الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسير -سورة الكوثر- في ضوء السريانية

خالد درويش

2016 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تفسير "سورة الكوثر" في ضوء السريانية
خالد درويش
سورة الكوثر واحدة من أشهر سور القرآن. ترتيبها الـ 15 حسب النزول (قبل "التكاثر" وبعد "العاديات")، والـ 108 حسب المصحف العثماني، وعدد آياتها ثلاث. هي سورة مكيّة حسب روايات البعض، ومدنية بالنسبة لآخرين.
نزلت السورة، حسب ابن عباس برواية عطاء، في العاص بن وائل (والد عمرو بن العاص) الذي كان يصف الرسول الكريم بـ "الأبتر" بسبب موت ابنه البكر، وكانت العرب في الجاهلية تسمي من لا بنين له بالأبتر.
عن ابن عباس، قال: "كان العاص بن وائل يمر بمحمد، ويقول: إني لأشنؤك وإنك لأبتر من الرجال، فأنزل الله تعالى "إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ"من خير الدنيا والآخرة".
على الرغم من قصر هذه السورة، ومفردات آياتها التي لا تتجاوز العشر كلمات، فإنها من كانت وما زالت موضع اختلاف بين الصحابة والمفسرين والرواة من حيث اسباب نزولها (في العاص بن وائل، في يوم الحديبية، في كعب بن الأشرف.. الخ)، ومكان نزولها (مكية أم مدنية)، وفي تفسير معانيها، وخاصة كلمتي "الكوثر" و"انحر".
سنأتي بشيء من التفصيل إلى مستوى الخلاف والاختلاف في تفسير معاني الآيتين الأولى والثانية من السورة.

1- "إنا أعطيناك الكوثر":
يقول الطبري في تفسيره المعروف باسمه: "واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنّة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم".
عن ابن عمر أنه قال: "الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه من ذهب وفضة، يجري على الدر والياقوت، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل".
وعن مجاهد، قال: "الكوثر نهر في الجنة، ترابه مسك أذفر، وماؤه الخمر"
وعن عائشة (أم المؤمنين)، قالت: "الكوثر: نهر في بطنان الجنة (وسط الجنة)، شاطئاه در مجوف، فيه من الآنية لأهل الجنة مثل عدد نجوم السماء".
وعن ابن عباس، قال: "الكوثر هو الخير الكثير".
عن عكرمة، قال: "الكوثر هو ما أعطي النبي من الخير والنبوة والقرآن".
هذا إيجاز لبعضٍ يسيرٍ مما ورد في روايات السالفين المختلفة في تفسير معنى كلمة "الكوثر"؛ فهل هو "نهر في الجنة"، أم "الخير الكثير والوفرة"، أم هو النبوة"، أم "القرآن"؟.
بالرجوع إلى اللغة السريانية/الآرامية، والتي أثبت علماء الألسنيات، قديماً وحديثاً، وجود مفردات منها في سياق آيات القرآن الكريم، سنعثر على معنى كلمة "الكوثر"؛ ألا وهي: "ܟܘܬܳܪܐ"، (تلفظ كُوتُرْ، أو كُوثُرْ)، وتعني "الثبات".
وعلى ذلك يصبح معنى الآية: (إنّا أعطيناك الثبات).

2- "فصَلِّ لربّك وانحَر":
لا خلاف بين الصحابة والتابعين والمفسرين حول كلمة "فصلِّ لربك" من الآية والتي تعني (الصلاة لله تعالى)، ولكن الاختلاف البيّن وقع في معنى كلمة "إنحَر".
فسّر كل من قتادة ومجاهد المقصود بالآية: "صلاة الأضحى، ونحر البدن في منى"
وذكر القرطبي في تفسيره كلمة "إنحر"، أنه رُويَ عن عطاء قال: "أمَرَهُ أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحرَه"
ونقل الفراء والكلبي وأبو الأحوص عن ابن عباس، قال:تعني "استقبلِ القبلةَ بنَحرِك".
ويروي الطبري عن جابر وعن أبي جعفر، برواية وكيع أن المقصود بـ "النحر" هو "رفع اليدين والتكبير في افتتاح الصلاة".
وعن روايتي الطبري والقرطبي أن الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، قال إن "إنحر تعني وضع اليمين على وسط ساعد الشمال في الصلاة".
ولكن، وإذا ما بحثنا عن معنى كلمة "إنحر في اللغة السريانية/الآرامية، سنجد أنها تعني "لينشرح صدرك"، وهي اشتقاق من الفعل الثلاثي "ܢܚܰܪ" (تلفظ نَحَرْ) وتعني (انشرحَ صدرُه بعد ضيق)، أو (تنفسَ الصعداء).
وما يدفع الى الاعتقاد بأن المعنى الأنسب لكلمة "وإنحر" هو (ولينشرِح صدرك) أسباب عدة، نذكر منها:
أولاً: وردت الآية في معرض اشاعة السلوى في نفس الرسول الكريم بعد فقدان بكره القاسم، واستجابة للثبات الذي منحه اياه ربه عزّ وجل لمواجهة الأذى الذي ألحقه به صناديد قريش بنعتهم له بالأبتر.
ثانياً: لمكانة هذه الكلمة وأهميتها (خاصة في صدر الدعوة) خُصّصت لهذه الكلمة سورة سمّيت باسمها وهي سورة الشرح، وتكرر ذكرها في القرآن الكريم مرّات عدة، منها:
"قال ربِّ اشرح لي صدري"، سورة طه/25
"فمن يُرِد الله أن يهديه يشرح له صدره.."، سورة الأنعام/125
"ألم نشرح لك صدرك"، سورة الشرح/1
وعليه، سيغدو معنى آيات سورة الكوثر هكذا:
إنّ أعطيناك (أيها النبيّ) الكوثر (الثبات)، فصَلِّ لربّك وانحَر (لينشرح صدرك)، إنّ شانئك (مُبغضك) هو الأبتر (الأذلّ، المنقطع عقبه).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سورة الكوثر في ضوء السريانية
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 12 - 22:44 )
فعلا كما تفضلت استاذ خالد المعنى السرياني لكلمتي الكوثر وأنحر يعطي اكثر قوة بلاغية لسورة الكوثر ، اعتقد بأن كلمات القرآن غير المنقط كتبت بالخط السرياني الكرشوني ( ܣ-;-ܘ-;-ܪ-;-ܝ-;-ܝ-;-ܐ-;-) وهي الكتابة العربية بالحروف السريانية ، وقد استعمل المدونون كلمات سريانية في بعض الجمل لأعطاء الجملة معنى اوضح ، وهنا يجب الإشارة الى ان القرآن قبل التنقيط كان هناك من يجيد قراءته وفهمه وهو بلا نقاط وهؤلاء كانوا من السريان ، لذلك يعتبر التنقيط عبارة عن ترجمة الكتابة الكرشونية السريانية الى اللغة العربية ولكن ظل تأثير السريانية ظاهر في بعض الآيات القرآنية حتى بعد التنقيط ، من ناحية اخرى ربما يسأل سائل كيف وصف القرآن العاص بن وائل بالأبتر وكان العاص له ولد اسمه عمرو بن العاص ؟؟ تحياتي استاذ خالد وشكرا لمواضيعك المهمة


2 - الاستاذ شاكر
خالد درويش ( 2016 / 12 / 13 - 09:44 )
تحية وتقدير
حقا أستاذ شاكر، تنقيط كلمات المصحف كان منعطفا حاسما، بما له وبما عليه، في مسار إدراك (او التباس إدراك) معاني ايات القرآن
دمت بخير

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah