الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحدون تكفيريون

جعفر المظفر

2016 / 12 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ملحدون تكفيريون
جعفر المظفر
الملحد قد يكون تكفيريا حينما يُنَظِّر لإلحاده بطريقة قمعية أو متضمنة للإستخفاف الشديد بأفكار المتدينين وليس مناقشتهم بطريقة رصينة ليتحول الإلحاد على يديه إلى دين بدلا من أن يكون موقفا سلبيا من قضية الأديان. وكما في الجغرافيا كذلك في السياسة : الأرض أيضا كروية, إذ أن بإمكان أقصى اليسار أن يلتقي بأقصى اليمين في مساحة واحدة عنوانها التطرف, وفي هذه المساحة يمكن أن يكون المتدين تكفيريا وكذلك الملحد.
في بدايته كان الدين من أجل المجتمع, أما الآن فصار المجتمع من أجل الدين. هذه المعادلة قلبت الحال رأسا على عقب, فهي بدلا من أن تُنزِل الدين على البشر طارت بالبشر إلى الدين, فصار كلاهما في وضع الطيران. لقد تحول الدين بذلك من مدرسة لتعليم الإنسان طريقة السير على الأرض إلى مدرسة لتعليمه طريقة الطيران في الفضاء, وإذا بنا أمام إنسان لا هو بالطائر ولا هوبالسائر.
مطلوب من الملحد, وهو يتعامل مع قضية الأديان, أن لا يقلب إلحاده إلى دين متزمت. ولو أن إلحاده كان مبنيا على قناعات فكرية وعلمية رصينة وشجاعة, فهو سيصير قادراعلى دراسة التاريخ بشكل حرفي محايد لكونه أكثر الناس تحررا من ثقافة الموروث وضغط الإنتماء الديني أو المذهبي.
لا شك أن هناك فرق كبير بين الملحد واللاديني .. عدم الإعتراف بوجود الدين والإنبياء لا يعني بالسياق أن الفرد هنا ملحد, وإنما هو (ناكر) للدين وليس للذات الإلهية, إذ قد يكون هذا الإنسان أشد إيمانا بوجود (الخالق) من المتدين نفسه سواء من حيث وصوله إلى هذا الإيمان عقليا, أو من ناحية تصريف هذه الفكرة أخلاقيا, فهو هنا نبي نفسه.
يبني بعض الملحدين موقفهم الفكري من قضية الخلق والخالق على أساس سلبي بحت. وبالنتيجة فإن وصولهم إلى الإلحاد لا يناقش مسألة خلق الكون ومعقولية أو لامعقولية النظرية الدينية في تفسير الوجود, كما وأن طريقة الإقتراب من طبيعة الكون وقضايا الخلق والخالق قد تتشكل سلبيا وتتأسس على الموقف السلبي من قضية الدين نفسه. مثال على ذلك يتم تحديد الموقف من الخالق على ضوء مناقشة العقيدة الدينووضعية فتكون هناك وقفات مركزية أمام أحداث جابهت هذا الدين أو ذاك, ولنقل الإسلام, في بداية الدعوة وتأسيس الدولة أو مناقشة مناهج ذات طبيعة موضوعية بحتة.
على ضوء لائحة حقوق الإنسان الحالية فإن ما حدث حينذاك يعتبر خارجا على اللائحة بعين الحاضر. لكن سيكون خارجا على العقل من لا يقف ليحلل ذلك من خلال العودة إلى أحكام ذلك الزمان وظرفه. وبينما يؤكد هؤلاء على ضرورة تعاقب الأزمنة وإختلاف السلوك نتيجة لإختلاف الظرف من أجل تشريع المُختلِف بحكم يومِه, فإنهم أنفسهم يقومون بإستعمال هذه الطريقة التحليلية ضد أنفسهم حينما يؤسسون لنظرياتهم التاريخية الشاملة من خلال محاكمة أحداث سابقة بعين لاحقة.
هؤلاء هم في الحقيقة نسخة مكررة من أضدادهم, فهم أيضا تكفيريون ولكن من النوع الملحد. لنأخذ الموقف من تعدد الزوجات, كان الأمر حينها يبدو طبيعيا جدا, أما الآن, ونتيجة للمتغيرات المركبة والتي انتجت بدورها خطابا ثقافيا مختلفا, لتؤسس بفعله خطابا إنسانيا وقانونيا مختلفا, فإن تعدد الزوجات قد صار مخالفا للخطاب القيمي الإجتماعي. من ناحية الموقف هناك من يَنْظر للأمر حاليا بعيون سلفية فيرى ان الزواج بأربعة هو حق ثابت ومٌشَّرع بكتاب وبسنة, لكن على الطرف الأخر سوف نجد هنا من يعيب على الإسلام حينها تشريع نهج كهذا, وهذا يأتي إعتمادا على أحكام حالية أو جدتها قرون من التطورات المركبة. إن كلا الأمرين لا يخلو من خطأ فادح : الأول يُكَفُّر الحاضر بعين السَلَف والثاني يُكّفَّر الماضي بعين الخَلَف.
التكفيريون من النوع الديني يذهبون إلى تكفير كل من ينتقد السلوك الماضوي الإسلامي, حتى لو كان بالإمكان تفسيره كونه ذا صلة بطبيعة الدول والمجتمعات آنذاك. في المقابل يذهب التكفيريون الملحدون إلى تكفير كل من يحاول دراسة الظواهر الماضوية بطريقة رصينة والقبول بجانب منها أو رفضه على ضوء إمتحان ملاءمته للظرف الحالي.
هؤلاء وأولئك هم تكفيريون أشداء يلتقون في نفس المساحة رغم سيرهم بإتجاهين متعاكسين, وكأنما هم يؤكدون على كروية الأرض, ليس في الجغرافيا فقط وإنما بالأفكار أيضا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فوبيا الالحاد
ملحد ( 2016 / 12 / 8 - 22:03 )
لا ادري لماذا هذا الرعب من الالحاد والملحدين!
مالي ارى شكلا من اشكال (فوبيا الالحاد) تجتاح بعض كتاب ومعلقي الحوار المتمدن!
من يكفّر من في الحقيقة والواقع?
ايستطيع الملحد الدعوة الى فكره بحرية وامان كما يفعل المؤمن في مناطقنا المنكوبة المسماة (الشرخ الاوسخ)?
نحن لا نكفّر احدا وانما نكفر بما يسمى بالاديان لاننا نعتقد انها مسؤولة عن الجزء الاعظم للحالة المزرية التي تعيش فيها دولنا
انظر الى حكام العراق (المؤمنين) كيف يسرقون وينهبون بالمليارات تحت اسم الدين وعلي وحسين و...
الا تعتقد ان حكاما عراقيين ملحدين او لادينيين افضل من الموجودين الان?
فعلى الاقل ان (سرق او نهب) هؤلاء لن يدّعوا انهم قاموا بذلك تحت اسم هذا الاله او ذاك الامام.....

تحياتي اخي الكاتب


2 - ملحدون تكفيريون؟!
صبيغ إبن هيباتيا ( 2016 / 12 / 8 - 22:56 )
على وزن الإسلام دين السلام أو المسيحية لا تتعارض مع العلمانية هه


3 - الشيزوفرينيا
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 12 / 9 - 13:03 )
في المرحلة الآبتدائية, درسنا معلم الدين ان كل الظواهر الطبيعية من تعاقب الليل والنهار وسقوط الامطار وتغير الفصولالآربعة هي من قدرة الاله الواحد الجباروان ألارض واقفة على قرن ثور , وهكذا ملئوا افكارنا ونحن صغار في هذه الآفكار الخرافية, وفي درس الجغرافية شرح المعلم عن هذه التغيرات وبشكل علمي مرئي ان الجهة التي هي امام الشمس فهي نهار والنصف الثاني من الآرض المظلم فيها الليل, كما ان الآمطار من فعل التبخر ويتم سقوطه وهكذا هي دورة الطبيعة, ونحن بقينا قي حيرة من امرنا ايهما اصح لنا, الى ان ان جائنا احد المدرسين وسألناه ايهما اصح لهذا التفسيرات , قفال لدرس الدين اجيبوا حسبما قال ولدرس الجغرافية حسب مادرستم , فغرس بنا فكرتين متناقضتين, وهي ازدواجية التفكير والتخمين .هناك صراع واضح بين الدين والتعلم والانحياز الى العلم هو انكار وجود الآله بأمتياز وبهذا فنحن ملحدون ,اي لا تفسير لخلق الكون وغيرها من الظواهر تجدها في المعادلات الفيزيائية والكيمياء , والان نجدها في استنساخ البشر والتقدم التكنولوجي في العلم فقط, اما الدين فأصبح مكانه في المتاحف, مع التقدير

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة