الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذات زمان ... ذات ليلة ... مع مارسيل خليفة

عبد الغاني عارف

2006 / 1 / 2
الادب والفن


إلى مارسيل خليفة الذي منعته السلطات التونسية من الغناء بتونس بتهمة التغني بالحرية والتضامن مع ضحايا القهر والاستبداد...
أردناها عرسا هذه الليلة .. فكانتْ ...
أردناه شمسا هذا اللقاء ... فما شمسنا خانتْ ...
أردناه مدى الحلم يمتد بين الجرح والدمع، فإذ ْ هي كلها الأحلام بهوانا المشتعل سالتْ ....
وكان المساء ... هذا المساء يختزل جنون مدينة أتعبها العرق والوجع الصامت، ليعلن فينا قصاصة نبإ منفلت من بطش الرقيب : " موعدنا اليوم مع مارسيل خليفة " ...
تبادلنا – نحن المهووسين بالضياع حتى الضياع – شتات نظراتنا ، وقررنا احتضان النبأ عنوان نشوة أحطناها بطقوس أفراحنا الموقوفة التنفيذ ، بحثا عن انبثاق نزف به سنابل صرخاتنا المنتظرة : « بالروح ... بالدم ... نفديك يا شهيد » ...
تهتز هذه الليلة جنبات قاعة رياضية ما ألفت سوى لغة تصنع التخدير: بطولات مهزومة، انتصارات مزيفة، أبطال مثقوبون ، مثل شباكهم ، باللاجدوى والفراغ المحنط القابل للتصدير نحو كل العقول، من موسم لآخر، قصد حجز ملامح الضوء فيها وتعويضها بهوايات مغشوشة دائمة الانطفاء رغم " الأضواء " الكاشفة .
تندهش القاعة ، هذه الليلة ، من الحناجر التي توقع في زواياها انفجارات دالة :
« يكفينا ... يكفينا من الحروب ... أمريكا ... أمريكا عدوة الشعوب » ....
ولأن أبناء الضياع الحالم بالشمس يدركون دلالة الأشياء في زمن المنع والقمع ، فإنهم أصروا على اختراق اسمنت المكان لتغيير هويته وإعطائه وهجا نابعا من هوية جديدة مبتغاة اسمها : فلسطين، لتتوالى سمفونية تحفر في القلوب فصول الدم اليانع :
« الانتفاضة المجيدة .... ألف شهيد وشهيدة » ...
تستمر، وهذه الليلة أيضا، الحناجرُ / السواعد ُ / الزغاريد ُ في رسم أقصى الحالات الممكنة لأوطان تغتسل بالقهر وتتوضأ بانتظارات آت يسكن الرموش والشغاف والضلوع.... تنتصب بيننا " فرقة الميادين" هامات تصنع الشموخ، مثقلة بالحزن ولكنها تنشر براعم الفرح... تمتهن العشق الواعد ، بدءا من جدار منهار حتى بسمة أطفال يبحثون بين الأشلاء عن بقايا وطن وذاكرة ودماء يحتضنونها لتأكيد انتمائهم الصعب ...
نسأل فرقة الميادين عن الهوية والحلم والنشيد ، فيجيبنا صوت الإصرار الدافئ : « من بيروت الجريحة.. من بيروت المناضلين والشهداء ... من بيروت حسين مروة ومهدي عامل ... جئنا نحمل رسالة الحب ... رسالة الحرية ... رسالة السلام ... أتينا رغم الخراب ... ورغم الموت نقول : ما زال صوت يقول الموسيقى... يقول الشعر .... يقول الغناء ... » .
لم تستفق القاعة من قصيدة الميادين الأولى حتى جاء صوت ألفناه طوال سنوات أحلامنا العنيدة ، ليؤسس مارسيل خليفة ، بدفئه الخارق الانسياب، لحظة لهذا الفضاء، أو ليؤسس فضاء لهذه اللحظة : « سنغني هذه الليلة للحزن والفرح والحب .. ».
... وكان الفرح ... كان الغناء ... كانت الدهشة ... يتماوج الدور بين مارسيل خليفة وأميمة الخليل لنـُـؤسر نحن بين الصوت والصوت ... يشتد إيقاع الوطن من مائه حتى مائه .... والليلة ليلتنا، فتختزل الزغاريد نشيدا يرفض تجارة الاستسلام :
« قولوا لتجار السلام .... فلسطين عربية ....
لا تفاوض لا سلام .... لا حلول استسلامية ... »

ومن " صرخة ثائر" يبدأ مارسيل خليفة إليادته المرصعة بحماس لا يصنعه إلا مثل صدق هذه اللحظة ، ليغوص - بين ثنايا صمت آسر - في قصة من بيروت تختزل مأساة استهلكتها ، إلى حد الملل ، وكالات الأنباء العرجاء ونشرات الأخبار الكسيحة ... يختزلها مارسيل في مأساته هو نفسه فيقول : « كنت كل سنة أبعث بشريط غنائي إلى أبي .. وكان دوما يسألني أن أبعث له أغنية بإيقاع العود ... فأقول له : إلى السنة المقبلة.. ولما مات أبي لم أستطع المشي في جنازته لأن حواجز الطوائف والكتائب حالت بيني وبين ذلك ..»... فتكون مأساة الذات / الفرد هي مأساة الوطن : اغتيال أبسط الأحلام ... يغني مارسيل خليفة " أغنية إلى والدي " مسكونة بعذاب خاشع وبصلاة حب مؤثرة و « كأنه النسيان مرمي وراء النسيان » ، ليكون رجع الصدى صوت أميمة الخليل وهي تغني لأطفال الحجارة ... « لطفل يكتب فوق الجدار ... لطفل نبتت بين أصابعه النار ... لطفل يكتب بعض الأحجار وبعض الأشجار ... لطفل يكتب عرق الحصادين ... »
تنادي فينا أميمة الخليل وطن الأنبياء ... وطن الزارعين والشهداء والضائعين . ولأنهم يقولون – يلاحظ مارسيل خليفة – بأننا لا نغني سوى للغضب، فإننا سنغني للحب ، يخاطب تلك المرأة / الحلم ... المرأة / الرمز ... أرضا تكون أو ثورة أو حرية أو... امرأة، مجرد امرأة : « خبئيني .... ألف سر وسر / وصدرك عار ، وعيونك على الشجر .... وجه الأمس مسافر / ويدانا على سفر ... منزلي كان خندقا .... »
وتستمر ليلتنا بين أغنيات حفظناها قبلا، في رسائل حبيباتنا وكراسات الدروس وبين ثنايا الذاكرة المنزرعة بشظايا الطموحات والأحلام ( جواز سفر – ريثا – يا بحري ...) وأغنيات تقيم، لأول مرة، زفافا إيقاعيا مع الأذن وهي تنتشي بلذة الفن عندما يرتفع إلى الذروة ليكون فعلا فنا حقيقيا له هويته وسلطته وزمانه وخطابه ورسالته ...
لم يكن للقاعة ، وهي تستمع لمارسيل يخاطب جيل الغضب ويغني للفرح والحب، سوى أن " تهدر " في إيقاع جماعي منسجم ورائع لترتل آيات أسمها " أنشودة الحجر": « انهض للثورة والثوار...
انهض كهبوب الإعصار...
وارجم أعداءك بالنار.....
واهتف بالصوت الهدار
الثورة ... الثورة .... نهج الأحرار... »
وتلك كانت ليلتنا.. أو بعض من ليلتنا. .. وذلك كان عرسنا الذي لا ينتهي... في ساحة لا تنتهي .... في ليلة لا تنتهي ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد .. حفل توزيع جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي


.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح




.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ