لتصير ضفائرها ورداً أنثوياً علّها تجابه ليل القباحة المخيِّم بلحظة سحرٍ و صفاء .
نخره الصداع فمضى إلى مقهى الحمرا كي يملأ جمجمته بالكافيين ، كانت بلقيس قبالته ترشف قهوتها المحضرة على عجلٍ ... تسترق النظر إلى ساعتها فبالأمس ودعت عاشقاً و اليوم تنتظر عاشقاً جديداً و غداً ستكون مع عاشق جديد .. تغيرت ملامحها ... و لولا رذاذ المطر القادم من خصب الذاكرة الدامية و هو يسبل شعرها لظنّها امرأةً من بيروت على ضفاف القرن الحادي و العشرين ....راح يناجيها و هي ما زالت تنظر إلى ساعتها دون أن تسمعه – ربما كان يناجي ماضيه : (( كنت فتيةً .. و ضلوعك غضةً كعروق البنفسجِ .. و لا شيء زيَّنكِ غير أنوثـتُكِ .. لا وشاحاً لشعراء الغزل .. و لا كحلاً لشعراء الجاهلية ... و حين كبرتِ .. صرت لغْو أسطورةٍ ... يناجيها كاهنٌ و ساحرٌ و نبي ... و يقدمونها قرباناً للوثن العربيِّ )) .
عاد يجوب الشوارع كالتائه ... كان يبحث عن مكان تفتحت فيه أولى شهواته ... حيث أوْرف دوح العشق قلبَه و قلوبَ أناسٍ مجهولي المعالم .. و كل ما ضمَّ العالم العربي من مارقين و كوسمبولتيين و تواقين إلى الانعتاق من وطأة الزمن الرديء ...
(( كنا كائناتٍ من رخامٍ مزقتها طواحين مُبهَمَةَُُ الأسماء ... و أحلامنا كانت نزوة زهرةٍ في ربيعها المؤقّتْ .. لكنّا سنبقى لك ماضياً و ذاكرةً كي تستعيدي ذكرانا كلما هطلتْ دمعة من شتاء العيون الحزينة )) .
صحا من تأملاته على صوت الكرنفال البائس ... يجتاح شوارع بيروت ... و مهرجوه ملؤوا الشاشات ... استحالت المدينة جغرافية فقد هجرها عشاقها و محبوها أو شاخوا و اختاروا الانكفاء في سجون الذات ... و تركوها لكرنفالٍ موسيقاه تشبه صوت رصاص القنص ... وحدهم المهرجون لم يشيخوا و مضوا في كرنفالهم ...
عاد إلى حبيبته يمسح جبينها و يهمس لها بصوتٍ كما النشيج : (( لسنا قديسين فدعينا نحثُّ الخطى صوب أرزةٍ فتحت خاصرتها لسكين القمر ... لسنا قديسين فدعي الروح تقرع أجراسها الثملى لنذكر أنْ لنا تاريخاً من المراثي يلمع كالزبرجد بين بقايا البشر ....لسنا قديسين فكوني كبيروت امرأةً كالحقول في زهوها ... امرأة جرحها وردتها ... جرحها فتـنتها ...لا جدوى من صلاتك الشاحبة على محراب طفولتي فما تملكين لتفكي قفل السماء السابعة غير فمٍ كرزي و عشر أصابع ناحلة ... و حفنةَ ماءٍ للوضوء .. فدعينا نصعد إلى السماء السابعة و نعود محمّلين بعناقيد الضوء قبل أن نتبدد في عزلتـنا ))
جاوبته : (( أنا امرأة باعتْ أساورها لنخاسٍ أهْتَمْ و أساورها صارت إسفلتاً .. ترعرع النرجس على نهدها المُشاع ... و نخبُ كأسها شربه قبطانٌ تائه ... دعني لزماني فقد ولِدْتَ لغير زماني ... أين نفر من رهبانٍ تتلو صلواتها لتستحضر روح مسيح الخلاص .. و من أميرٍ خرج من التاج و ارتدى ثياب الدبلوماسي ... و من ملالي أبحرت بنا صوب الأندلس و تركتنا قبل أن تتمَّ الرحلة في بحار الظلمات ..و من امرأة تغسل عهرها بماء قراح ؟!........ غداً تمسخنا الريح وريقةً صفراء في مهبِّ منفانا و ينزف موّالنا الموشوم في قلب : باعتـنا بيروت و لرغيفنا طعم دمعتها ... باعتـنا و لصوتـنا لون رعشتها .. ))
غادرته حبيبته فالحب عبثٌ في بلادٍ محكومة بالموت و التـشظي .. في بلادٍ تجتر نفسها كالكواكب في دورتها السقيمة .
صرخ لا ليس هذا مكاني و ليست هذي سمائي الأولى ، ... آه يا ست الدنيا لم يبق منك سوى الطرقات و الضجيج ، ... ابتعد و ابتلعته جموع الناس الغافلين ، و رندحتْ أغنية قادمة من ليل بعيد :
(( طرقات و ضجيجْ
و بيوت كلها سكوتْ ..
في شي بالعينين متل السرابْ ...
طرقات و ضجيجْ
و حبال السياراتْ ..
في شي عالوجوه متل الترابْ
بشر .. آه بشر .. متل اللي ناطرهن سفر و مأَخّرين
ولاد آه ولاد آه متل اللي خافو من خيالن و مطيشرين
في شي فوق الروس متل الغرابْ ..
آه .. آه .. آه
حكي و عجقة حكي ..
حكي و عجقة حكي ..
صار الحكي شحّادْ عم بيدور من باب لبابْ
حامل معو ذات الحكي .. ليتّكي
في شي ورا الكلمات متل الخراب ...
في شي ورا الكلمات متل الخراب
آه ... آه ... آه ... آه .................. )) *
عمار عكاش – طالب في قسم علم الاجتماع – جامعة حلب [email protected]

*- أغنية حديثة للفنانة أميمة الخليل عن مدينة بيروت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت