الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة ل(سورة)الكافرون(4)

ماجد الشمري

2016 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءتنا ليست كما يتبادر الى الذهن المغرض:كأسقاط لمنهج وقيم حداثوية،او مفاهيم عصرية على الماضي وتنتهكه بما لايحتمل من مقاربة.ولاهي محاكمة او نقد لاخلاقيات وثقافة واعراف مجتمع:قبلي-رعوي-صحراوي في مطلع القرن السابع الميلادي بآلية ومعايير وثقافة وقيم الالفية الثالثة.بقدر ماهي قراءة تفكك وتتأمل نقديا في منطوق ومنطق ونسق وبنية(السورة)الاشكالية:الكافرون- موضوع القراءة-والتي تمركز الاختلاف كبؤرة وحقيقة قارة،وواقع سائد معترف به من قبل الجميع.ولكنها تتعامل معه،كظاهرة منحرفة ضالة ومرفوضة،يجب ازاحتها وزوالها ليحل بدلها الدين القويم الهادي واللامختلف كبنيان املس بلا زوائد او نتوءات تشوه الوحدة الشاملة.وايضا ليست تزييفا في تقويل النص مالم يقله او تأويله بتعسف لايحتمله خطاب السورة وآياتها.او قرأتها برؤية شاذة تعتصر النص وتهشم مرآته،وتحرف المعنى وتظلمه..
انها مجرد قراءة بسيطة للكلمات وطياتها،تستنطقها لتقول حقيقتها،وتبني على ماقيل عيانا وما استبطن في الذهن.والانطلاق من بسط التناقض والاختلاف كعامل ضروري وحيوي في اي بيئة اجتماعية لواقع حال مقبول ومعترف به كحركة تنوع وطبعنة تميز الفكر الثقافي والديني داخل المجتمعات قديما وحديثا.فقراءة نص ديني انتج على الاقل في الفترة المكية المتقدمة من بدء النبوة المحمدية في العقد الاول من القرن السابع الميلادي-وبغض النظر عن النوايا والغايات-يعترف بالاختلاف،ويصبو-كما يفترض-لتكريس حد ادنى من التعايش والمصالحة او التوافق،وكشكل من القبول المتبادل بين طرفين متعارضين في ممارسة التدين والعبادة:الاكثرية المكية التقليدية الساحقة،والاقلية الهامشية المحدودة التي يمثلها النبي محمد ورهطه المعدودين.-هذا مايهمنا،ولايخامر ذهننا غير ذلك..
وما يجب التذكير به هو:ان مجتمعات الجزيرة العربية ومدنه:مكة،يثرب،الطائف،وغيرها.كانت تتمتع بأنفتاح ديني،وبحرية وتعدد الاديان:تعدد آلهه،واديان كتابية مختلفة،كانت تشكل مصدا وحماية ضد اسباب التنازع والتخاصم الديني الذي جاء لاحقا بعد نبوة محمد.فقد كان الجميع يحترم ديانات الجميع.
وتلك الاعراف والتقاليد الثقافية-الدينية الكثيرة التنوع في مللها ونحلها،واثنياتها وطقوسها،لم تكن ابدا عائقا او سببا او عنصرا للعداء والكراهية الدينية.فكل الجماعات في المدن والضواحي والواحات.كانت تنعم بحالة من وئام وسلام خالي من النزاع والتصادم والصراع الفكري-الديني.فقد كانت مجتمعات رعوية بسيطة،ومتعددة في نشاطاتها واشكال انتاجها الاقتصادي،فتعايشت المعتقدات والافكار الدينية المختلفة جنبا الى جنب ولقرون دون صدام او قمع او اقصاء للآخر.(وطبعا لايغيب عنا المنازعات والحروب على مصادر الحياة في بيئة ندرة وشحه،وشيوع الغزو والاغارة بين القبائل لدوافع اقتصادية ومن اجل البقاء،واخرى عشائرية:ثأر-انتقام-دفاع عن مكانة او كرامة،ولكنها لم تكن قطعا لاسباب دينية).ومن هذه الزاوية نقرأ ونناقش الازدواجية والتناقض الواضح والوارد في هذه(السورة):الكافرون._من الطريف ان نذكر بأن هناك في القرآن-المدون(سورة)بعنوان:(المؤمنون)!.وهكذا جرى التصنيف والعزل،كما يعزل الزوان عن القمح:كافرون ومؤمنون،من يعبد بعل ومن يعبد اللوهيم،ومن يعبد هبل ومن يعبد الله!_..(كلها مجرد اسماء اطلقوها وتصارعوا حول مقدسها ومدنسها!).
-من الجدير بالذكر:ان الطرف المكي المناويء لمحمد اضطر لمعاملته بالمثل،وبنفس مقاييس النبذ والرفض المتبادل لكل ماهو مختلف ومغاير او مايهدد مصالح الملآ المكي او ينغص استقراره،ويسفه او يكفر بمعتقداته وآلهته،ولو بدرجة اقل من تشنج محمد واتباعه،والتزاما بالتراحم والابوية القبلية المراعية لافرادها والحريصة على لحمة روابط الدم والقربى.فقد حاولوا كثيرا التوفيق بين عقيدتهم وعقيدة ابنهم المارق المهرطق دون جدوى.لذلك زادت حدة الخلاف،فحل الصراع الخفي والعلني بين محمد واتباعه من جهة،والمكيين المحافظين والمتمسكين بديانتهم المتوارثة والراسخة من جهة اخرى،رافضين كليا دين محمد الجديد الساعي لهدم عقيدة الاجداد،والطامح لحلول عقيدته محلها،وهذا ما اثار حفيظة وغيض المكيين ،وما ادركوه جيدا ولمسوه من دعوة محمد كخطر محدق بسيادتهم الدينية ويهدد مركزية مكة الوثنية تجاريا ودينيا والتي تربط كل اطراف الجزيرة بمكة ومواسمها في الحج والاسواق.لذلك لم يعاودوا من جديد محاولة اغرائه ومساومته بعد فقدانهم الامل بتغييره او على الاقل تحييده في موقفه من ديانتهم.مرة اخرى نعود لسؤالنا الملح:لماذا اختار محمد تلك الصيغة الازدرائية الهجائية المسفهة والمتعالية لوصف ونعت المختلفين عنه في العبادة او الدين؟!.
اجبنا جزئيا على ذلك سابقا،ولكن من زاوية اخرى هناك تفسير يتسم بالبساطة في تعليل وتوضيح النمطية الثابتة التي تتميز بها العقلية الدينية-الايديولوجية وهي:ان كل الديانات قديمها وحديثها،فضائية كانت ام ارضية،والايديولوجيات العقدية عموما وبلا استثناء،تنزع لآقصاء كل مايختلف عنها وتدينه كهرطقات،وتنبذه خارج سياجها الدوغماتي الحصين!.دامغة اياه بوصمة الكفر ،والشرك،والمروق،والضلال،والردة،والخ من مفردات يحفل بها معجم التكفير والشيطنة والسقم والضلالة العقدية لترمى كلها في وادي جهنم المخصص للكافرين!.وماجاء به النبي محمد لايخرج عن ذلك وليس من استثناء.فمحمد كما تصور او اعتقد:امتلك الحقيقة المطلقة وورثها وحيا هبط عليه مختارا من السماء-لايأتيه الباطل من اي جهة كانت-فالباطل هو دائما خارج سور قلعة العقيدة اياها.وسواء اكان كفرا او شركا او ضلالا او تحريفا،الخ.فليس هناك تكافوءا او ندية او توازن او مساواة في الايمان والكفر في الاديان والايديولوجيات عموما-ويشمل ذلك حتى التفرعات المذهبية،والهويات المنشقة والمنقسمة من الدين الواحد:سنة -شيعة،كاثوليك-بروتستانت،الخ،من مذاهب وطوائف ونحل.فأعتقادي هو الصواب الكلي،اما اعتقادك انت فهو حتما ودائما ضلال وكفر شنيع يجب التخلي عنه،والعكس ايضا صحيح لدى الجانب المخالف!.فكل قوم بما لديهم مؤمنون،وبالتالي سعداء فرحون،فهم المهتدون دون سواهم من كافرين ومشركين ومهرطقين ومارقين!..دوائر منغلقة لاتتنافذ ولاتتصل.-مع ان كل دين هو كشكول وجراب حاوي يجمع نتف من انتيكات الديانات التي سبقته ولاجديد تحت الشمس!.الا ان كل دين يعتبر نفسه متفردا متفوقا كاملا قويما متميزا ليس كمثله او مايشبهه من شيء!!.
ومن هنا فأن ايمان محمد بما لديه من سردية دينه الجديد يرفض بالمطلق كل ماهو مخالف لما انتجه من وحي ونص!..
ان استخدام النبي محمد لكلمة(الكافرون)في(الآيه)الاولى من(السورة)ينسف ويدمر النية الحسنة-اذا صدقت النيات؟!-.فهو يناقض بحدة ماجاء بعدها من(آيات)2+3+4+5+6-فالبارز في المقطع الثاني والثالث(الآيه)الثانية والثالثة،والي يقول فيه محمد:"لااعبد ماتعبدون"و"ولا انتم عابدون ما اعبد".هو نفي ذاتي صادر عن ذات-أنا واعية ومدركة لأختلاف عبادتها المغايرة.وفي الوقت عينه،هي نفي ملحق بالمخاطب المختلف،ولسان حاله الاعتقادي كما يفهمه او يتخيله ويفترضه محمد.وهذان الأمران-النفيان يدخلان في باب الحد الانى من الاعتراف بحرية العقيدة للجميع بلا قسر،والتي يقر بها محمد كوصف،وايضا كتبشير بالاختلافات العقدية الواقعية،والاقرار الملزم لكلا الطرفين:محمد-المكييون بالتقاطع والتصالح والقبول المتبادل للاديان المتعددة.وهذا امر ايجابي يدعو للترحيب به،وتأييده كسلوك اجتماعبي-ثقافي مدني متحضر،يجب تعميمه وسط اي مجموعة بشرية تعيش في رقعة جغرافية معينة،بل في كل ارجاء المعمورة.فهو ترسيم وخارطة قانونية-حقوقية-مدنية طبيعية لتعايش العبادات والاعتقادات المختلفة في مجتمع متعدد ومتنوع،وليس من خلاف حول حرية التعبد والتدين لكل الاطراف المتباينة في رؤاها وتصوراتها وافكارها الدينية-الايديولوجية بلا عائق او حظر او تكفير او غير ذلك.ان انفي ماتعتقده واؤكد ما اعتقده بشرط حصره بحقل شخصي او جماعي محدد لايمس او يعتدي على حرية ضمير الاخر ،هو نفي واعتراف وقبول وتعايش لاديان وعبادات مختلفة ومتنوعة في نفس الوقت.امرا يجب تكريسه وتشجيعه وتطبيعه وقوننته في العلاقات داخل المجتمعات دون قهر او تجاوز اوخرق.ولكن ايمان وكفر بلا حجاب التعصب والانحياز امرا عسير المنال!!.
............................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل قبل ديان العرب بالسلام ( الديني)مع اهل مكة؟1!
محمدعبدالجبار ( 2016 / 12 / 13 - 20:21 )
نحن بما عندنا و انت بما عندك راضٍ والرأي مختلفُ

هل قبل النبي محمد بهذه التسوية؟! او بالتي حملت معها المال و الجاه ، مقابل الكف عن سب الهة المكيين و تسفيفهم(زعماء مكة) ؟! طبعاً لا . فقد كان لدى محمد حلماً عظيما ، بأن يصبح كما قال الاعشى - ديان العرب- . اذاً موضوعة التكفير و التسفيه كانت لاغراض سياسية و لكي يسيطر على الساحة دون وجود معارضة تدعي الايمان و بالتالي تزاحمه على سيادة شبه الجزيرة و بالتالي قبائل العرب كافة، فتكون دعوته الايمانية - و بالتالي دولته التي طمح اليها- الخالصة التي دونها الكفر و الاشراك ، هي المتسيدة على مصادر العيش في شبه الجزيرة - مكة للتجارة و مركز ديني .


2 - هل قبل ديان العرب بالسلام ( الديني)مع اهل مكة؟2
محمدعبدالجبار ( 2016 / 12 / 13 - 20:23 )
لاتنصب امواله ، الطائف الزراعة و البساتين الخضراء ، يثرب و نجران معقل اهم الديانتين المعارضتين و المهددتين له و لدينه الجديد ، اليمامة مركز النبي مسلمة الحنفي - فببسط سلطانه الايماني و عدم و جود اديان اخرى معارضة له سوف لن يتكلف عناء خوض حروب تعيد انتاج نفسها بسبب وجود الدين المعارض ( الاخر الذي سيكون حتما المدافع و الطالب بأخذ الثأر) هي حرب واحدة تقضي على الكفار و تمحي ذكرهم و تجليهم من شبه الجزيرة او يدفعوا الجزية و هم صاغرون و بذلك تمت كلمة الله


3 - (الكافرون والمسد)
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 13 - 23:28 )
تحياتي استاذ ماجد .... السؤال الذي بادر الى ذهني بعد قراءتي لهذه المقالة التحليلية المفيدة ، فبعد فتح مكة أسلم سكانها القرشيين وتركوا عبادة الأوثان وأصبحوا يمارسون الطقوس الإسلامية ، فعندما كانت سورة الكافرون تقرأ عليهم وهم مسلمون فماذا كان شعورهم وهم يتلقون الشتيمة ؟؟ اما كان الأفضل لو اختار محمد كلمة اكثر ادبية ككلمة ايها المعارضون مثلا لجذبهم ولكي لا يشعر هؤلاء بالمهانة عند قرائتهم لهذه الآية بعد ان يقبلون الإسلام ؟ وهذا يشبه ايضا حالة أبي لهب فلو كان أبي لهب قد اقتنع بالإسلام فكيف كان سيقرأ سورة المسد لكي يتعبد الى الله فهل كان سيتعبد بالشتيمة لنفسه ؟ هاتين الحالتين اكبر دليل ان مؤلف السورتين (الكافرون والمسد) هو شخص منفعل يجادل ويشتم خصومه وهذه التصرفات والإنفعالات لا تليق بالله بل هي من تصرفات إنسان نسبها الى الله لإعطاءها قوة وشرعية سماوية لكي يخيف الناس ، اكرر التحية والأحترام

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah