الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البسملة في ضوء السريانية

خالد درويش

2016 / 12 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البسملة في ضوء السريانية
خالد درويش
"بسم الله الرحمن الرحيم"، عبارةٌ ترد في فواتح سور المصحف الذي جمعه الخليفة الراشدي عثمان بن عفان (باستثناء سورة التوبة)، ويكررها مسلمو العالم ملايين المرّات في اليوم الواحد.
لن أخوض في الجدل الشائك المتداول منذ 1400 عام بين التابعين والأئمة والمفسرين حول موقع هذه العبارة الجوهرية في سياق القرآن الكريم، ووجوب اعتبارها آية تامة نزلت في أول كلّ سورة (ابن عباس وابن عمر) أم لا (ابن مسعود ومالك والأوزاعي)، وهل تُقرأ جهراً في الصلوات ( الشافعي وابن حنبل) أم خفوتا (أنس بن مالك وأبو حنيفة والثوري وابن القيّم).
ولكن، سأحاول، هنا، تحليل وتفسير هذه العبارة استنادا إلى معاني مفرداتها (الرحمن الرحيم، بشكل خاص) باللغة السريانية/ الآرامية، وهي اللغة التي ثبت وجود بعض مفرداتها في سياق الآيات القرآنية الكريمة، الأمر الذي دفع بعض المفسرين ورواة الأثر، الذين التبس عليهم المعنى لجهلهم باللغة السريانية أو لاستبعادهم وجود كلمات من هذه اللغة في نصوص القرآن، إلى اقتراح تفسيرات ملتبسة ومتباينة وغير دقيقة للمفردة الواحدة (الم، الر، كهيعص، أبّا، الصمد، الجبت،...) مثالاً.
ولسهولة الإحاطة بمبنى ومعنى عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" سنتناول مفرداتها بالتفصيل:
1- بسم:
نحن، هنا، إزاء حرف وكلمة. أما الحرف فهو الباء؛ إنه حرف الجرّ الذي يعني الاستعانة والوثوق والركون. وأما الكلمة فهي "سِمْ"،وليس "اسم"، لأن الألف هنا ألف وصل مجازية لا مكانة لها، خاصة عند النطق بها، وفي حال تقصّد المرء نطقها ستخرج متكلفة وثقيلة.
فضلاً عن ذلك، ولدى البحث عن الكلمة في اللغة السريانية/ الآرامية، سنجد أن مفردة "ܫܶܡ"، (تلفظ شِم) تحمل شحنة من المعاني المتعددة والمتجاورة في المعنى والدلالة، فهي "أسم" أو "سموّ"، أو "حجّة"، أو "علامة"، وجميعها مفردات تدلّ على السموّ من الخفاء إلى الظهور، والحجّة على الانتقال من المجهول إلى المعلوم.
ومن هذه المعاني لجذر كلمة "سم" يمكن استنباط معاني كثيرة في اللغة العربية مثل: السموّ (الرفعة) والوسم (العلامة) والوشم (الاشارة الموحية) والسمة (الصفة التعريفية).

2- الله:
إنه لفظ الجلالة، والكلمة التي تدلّ على الذات المقدسة عند العرب والمتداولة بمعناها منذ ما يسمى بـ "حقبة الجاهلية".
ولعل ما ورد في سياق معلقات شعراء الجاهلية من ذكر للفظ الجلالة برهان على وجود الخالق في حياة وعبادات العرب قبل ظهور الإسلام، كقول النابغة الذبياني:
ألم ترَ أن اللهَ أعطاك سورةً ترى كل مَلِكٍ دونها يتذبذبُ
بأنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ إذا طلعَت لم يبْدُ منهنَّ كوكبُ
وقول لبيد:
لعمرِك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجراتُ الطيرِ ما اللهُ صانعُ
فضلا على تسمية الكعبة في مكة بـ "بيت الله" كما يذكر المؤرخ الإغريقي ثيودور الصقلي (عام 60 ق.م) في كتابه "تاريخ ثيودور الصقلي، الجزء الثالث".

3- الرحمن الرحيم:
(الرحمن الرحيم) اسمان مستنبطان من الرحمة، فلم هذا التكرار ما دام أحدهما يغني عن الآخر؟
على هذا التساؤل يجيب السالفون من صحابة وأتباع ومفسرين:
يقول ابن عباس: "هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر، أي أكثر رحمة".
ويتوسع الطبري في تفسير التكرار، قائلاً:
"لكلّ كلمة منهما معنى لا تؤَدّي الأخرى منهما عنها، فالرحمن بجميع الْخلْق، والرحيم بالمؤمنين".
ويورد ابن كثير في تفسيره: "بُدئ بوصف الله تعالى بالرحمن لأنه أخصّ وأعرف من الرحيم، لأن التسمية أولاً تكون بأشرف الأسماء لهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخصّ".
اذا، نحن أمام أسمين، أحدهما أرقّ من الآخر، وأشمل من الآخر، وأخصّ من الآخر. والسؤال هنا، مادام "الرحمن" أرقّ، وأشمل وأخصّ، فلمَ لمْ يكتفى به عن "الرحيم"!.
سنلتمس الإجابة في الرجوع إلى اللغة السريانية/ الآرامية لنكشف عن أن الكلمتين مختلتان بالمعنى، ومتقاربتان بالدلالة كصفتين من صفات الخالق. لعلنا، بذلك، نزيل بعض ما علق بتفسير هاتين المفردتين الجوهريتين من التباس وغموض.
أولاً، "الرحمن":
يستهجن البعض كتابة هذه الكلمة بدون ألف بين حرفي الميم والنون (الرحمان)كما يستوجب لفظها باللغة العربية. والاجابة متضمنة في أن أصل هذه الكلمة سرياني/ آرامي، واللغة السريانية تستعيض في معظم الحالات عن أحرف العلّة بالحركات.
وكلمة "رحمن" بالسريانية تكتب: "ܪܰܚܡܳܢܐ"، وتلفظ (رَحْمُنْ) وتعني رحوم أو رحيم، وهي صيغة مبالغة من الفعل المزيد "ܪܰܚܶܡ" (رَحَمْ) والذي يحمل نفس معنى فعل "رَحَمَ" باللغة العربية، ومشتقة من ".ܪܰܚܡܳܢܘܬܐ" (رَحْمُنوتْ) وتعني "رحمة".
ثانياً، "الرحيم":
تكتب كلمة "الرحيم" السريانية/الآرامية، التي اعتمدت، واتسع تداولها، في اللغة العربية (مع تعديل معناها) هكذا: "ܪܚܝܡܐ"، (تلفظ رُحيمْ) وتعني "محبّ" أو "ودود".
وصفة الله تعالى هذه ليست غريبة على الخطاب القرآني، بل إنها تتكرر في صيغتيها (المحبّ والودود) في القرآن الكريم عشرات المرات:
"إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" البقرة/196
"إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" آل عمران/159
"وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" آل عمران/146
"إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" البقرة/222
أما الدليل الساطع على اقتران صفة "الرحيم" بمحبة الله لعباده فنجده في في سورة آل عمران، الآية 31:
"قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قران صنعاء كتب قبل ولاده محمد الوهم بقرن
ال طلال صمد ( 2016 / 12 / 6 - 23:48 )
الاخ الفاضل - تحيه عطره
اشكر جهدك وانني استفيد منك كثيرا
هل تعلم ان البرفسور كيرد بوين من جامعه ساربروكن بين ام قران صنعاء كتبت اجزاء منه قبل ولاده محمد الوهم بقرن
لا اسلام ولا مسلمون في صحاري الربع الخالي في القرن السابع الميلادي
اشكرك واسلم لاخيك
ال طلال


2 - البسملة في ضوء السريانية
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 7 - 06:57 )
تحياتي استاذ خالد وشكرا على مواضيعك المهمة والمفيدة ، بحسب سورة (الإسراء 110) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰ-;-نَ ، نلاحظ ان الرحمن قرآنيا هو اسم مرادف لأسم الله ، وفي اللغة السريانية البسملة هي (- بشم ألوهه رحمانو رحيمو -) ، فكلمة رحمانو لا اعتقد بأنها مشتقة من كلمة (رَحْمُنوتْ) السريانية التي تعني رحمة بل انها مشتقة من كلمة (رحمو) وتعنى بالسريانية بيت الرحم أو رحم المرأة ، ورحمانو مسيحيا هو الله المتجسد في رحم مريم العذراء وهذا يتطابق مع سورة الإسراء 110 من ان الله والرحمن هما واحد وفي السريانية ايضا آلوهة ورحمانو المتجسد هما واحد ، اما الرحيم (المحب) فيرمز للروح القدس ، فالبسملة إذا كتبت بالعربية او بالسريانية هي تعبير يرمز للثالوث المسيحي ، اكرر التحية والأحترام


3 - السيد ال طلال
خالد درويش ( 2016 / 12 / 7 - 09:00 )
تحية وسلاما
أعلم بعض حيثيات هذا الأمر، وأتتبع أي معلومة حول نتائج دراسة إحدى أقدم نسخ المصحف الموجودة في جامعة برمنغهام


4 - الأخ شاكر
خالد درويش ( 2016 / 12 / 7 - 09:20 )
تحية واحتراما
انا على قناعة بالاستنتاجات القيّمة التي تفضّلت بها، وقد استوقفني هذا الاستنتاج منذ 14 عاما بالبديهة وبالمقاربة مع أقانيم الثالوث المقدس. ولكنني، وانطلقا من حقيقة أن لكلمتي -بيت الرحم- و-الرحوم أو الرحيم- نفس الدلالة في اللغة السريانية، والمشتقة من كلمة ܪ-;-ܰ-;-ܚ-;-ܡ-;-ܳ-;-ܢ-;-ܘ-;-ܬ-;-ܐ-;- (رحمُنوت) الرحمة، ارتأيت اعتماد المعنى الآخر، ألا وهو الرحوم، وذلك تفاديا لطرح الاستنتاجات -الصادمة-، ودون أن نتجاوز المعنى
الغرض من اقتراح التفسير المختلف للعبارة هو دفع الناس الى عدم الركون والاطمئنان للتفسيرات التي اقترحها السالفون من تابعين ورواة أثر وفق آلية اجتهادية بعيدة عن ميكانيزمات التمحيص العلمي
لك شكري وتقديري

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah