الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلاف ضرورة حياة

خالد الصلعي

2016 / 11 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الاختلاف كضرورة حياة
*******************
هل انتهى عصر الاختيار ؟ ، هل أصبحنا كائنات منسوخة بعضها عن بعض ؟ . الواقع يقر بذلك ولا مجال الى كثير عناء لنخرج بنتيجة قاتلة : كأن الاختلاف هو انحراف يوجب على صاحبه الحد وقطع الرقبة . هذا العرض فوقي بطبيعته ، يفهمه الممسكون بزمام الأمور . انهم يراهنون على منتوجات الواقع ، والواقع منتوج صادم ، انهم يعلنون تبرهم من تخلفنا ومن مستوى تعليمنا وطريقة تفكيرنا ، ويشتكون من انحدار التعليم وسخافة العمل او الممارسة السياسية . باختصار لا احد راض عن هذا الواقع . لكن المفارقة أننا في طريق انتاج مزيد من التخلف والانحطاط . ان التفكير في الأمر يحدث تشنجات ذهنية عميقة . ويشل قدرتنا على التنفس الطبيعي ، لأن التنفس الطبيعي هو التنفس المتواتر بطريقة سلسة تستسعره جميع حواسنا .
نحن المواطنون نظن انه لنا الحق في التعبير وفي الحوار ، لكن المؤسسات فوق الواقع ، حسب نحت الكاتبة الانجليزية كاتارينا فينير لمصطلح السياسة فوق الحقيقة .تصادر كل امكانية للتعبير الحر والحوار المفتوح . انها تمنحك حرية مقيدة للتعبير المونولوجي ، او في أبعد تقدير الحوار الثنائي غير المسموع . لا يمكن أن تفجر رأيك في العموم . واذا امكن ذلك كما حدث أثناء مرحلة حركة 20 فبراير فان حواراتك وشعاراتك يتم تسفيهها من قبل من يحيط بك ، بطريقة او بأخرى . وحين تنشر كتابة ما تروم من خلالها بسط موضوع ما من رؤية مختلفة فان لا احد يكترث لك . بينما افرازات الحياة السياسية الميتة تستفز كثيرا من الأقلام والعقول والذهنيات ، لكنها محنطة بطريقة أو باخرى ، وأقسى درجات التحنيط عمم ادراك حالة التحنيط ، واذا كان صوتك مختلف عن صوت الكتابات المسيجة أو المحنطة، فان صوتك لن يعثر له على أذن تسمعه .
طبعا نحن أمام عالم مختلف في الظاهر ، رواد الموقع الاجتماعية سحبوا البساط فعلا من محتكري الاعلام الرسمي . لكنهم للأسف لا يمتلكون مهارات النقد والاستقراء والبحث عن المختلف ، انهم يبحثون عن الارتجاجات ، عن الصراخات ، عن التقاطب الصادم . انهم يمثلون جمهور أفلام الحركة " أفلام الأكشن " . يفرغون شحناتهم العاطفية التصادمية ويخرجون فاقدين للحوية .لذلك فانت لاتتابع الا موائد شللية ورسمية . وأي مائدة خارجة عن نسق الرسمي ، والنسق هنا كما حددق ألتوسير منفتح ، فان الأبواب مغلقة كما هي . لا مجال للاختلاف ، لأن المؤسسة ترفض بطبيعتها أي منطق قد يحرك ماءها الآسن . ويعري عن مدى الصدأ الذي يغطي اجهزتها وآلياتها .
لاحق للشعب اذن بالمشاركة في الحوار في النقاش في طرح افكاره ، فالشعب كما يقول المثل الفرنسي أحمق ،La foule est folle " . لكن هذا الشعب الأحمق نفسه هو ما انتج ماري لوبين ، وهتلر والبغدادي ، وترامب . يا للمصادفة . كانه فجأة يريد معاقبة جميع من ابتذلوه . فهو يطبق بطريقته المقولات الدستورية التي تتوج كل دستور بقمولة "السيادة للشعب " . غير أنه لايمارسها ردحا من الزمن ، انه يكون في حالة غيبوبة أو حالة كمون . وحين يبدأ بممارستها فانه ينتج لنا مختلين عقليين يحكموننا ويقودوننا الى الكوارث .وعوض سيادة الاختلاف يتم التنميط والتجنيس . خذ على سبيل المثال أردوغان ، وترامب وبنكيران .
كل ما يضاد الطبيعة فان الطبيعة تنتقم منه ، وكل من بدل سنن الكون فان هذه السنن تنتقم منه . سنة الله في أرضه . فالاختلاف هو مصدر التلاقح والتوالد والتجديد . عندما تقوم جماعة متنورة بفرض الاختلاف كمسألة جوهرية للنهوض بواقع الحياة ، فان هذا الاختلاف يقود الى ما قادت اليه فلسفة الانوار ، وعقود من التنوير . لكن التاريخ مارق ، وكانه يريد أن يستريح فجأة من صيرورته الدينامية ، فيورطنا في أزمات التوحد والتنميط ، كي يعطي -التاريخ- لنفسه اندفاعة جديدة . وتتآلف بالتالي فلسفة هيجل مع فلسفة ماركس . فينتج الميت من الحي والحي من الميت ، لكن غالبا ما ينتج الميت حيا مشوها وادنى منزلة ورتبة . انه ينتج المسخ .
العالم اليوم يتجه نحو المسخ ، تمجيد صورة "الزومبي " ، عوض صورة البنفسج . لم يبق أمامنا اليوم من طريق الا طريق الطاعة . الأمم المتحدة نفسها رغم مركزها الأممي مجرد عبد في يد قوى متضاربة المصالح . لكنها جميعها لا ترتاح الا للرأي الواحد . فسواء هنا او هناك عليك ان تغرد داخل السرب وتنتج نفس الصوت . بمعنى ليس عليك أن تعلن عن نفسك ، يمكنك فقط أن تعلن موافقتك . انه الالغاء بطريقة ناعمة . لكنه في نفس الوقت وفي مكان او امكنة أخرى الغاء بطرق وحشية . اليمن وسوريا ومياننمار وفلسطين . ا
الوحدة البشرية مفهوم قاتل ، فالانسان والمجتمعات وجدت لتختلف ، لتنتج ، لتتنافس من أجل غد آخر . ودون التعارض والاختلاف فان الغد سيكون أسوأ من اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في