الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عقوق
زكية خيرهم
2016 / 11 / 24الادب والفن
قصة قصيرة
خرج سامي من شركته مختنقا، خطواته متثاقلة غائصة في اللامكان، يداري حزنه بكبرياء، يستشيط غضبا في وجه أخطاء لا يعرف إن كان هو سببها. انطلق بسيارته وسط علّة الزمن المكتظّ بالتساؤلات والحيرة من أشرعة مرتبكة، مهزوم يرتعش في عُري مدثّر بالعار. أمعقول بعد عشرين سنة يأتي إلي منكسرا، محفوفا بالخسارات، مُوشّى قلبُه بالشوق، ودموعُ البِعاد عنّا شتاء على صدره؟ يقول لي عرف العجزُ طريقَه بعدما كان يرتمي خلف علّة الحياة، ويتدثّر بأمواجها الجشعة، ويتمايل مع ريحها المغرورة، ممتطيا قاربا من الأوهام خارج الزّمن حتّى ذبلَ في غيابنا. غياب من ..؟. أغياب والدتي التي أقلعتها من روض أحلامكَ، بعدما طعنتَ شرفَها بسهمكَ المسموم، وكلّ يوم ترشقها بوابل أسئلتك الحرّى و تضربها ضربا مبرحا. لا تزال أذناي تطنّ أصواتَ احتراقاتك في مدار أسئلتك الظمأى ، وهي تتوسّل إليك بعيون تنزف دمعا ، وأنت تُجزِلُ عليها بالركل وهي تئنّ في صمت حتى لا أسمعها أنا وأختي. أرغمتها فرحَلَت عنّا إلى شوارع أنهكها الموت، وادلّتها الموبقات. غادرتنا في صمت يئن سُخطا وحسرة إلى أن تزوجت خارج الوطن. هل آلمك الآن غيابي أنا وأختي، وأنت الذي تركتنا للضياع، يلسعنا سياط الجوع، وكلّ شيء من حولنا يجلده الجفاء ونحن نبحث عن مخارجَ حروف لكلمات متسولة في متاهة الكلام، هائمين حدّ الوجع ، تائهين في طريق لطّختَه يا أبي بعارك المهزوم. تزوجتَ وأنجبتَ أطفالا آخرين، في حين تركتنا مع جدتي الكفيفة ..!! توارت أمانينا وانزوت أفراحُنا واضمحلّت ابتسامتنا. لا يا ابني، صحيح أنني حرمتُ نفسي منك وحرمتك مني، لكن ها أنت الآن أصبحت شابا يا فعا ومدير شركة، كما أصبحت أبا، وقد تفهم الآن ألمي في بعدي عنك، وإن كنتُ أعرف أني سببا في هذا الألم الذي سببته لنفسي ولك أنت ولأختك. كما أعرف أنك جرّبتَ شعور الأبوة مع أختك قبل أن تجربه مع ابنتك. غريبة الدنيا يا ولدي تستبيح أحلامنا البسيطة، تلوثها بالسواد و تجعلنا ندفع ثمن أخطاء لم نرتكبها، تماما كما جعلتك أنت وأختك تدفعان ثمن خلافي مع والدتك والذي لم يكن لكما ذنبا فيه. دارت الأيام يا أمير وأنا الآن أحاول أن اصلح ما أفسدته، رغم أنني أعرف أنّ ما تعرّضتَ له أنت وأختك بسببي كثيرا. وأن مرات أحتجتني فيها ولم تجدني، وأن الأعباء التي حملتَها نيابة عني كانت أكثر، إلا أنني أريدك أن تكون أكرم مني هذه المرة، وأن تشتري أخطائي بعفوك، وتقبل اعتذار أبيك بقلب الأب الذي اصبحته والذي اعتدت أن تكونه لأختك. طال فراقنا وتبادلنا الأخطاء وإن كانت أخطائي أكبر من أخطاءك. لم يبق من العمر الكثير لأستمر في البعد عنك، ولا أتمنى أن يأتي عليك يومُ وتندمَ على تمادينا في البعد ولا تجدني. إن الدنيا ليس فيها ما يساوي ضمة الأب لابنه ولأحفاده. لن أستطيع مهما فعلت أن أعوضك أنت وأختك عما فاتنا، لكنني أنتظر أن اضمكما إلى صدري من جديد وأن أحاول أن أعوضكما عن بعض ما فات وأن اضم معكما أطفالكما ، وأن أربيهم وأكون لهم جدّا حنونا يذكرونه بالخير. كفاك شعارات وأمنيات لا أحتاج لضمك الآن يا أبي، ولا لحنانك. لقد فات الأوان .... ابتعد ولا تقترب ..لم نعد نسمع منك إلا صدى مخادع .... فلقد مرت علي أنا وأختي سنوات موجوعة بالوحدة ، مجنونة بالألم ، مثقلة بالهم، عارية من النعاس، وفي النهار مطاردة أرواحنا ومشردة أحلامنا. ليالي مرّت علينا حالكة بلا نهاية وكنتَ تعيش بعيدا عنّا في نهاراتكَ غير سامع لصُراخنا. لن نندم يا أبي ... فنحن لم نجدك حين كنا صغارا نداعب الصمت بالصراخ، ونطفئ عطشنا بماء البكاء، ... فسواء كنت في الحياة أو غادرتها سيان، لن تعوضنا شيئا يا والدي ... ولا نحتاج منك أن تربي أطفالنا ....لك زوجة تركتنا من أجلها ولك أطفال منها .... ربيهم كما شئت بعيدا عنا ... أما نحن فأغنانا الله عنك .... أنا مرتاح من غيرك ... حين احتجتك في زواجي وزواج أختي لم تكن معنا. كفى تأنيبا يا ولدي، أريدك، أحتاج أن اضمك، أن تقف بجانب إخوتك الصغار في حياتي الآن وبعد مماتي حتى يفتكرونك، أريد منك أن تتقرب منهم وتساعدهم، ألا تدعهم بعيدين عنك. أنا لم أظلمك يا ابني ... أنت لا تعرف أنني أنا المظلوم ... لقد كنتَ صغيرا جدا ست سنوات في عمرك .... لاتذكر شيئا ...
أذكر كل شيء يا والدي ... كل شيء وبالتفصيل ... أذكر دماء أمي على بساط الصالون ، وفي المطبخ، أذكر اللطمات والركل ، ورشقها بالصحون كما أذكر بكائي المحبوس بين الشجن وبين التيه في رعشة المكان ... أذكر صراخك عليها من غير سبب في تلك الليالي العارية من الدفء والحنان، أذكر أرواحنا الشريدة والمطاردة من زئيرك علينا ونحن نتلحف برماد من جحيمك. لماذا تزوجتها ..؟. لماذا انجبتنا ....؟ لقد أوجعتنا يا والدي حين غادرتنا خلسة وخطوت نحو رحيل موجع. لقد حرمتني وأختي طفولتنا وحرمتنا من حضنك الذي تَعرضُه علينا الآن. امنح حضنك هذا لأطفالك الصغار بعيدا عنا ولا تخف عليهم إن وافتك المنية، سيقفون على أرجلهم كما فعلتُ أنا وأختي. لا أريدهم أن يفتكروني لأنك أنت من اخترت أن تربيهم بعيدا عنا، فامنحهم الحب الذي حرمتنا منه حتى يفتكرونك. ارحل فما عاد صدرك يستطيع ايقاظ الحنان فينا، ولا أن يبعث الأمل بضوء من الأحساس. ارحل قبل أن ينفجر الصوت المُطبق الذي يخنقني، لعلّ رحيلك يغذقني بالسكينة. بيننا جبال مغطاة بالثلوج، شوقي إليك شتاء على صدري، أنا من ذبل قلبه في غيابك، وتصحّرت سنواته في بُعدك، أنا من فراغه يسير مع وجع الليالي المثقوبة، وبرد الوحدة يلسعني، وصرخة حبيسة داخل كوابيسي . كان ممكن أن تأتي ولكن لم تأت، لم تسأل عن حالي، ولم تضمد قط جراحي، لقد أصبحتُ جافا كما الأرض البور، أكتم صراخ الشوارع التي أنهكها التشرد. لو زرعت الحب يا أبي لحصدته، قلبي الآن فارغا، متجمدا، يهيم في ماض عقيم مشبع بذاكرة مقفرة ... أرتدي حداد بُعدك ... فلا سيل من الدموع يُحيي حياة أخرى وبشكل آخر.
كان يختبئ خلف جدرانه الخاوية، يستنجد خلف روحه التي ترفرف بلا عودة ، يئن بصيصَ الأمل، ويتلاشى صدى صوته في اتجاه الكبرياء وما منحته الأعراف من سلطة أبوية: إخرس أيها العاق الذي ليس في قلبه رحمة، ألا تراني أنني اصبحت الآن ضعيفا مُسنا ، ألا ترى أنك من لحمي ودمي، وعليك طاعتي، فطاعة الله من طاعة الوالدين. إن حصل لي مكروها الآن، أنت من سيقف في عزائي. يضيع في زحمة الهزيمة، ضجيج بداخله يرثي حظه المحترق، يطمع أن تَمطر السماء له معجزة في ذلك المساء، أن تمنح له أمنية يستعيد بها ما أفسده، يرتمي على جسده المنهوك، ينظر إلى روحه المنهوكة ثم إلى ابنه ويصرخ في وجهه: ستحمل العار ...حرام عليك ... أتق الله في لا أريد منك شيئا ..كم تمنيت يا والدي أن أُهرول إليك ليستريح القلق في داخلي، وليهدأ بحري المرتبك، أعيش غربة وأدور في دوّامة وشوارع مُقفرة، مُظلمة، أبحث فيها عنك، لتَشُدّ أزري وتُدثّرني بصوتك الحنون. أن أتسلل إلى قلبك وأستلقي على كلّ نبضة من أمل، لكن يا لسذاجة الأسطورة البائسة. تركتني ضائعا مُمزقا بالصمت والصراخ وبالبكاء والنحيب، أدور شاردا وحدي أئنُّ في سكون، إلاّ أنني كنت كسنبلة تنحني ولا تنكسر. لم يبق منك إلا هلوسات وذكرى لسنوات عجاف يُمزقها الشرود، تتلاشى حزنا وألما عن صدى صوتك الذي لا يزال يزأر داخلي. سأوصد بابي كي لا يكون هناك انتظار آخر. مادُمتَ أنك لا تريد مني شيئا ... كما أعرف أني لا أريد منك شيئا ففاقد الشيء لا يعطيه.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ
.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ
.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال
.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ
.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال