الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا تكلم محمد أركون

عبد الحميد أبوزرة

2016 / 11 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كتب الأمير شكيب أرسلان " لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ " سنة 1930 حين رأى القوى العظمى تُقطَع أوصال الرجل المريض _ الخلافة العثمانية_ لتسقط الشعوب العربية الاسلامية تباعا أمام احتلال الدول الاستعمارية الماسكة بأحدث الأسلحة والمثقلة بالأموال والثروات أمام شعوب المنطقة الضعيفة والغارقة في الفقر والنزاعات البينية، ذكر أرسلان أسبابا رآها حائلة دون التقدم: مثل الكسل والجبن والبخل وفساد الأخلاق.

تعددت محاولات فهم أزمة العالم العربي الاسلامي فظهرت تيارات ومدارس وأحزاب وجماعات وجمعيات تقدم أسباب التخلف وعلى أساسها تقترح حلول النهضة: منهم من اعتبر الأزمة راجعة لضعف التدين والحل في الرجوع للدين أو العكس السبب في الدين نفسه والحل في القطيعة معه، والبعض اعتبر الحل هو التوفيق بين افكار الحداثة الغربية والأخلاق الإسلامية.
من بين المفكرين الذين اهتموا بالتنوير كأداة للخروج من أزمات التخلف المفكر الجزائري الأصل والأستاذ لسنوات في جامعة السوربون الفرنسية الدكتور محمد أركون.
الذي أعطى للمكتبة العربية مجموعة من الكتب التي أشرف على ترجمة أغلبها من الفرنسية تلميذه الملازم له الدكتور هاشم صالح:
- الفكر العربي 1979.
- تاريخية الفكر العربي الإسلامي 1986.
- من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر ؟ 1993.
- الإسلام أوروبا الغرب، 1995.
- نزعة الأنسنة في الفكر العربي، 1997.
- الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، 1999.
- من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، 2001.

بالإضافة لعدة مؤلفات باللغة الفرنسية والانجليزية، بعضها مترجم والبعض لا يزال ينتظر دوره في الترجمة.
في رسالته للدكتراه Eux Epitres de Miskawayh، édition critique،B.E.O Damas1961.
أو " نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه و التوحيدي، ترجمة هشام صالح، طبعة دار الساقي 2001."
يسافر أركون بقُراءه إلى زمن القرن الرابع الهجري حيث عرفت بغداد نهضة فكرية ارتقت بفكرة الانسان ووحدة الانسانية في مواجهة الانغلاق الديني والطائفي، وعلى رأس هذه النهضة أبو حيان التوحيدي صاحب "المقابسات "و مسكويه صاحب كتاب " تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " مبرزا جو بغداد الفكري حيث انتعشت حركة الترجمة عن اليونانية و الفارسية لكل العلوم من فلسفة و طب و أدب،
وظهرت حلقات النقاش والمناظرات الكلامية والفكرية التي جمعت حولها الكثير من مختلف العقائد والأديان والطوائف.
يقدم هنا أركون فكرة أن نزعة الأنسنة التي أفرزت عصر الأنوار الأوروبي خلال القرون 15 و16 و17، سبقها العالم العربي الاسلامي في القرن العاشر، لكن توقف هذا الازدهار بينما استمر في أوروبا لتفرز حالة الحداثة والتقدم التي يعيشها اليوم، من أسباب توقف نزعة الأنسنة في العالم العربي تهميش العقل لصالح النقل و اهمال اللغة العربية ومتحدثوها من مراكز القرار والشأن الديني.
كل أعمال أركون يمكن تصنيفها _ حسب د السيد ولد باه _ في اطارين نظريين هما " الاسلاميات المطبقة " و " نقد العقل الإسلامي.
الاسلاميات المطبقة على غرار العقلانية المطبقة لباشلار هي محاولة لإعادة تعريف وبناء المعرفة الاسلامية وذلك بالقطع مع المسلمات العامية، يُعرفها أركون: " تدرس الإسلام ضمن منظور المساهمة العامة لانجاز الأنثروبولوجيا الدينية "، يقصد اخضاع القرآن و الثراث الديني الاسلامي للنقد التاريخي المقارن و التحليل الألسني التفكيكي، والتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته و انهدامه.
يسعى أركون إذن إلى محاولة نقد الثراث وذلك بتطبيق أدوات العلوم الانسانية الحديثة: النقد والقراءة التاريخية، النظرية التفكيكية، الحفريات المعرفية، البنيوية اللغوية... وبالاضافة إلى التأويلية نجد أن هذه هي نفس الوسائل التي طبقها الفكر الغربي على التراث المسيحي اليهودي من أجل تجديد وتحييد الكنيسة واعادة بناء الفكر الأوروبي.
يرى أركون أن العالم كله وليس النطاق العربي الاسلامي يحتاج إلى " أنسنة" الفكر والسياسة أمام دعوات العنف و "الدغمائية" التي دفعت الحداثة الغربية إلى السقوط في منزلقات لا إنسانية ككارثة الحرب العالمية الأولى والثانية و حروب الخليج، ويعطي أركون شرطا أوليا لهذه " الأنسنة العالمية " وهو اصلاح تربوي علمي يشمل المدارس والمدرسين في كل المراحل العلمية و مواجهة " الجهل البنيوي" الموجود في النخب العلمية المنوط لها مهمة اصلاح المجتمع.
عادة ما يُنتقد فكر أركون في مسألة استعمال المناهج الغربية على التراث الاسلامي، لكن يرى أركون أن هذه المناهج هي نتاج التجربة الانسانية المشتركة وليست حكرا على الحضارة الغربية، بينما ينتقد أركون المثقفين العرب في مسألة تهاونهم في ترجمة الانتاج الفكري الغربي الذي يتضاعف ويتراكم بعيدا عن الشعوب العربية الاسلامية عامتهم ومثقفيهم مما يزيد الهوة والفارق الحضاري كل يوم، يُنتقد أركون أيضا بسبب عدم إلمامه بشكل واسع بالتراث الاسلامي: القرآن بنصه العربي وتفسيره حسب المذهب السني وباقي المذاهب و ثقافته الفقهية و التفسيرية والأصولية الضرورية لنقد التراث على عكس أقرانه: حسن حنفي والجابري والطرابيشي ووائل حلاق..
يبقى مشروع المرحوم أركون مفتوحا أمام القراء الذين بدأت كتبه تصل إليه رغم عدم تبني فكره وتراثه من تلاميذ نشيطين أو مؤسسات علمية قادرة على نشره وتطويره، على خلاف المجتمع العربي الاسلامي فقد عرفت أفكار أركون قبولا حسنا في الدوائر الثقافية في أوروبا وقد يكون السبب هو لغة لكتابة أو تشابه فكرة التنوير الأركوني مع التنوير والأنسنة الغربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال