الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلْقة في المغرب مدرسة أولى

محمد المشماش

2016 / 12 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في أيام الدراسة في الابتدائي عندما كنت أدرسُ في مدرسة باب الخوخة ذكور التي تحولت فيما بعد لإعدادية الأمل بالمدينة القديمة بفاس, أتذكر كل يوم الإثنين و الخميس كنت أنتهي من الدراسة على الساعة الرابعة زوالا و كنت أحظر معي عشر ريالات (نصف درهم مغربي),أربعة ريالات أشتريها زريعة سوداءْ من الدكان المقابل للمدرسة و ستة دريالات الأخرى أخصصها لصاحب الحلْقَة و كنت أقصد "راس القليعة" (ساحة في المدينة العتيقة بفاس) لكي أتفرج على الحلْقة, في الحلْقة كان شيخا (لا أظن على أنه لا زال قيد الحياة) كان يسرد علينا قصص الأنبياء و الرسل بطريقة هزلية, كنتُ مدمنا على حصصه أتابعها بنهمٍ شديد, كان الجميع يفضل حلقة (البوكسور) أو المْسـيَح الفكاهي الكبير و كنت أقول في قرار نفسي لماذا يقصدون حلقة العنف و يتبارزون من أجل لا شيء (يمكن أنهم كانوا متأثرين بمحمد علي كلاي الذي لم أكن أشاهد مبارزاته) أما "المْسيَح" كنت أتابع مسرحياته كذلك رغم أنها كانت متشابهة كانت تستهويني النكت الجنسية و نكت المقارنة بين الفاسي و العروبي, و العلاقة بين الرجل و المرأة, و خصوصا عندما كان يستل مزماره العجيب من جيب سترته الرثًة لكي يعزف موسيقاه الخاصة.

أجلس القرفصاء في مقدمة حلقة الرجل الشيخ بأدب و تركيز شديدين لم أكن أفكر في المراجع التي يستند إليها, هل هي كتب مقدسة, أم كتب تاريخ؟ فمنظر المجلدات كلها تشبه القرآن (أدركت هذا من بعد), المهم أنه كان يغريني مشهد المجلد الكبير الذي كان يقرأ منه قصص الأنبياء و الرسل, لأنه كان يختلف عن شكل الكتب المدرسية المملة, كان يحكي لنا عن مغامرات الأنبياء مع المشركين الذين لم يقتنعوا بفضائل النعم التي يجلبونها, من خلاله عرفت على أن الإسلام ليس هو الدين الوحيد الموجود و أن النصارى و اليهود ليسوا كفارا كما يقول إمام مسجد الجمعة في خطبته الذي كان يدعي عليهم بالموت و الدمار و الطوفان و العواصف و تيتيم أبنائهم و ترميل نسائهم, دائما راودتني هذه المقارنة بين رجل الحلقة الشيخ البسيط الذي كنت أتابعه في صغري و إمام خطبة الجمعة الذي تابعته فيما بعد و الذي يجلب آلاف المصليين بمسجد التجموعتي بحي سيدي بوجيدة, الإمام الذي تحول بقدرة قادر من معدم فقير إلى أحد أغنياء المدينة حتى أصبح يحضر يوم الجمعة أو إلى دروس و ندوات جمعية الأمل التي كانت تأطر مراهقي حزب إسلامي (هم أصلا لم يكونوا على معرفة بذلك) بحراس شخصيين و سيارة رباعية الدفع مع العلم أنني لم أستفد منه شيئا غير دعواته على الكفار و اليهود و النصارى, في حين شيخ الحلقة الذي لا أظن أنه أغتنى من قطعنا النقدية الصفراء التي لا تسمن و لا تغني من جوع, ترك في مخيلتي أثرا كبيرا جعلني أبحث في الكتب الكبيرة عن أسئلتي المتواضعة.

هكذا أدركت أن تعليم لا يلقن مباديء الشك و النقد و التساؤل, تعليم ينبغي رميه في سلة المهملات, تعليم لا فائدة منه, إنه ينتج نخب مقولبة, على شاكلة الآلات الفاقدة للوعي أو الزومبي أو الشيخ مول الصابونة أو الشيخ السار أو الشيخ الكبير الذي يلقبونه بمفكرهم العظيم الذي يبحث عن الدولة المدنية في فكر ابن تيمية أو لا أدري أشياء كهذه لا تشبه الإنسان. المهم من هذا المجد لشيخ الحلقة الرجل المتواضع الذي لا أعرف حتى اسمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا