الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأساطير المؤسسة للجامعة المغربية أو التعليم العالي من الورطة إلى الحل: نظرات حول فكر الدكتور المصطفى عيشان

نزيه حاجبي
كاتب وباحث

(Nazih Hajibi)

2016 / 12 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن عنوان الكتاب – أي كتاب – هو في معظم الأحيان تلخيص تجريدي للاتجاه العام الذي يسير فيه الكتاب بعد رفع التفاصيل وترك الموضوعات الجزئية جانبا...، أما الكتاب الذي بين أيدينا هنا فإن عنوانه لا يلخص اتجاهه العام فحسب، بل يحدد في الوقت ذاته طبيعة كل ما يعالجه من موضوعات جزئية تفصيلية... إنه، بإيجاز، ليس تلخيصا تجريديا للمضمون، بل هو لب هذا المضمون ذاته من بداية الكتاب إلى نهايته.
فهو لا يعدو أن يكون محاولة مفصلة، متعمقة، للإجابة عن سؤال هام يقع على الحدود الفاصلة – أو على الأصح الحدود الجامعة – بين فكرة مؤداها تنزيل إصلاح دون إشراك الفاعلين المعنيين بالأمر، وعمل تنزَّل يخالف خصوصية التربة التي حل بها.
بمعنى آخر، هل يستطيع الإصلاح أن يقوم بالدور الذي خُطِّطَ له بالميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ وما أبعاد هذا الدور؟ وما حدوده التي لا يتعداها؟ والحق أن الدور ظل منفصلا عن المعنى الحقيقي للإصلاح، لأجل ذلك يتمرد الكاتب متوسلا بالطوباوية لاقتراح البديل، وخلق دينامية تحرك جمود شعبة الجغرافيا وتخرجها من الانكماش إلى الانفتاح عبر اخراجها من الكلية واستقلالها الخاص، تكون بذلك جغرافية البحث والابتكار وليس جغرافية التلقين والتدريس الجاف.
كان الكاتب وما يزال مؤمنا بنموذجه العلمي، مهما اختلفنا معه في التصورات، لكنه يظل الأقرب إلى الصواب نظرا لظرفية الكتاب وسياق ولادتها.
فكان من حقه الدفاع عن الفكرة المولودة، فكرة التغير والتحول على المستويين النظري والعملي معا، من الشعبة ضمن باقي الشعب إلى المعهد المستقل.
إن المتصحف والمتفحص لكتاب الدكتور المصطفى عيشان تعلق في ذهنه كلمة أخيرة حول المشكلات التي واجهها في قراءة الكتاب، تتعلق بما لم يكتب عنه، أو المسكوت عنه في الكتابة.
وعليه فهل هذا يعني أننا في انتظار عمل جديد؟ نظرا للتطورات الجديدة التي بدأت تعرفها الجامعة المغربية عموما وجامعة القاضي عياض على الخصوص، وأمام كذلك عدم تصنيف جامعاتنا ضمن جامعات البحث والابتكار عالميا أو عربيا حتى...
وهو الذي قال في ندوة الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 التي نظمها مركز تبادل للدراسات والأبحاث في شهر رمضان الفائت، أننا على شفا تحولات بنيوية (اجتماعية) أواسط العشرية الثالثة من القرن الجاري سببها الرئيس – أو من أهم أسبابها – أزمة التعليم المغربي المدرسي والجامعي.
بالرجوع إلى كتاب الأساطير المؤسسة للجماعة المغربية، فإننا نقول إنه نص غريب في الواقع ... وغير مألوف بعض الشيء... عندما يمزج بين الواقع والمتخيل... واقع الجامعة المغربية الذي لا يرتفع والحل المتخيل الذي تجري أحداثه بساحة الكتبية في أربع جلسات مقمرة تجمع علماء أفذاذ من مشارب علمية وجنسيات وأديان مختلفة ... فلا هو بالنص العلمي الأكاديمي الهادئ الجاف... ولا هو بالنص الأيديولوجي الوعظي المتهافت... تلك النصوص -كما تعرفون- التي يعج بها الاعلام العربي والمغربي تحديدا... فجل النصوص المعنية بالجامعة المغربية هي أقرب إلى الثرثرة الاعلامية التي تهدف إلى دغدغة العواطف وتجييشها وشل الملكة النقدية لدى القارئ أو المتتبع أو حتى المعني بالأمر... فنلفي ان البعض منها لا يوافق معناها مبناها.. وبالتأكيد فنص كتاب الدكتور المصطفى عيشان لا يندرج ضمن هذا الإطار... ولا ضمن إطار التوبة العلمية لدى العديد من الجامعيين... خاصة مثقفي يسار ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذين أعادوا اكتشاف الدولاب أمثال "ميل" و "بانكثم"... لكنه ليس أيضا نصا مدرسيا أكاديميا يضج بالتفصيلات الدقيقة حتى الغثيان... كلا... إنه لا هذا ولا ذاك...
وبالمقابل فإنه نص سياسي صراعي نضالي... نص يرتبط بحركة سياسية إصلاحية علمية مرتقبة تحتاج رد فعل في وقت دقيق ومكان محدد... هو نص يسعى إلى صنع أفكار جديدة مرتبطة بالمكان... ولها انعكاسات على الحيز العام... إنه نص نضال من أجل التنمية... أو كما كان يسميه الدكتور عيشان في كثير من لقاءاته بـ "الجهاد التنموي"... تأسيسا على المقولة الخلدونية "أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل".
إن من بين ما كان سباقا إليه هذا النص الذي بين أيدينا هو صناعة الفكرة وولادتها... فهو عندما يتحدث عن أهمية المعاهد الجغرافية، نجده يقول في الصفحة 78 "...يَعْتَبِرُ المعهد الجهة التي يوجد بها بمثابة محطة للدراسة والتفكير في كل ما من شأنه أن يخلق تنمية جهوية"، وهو كلام قيل سنة 2000 حيث تاريخ إصدار الكتاب... فهو بذلك يخبرنا بأن مهمة الجغرافي لا تقتصر على التدريس، وليس أيضا ذلك المتبتل الذي يقبع داخل حجرة الدرس، بل مهمته في الميدان ويخالط الناس، إنها مهمة التهيئة كما أكد في الصفحة 68 من الكتاب... بصيغة أخرى يجب أن يكون ذلك المثقف العضوي الذي ينصهر داخل مجتمعه ويتهمم بهمومه وفقا لخصوصية عمله وعلمه.
عندما نضع نص الدكتور عيشان في سياقه التاريخي... وننفتح على التجارب التي تتقاطع معها أفكار الكتاب حينئذ، نتجه صوب الدكتور بيتر كلود الذي ألف كتابا مشابها تقريبا بعنوان " الجغرافي خارج قاعة التدريس" وهو الكتاب الذي أصدر بالموازاة مع كتاب الدكتور عيشان. مما أعطى له راهنيته الإقليمية... ونحن اليوم وخلال هذه السنة نعيد قراءته لمستجدات جامعتنا خاصة بمراكش والتحولات التي عرفتها شكلا ومضمونا.
على سبيل الختم إن الكتاب الذي طارحنا بعضا من أفكاره، يذكرنا بأن مهمة المفكر الذي يريد خدمة الانسانية، هي الانقطاع عن اجترار الأفكار، ومواجهة العالم بوضوح، وتجسيد الواقع بموضوعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم خاركيف.. الجيش الروسي يسيطر على 6 بلدات ويأسر 34 عسكريا


.. حضور للعلم الفلسطيني والكوفية في حفل تخرج جامعة أمريكية




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار الغارات الإسرائيلية على مناطق وسط قط


.. كتائب القسام تقصف قوات إسرائيلية بقذائف الهاون بمعارك حي الز




.. انفجار ودمار في منطقة الزيتون بمدينة غزة عقب استهداف مبان سك