الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الله

سعادة أبو عراق

2016 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


_صورة الله
كان على الأنبياء الذين تولوا هداية البشر إلى الله، أن يبينوا للناس من هو الله، وما الوسائل التي تمكنهم من معرفة إله ليس بمقدور أذهانهم ولا عقولهم ولا إحساساتهم استيعاب فكرة لا تتسع لها مخيلتهم ، فالله ليس كمثله شيء، بمعنى انه خلق كل هذا الكون، فلا بد أن يكون من شيء غير هذا الكون ، ولكن أنى لعقولهم أن تفهم شيئا خارج الكون وخارج إدراكهم وتصورهم؟
ولعل سيدنا موسى كان أكثر الرسل جرأة على الله، بعد أن أعياه قومه انكارا وعدم تصديق، إذ راح يلح على الله أن يريه ذاته، كي ينقل لبني إسرائيل صورته، فتجلى له على الجبل فخر صعقا، وهذا يعني استحالة التحقق من الذات الإلهية.
لذلك كان على كل الأنبياء والرسل اللجوء إلى التشبيه وتقريب صورة الله من أذهان البشر، ولقد استخدم كل نبي ما أمكنه من تعبير ليظفر بقليل من فهم المشهد الكوني، والذات الإلهية المتحكمة بهذا الكون، وكانت الوسائل تناسب بساطة العقول وبدائيتها كي يتمكن إدراك متخيل لا يدرك ، ربما لجأ إلى التشبيه بالشمس لأنها اسطع وأهم ظاهرة حياتية، أو القمر، فكانت عبادة الشمس والكواكب والنار، أما ما جاء في التوراة بأن الله خلق أدم على شاكلته، هو نوع من التقريب الأدنى تصورا للذهن البشري.
لذلك كانت التماثيل ما قبل الديانة اليهودية، لم تزد عن أحدى الوسائل التي يمكن أن تقرب صورة الإله لأذهان عاجزة عن التركيز، لاستحضار إله تحشره في مخيلة ضيقة، ومن هنا جاء التصور التوراتي بأن صورة الإنسان مشابهة لصورة الله، وربما هذا الاعتقاد جاء من تماثيل الآلة الإغريقية والرومانية التي جاءت على الشكل البشري، إلا إن هذه الوسيلة، قد انحرفت عن كونها رمزية إلى كون التمثال هو الإله، إذن فالوثنية هي أسلوب دعوي فقد صلاحيته وتحول إلى جرعة سم زعاف. فلا يستقيم لعقل بشري ان يعبد تمثالا حجريا على أنه إله.
والإسلام الذي شن حملة شعواء على الوثنية، القائمة على المشهد البصري، حتى قتل فن التصوير عند المسلمين، لأنه جاء بأسلوب جديد لتقريب صورة الله للأذهان، إذ قدم صورة الله في مشهد ذهني قائم في الخيال وليس اعتمادا على المحسوس في المشهد البصري، إنما اعتمادا على ثقافة العربي في ذلك الوقت، وما وقر في اذهانهم، وهو أسلوب اكتشف حديثا في مجال التربية وهو اعطاء المعلومات بناء على ما وقر في ذهن المتلقي من معلومات، ففي ذلك الوقت كانت العبودية شائعة، وكانت تعني التنازل عن إرادتك وحريتك وكونك بشرا، وتجعلها في يد السيد، وان النخاس أو السيد صاحب العبيد له الحرية التامة في أن يفعل ما يشاء بعبيده، من بيع أو ضرب أو قتل او تزويج وتطليق أو ما يحلوا له من أفعال بلا مساءلة قانونية أو اجتماعية أو أخلاقية، وعلى هذا العبد أن لا يتمرد بل يبدي الطاعة القلبية يؤدي كل فروض التذلل والترجي والاستسماح من السيد الذي يملك الحق المطلق والقدرة المطلقة.
وبهذا الأسلوب تم رسم الذات الإلهية لتقريبها من أذهان الجاهليين بالسيد المطلق الإرادة، وصار المؤمنون بالله يكنّون بعباد الله، وما حركات الصلاة إلا حركات مستعارة من تذلل العبيد لأسيادهم في تقديم فروض الطاعة، وأن الله ما هو لا صورة مطلقة للسيد الذي بيده كل شيء.
لكن الدعاة الذي استهواهم هذا التقريب المبسط، راحوا يصورون الله على انه شيخ عشيرة، يجازي من يتقرب منه ويترك من يبعد عنه، هو الذي يمسح كل الخطايا ويعذب لأتفه الأخطاء، وله كل الصفات البشرية فهو يغضب وينتقم ويمكر وغيرها من الصفات الرهيبة بجانب الصفات السمحة والتي اطنب بها دعاة الترهيب والترغيب.
انه التجسيد الذي بحثه الفقهاء وحذروا منه، فيد الله ليست يدا كيد الإنسان وساقه ووجهه ايضا وكذلك سمعه وبصره وقوته، و ها نحن الآن نعاني من تجسيد الله على صورة شيخ قبيلة، و ما هذه إلا الوثنية ذاتها التي حاربها الاسلام.
ومن هنا ، يجب أن لا نبقى نسير على ما سار عليه الدعاة قبل خمسة عشر قرنا، حيث لم تكن مداركهم لتقبل بغير هذا التشبيه البسيط الذي أدى مهمته في ذاك الزمن، وأن من الخطأ أن تبقى الدعوة إلى الله بالأسلوب الأول، على انه يخلق المخلوقات كما يفعل الفواخيري في صناعة الجرار والأباريق، ذلك أن لكل مخاطبٍ الاسلوب الذي يقنعه، فهل فكّر الدعاة بأسلوب يتفق مع هذا العصر؟ الذي لا يشبه بشيء ما كان قبل خمسة عشر قرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف


.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي




.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟


.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة