الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجومية رجال الدعوة

سعادة أبو عراق

2016 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نجومية الدعاة/ محمد العريفي نموذجا
نشوء الفكرة
نبهنا لهذه الموضوع استضافة مدينة اربد للداعية السعودي محمد العريفي من قبل بلديتها، حيث ذكرت الأنباء أن عشرين ألفا تزاحموا في الملعب البلدي، وان هذا التزاحم جعل من إلقاء درسا أو موعظة أو شيء كهذا ممتنعا, ولقد تساءل الكثير عن هذا التهافت غير المسبوق على رجل دين، لم يؤثر عنه انه صاحب أبحاث أو رؤية فقهية أو منهج ديني جديد أو متميز أو انه من الأولياء، سوى وجهه الوسيم وصوته الرخيم وذقنه المشذبة وغطرته المغسولة والمكوية جيدا.
والعوريفي يأتي ضمن قائمة من الدعاة الشباب الذين ظهروا بعد أن ملّ الناس صورة الشيخ الهرم الذي يلبس ثيابا فلكلورية مستلة من عهد قديم اعتبروها دالة على الفئة الدينية التي ينتمي إليها ، وكذلك أسلوبهم في تقديم الدروس التي ليست إلا قراءة في إحدى الكتب القديمة.
وأعتقد أن هذه الظاهرة جاءت بعد الشيخ محمد متولي شعراوى الذي كان ظاهرة بحد ذاته، ولم يستطع أن يقلده أو يتابع نهجه أحد، فهو دكتور متمكن من اللغة والتاريخ والفقه، بالإضافة إلى الوعي الاجتماعي والتاريخي، وما زالت محاضراته المسجلة تذاع إلى يومنا هذا، وهو بقدر ما وجه ضربة قاضية للمدرسة الوعظية القديمة فإنه أيضا نبه أفكار الأوساط الدعوية إلى تغيير النمط القديم بنمط جديد ، فاللحية والعمامة والجلباب ليس عنصرا أساسيا لرجال الدعوة ، وخاصة انه لبس تراثي من العهد العثماني.
ثانيا : صفات مشتركة للدعاة
في هذا السياق ظهر سلمان العودة ومحمد حسان وعائض القرني ونبيل العوضي وخالد الراشد ومشاري العفاسي وعمرو خالد وطارق سويدان، ومحمد المصري والقائمة طويلة في كل بلد لمع عشرات من هؤلاء الدعاة ولقد جمع هؤلاء عوامل وصفات كثيرة مشتركة .
1- السن: يعتبر جميعهم حينما ابتدأ عملهم شبابا في الثلاثينات من العمر فمثلا طارق سويدان من مواليد عام 1953 وسلمان العودة 1955 وعائض القرني 1959 ومحمد حسان 1962 وعمر خالد 1967ومحمد العريفي 1970 ونبيل العوضي 1970 وخالد الراشد 1970 مشاري العفاسي 1976 ، وبما يعني أن الظاهرة بدأت في الثمانينات
2-الإلقاء والحضور: جميعهم يتمتعون بمواهب خطابة مؤثرة ، كما هم المذيعون البارعون الذين يستقطبون الناس، ويجعلون الإنصات إليهم محببا، بما لهم من حسن الصوت الناعم القوي والحروف التي تنطق جيدا. والنبرة الجهورية المؤثرة، كما هي لغة الجسد التي يجيدونها من إيماءات وحركات الوجه والأيدي وغيرها.
3- تم احتضانهم من قبل قنوات تلفزيونية كثيرة، أو أنشئوا قنواتهم الخاصة ترويجا لفكرهم وأسلوبهم المسطح في الكلام ، وتفسير المفسر ، وقول ما سبق قوله.
4- كان معظمهم من السعودية والكويت ودول الخليج، بمعنى أن خلفهم دعم مالي ليس لوجه الله.
ثالثا: توظيفهم في مشروع وقف التقدم
كان من أهداف كل الجماعات الإسلامية الظاهر، هو معاداة القومية العربية ومعاداة العلمانية ومعاداة الديمقراطية والحضارة الغربية بشكل عام وتقسيم البشر إلى مسلمين وغير مسلمين، وانك لتجد مجاهرة بهذه الأهداف وكأنها بديهيات صادقة بالضرورة كنصوص مذكورة في القرآن الكريم.
كانت هزيمة 67 إيذانا للبدء الفعلي بهذا المشروع التدميري، فقد فرح الإخوان المسلمون بهذه الهزيمة المنكرة، وتشفوا بعبد الناصر كعداء شخصي تحول إلى عداء للعرب والقومية العربية، وكأنهم ليسوا من هذه الأمة، وبذلك فُتِحَت لهم ثغرة لتقويض فكرة القومية والحرية والتقدم والديمقراطية، تلا ذلك إخراج مصر من منظومة الدول العربية بمعاهدة كامب ديفد، وبعد ذلك تم خراب الأمة. ولترسيخ هذا الخراب تم إطلاق الإسلاميين لتعبئة الفراغ الفكري لدى البسطاء من الناس والعامة، بحيث أصبح الجهلاء وغير المتعلمين والأغبياء رجال دعوة ومتشددين إسلاميين.
وكان لهذه الفئة من رجال الدعوة الشباب موقعها التكميلي كي تملأ عقول الشباب بالغيبيات والقصص المأثورة والترغيب والترهيب، وما هذا إلا إخصاء فكري، يعطل تفكير الشباب ويبعدهم عن الواقع السياسي والاجتماعي والحضاري وبناء المستقل للأمة، وإلهائهم بقضايا غيبية كموعد القيامة وأوصاف حور العين والمسيح الدجال وغيرها من المظهريات المنسوبة للدين .
إن الدين الإسلامي أبسط وأيسر من أن يكون له هذا الحشد الإعلامي والدعاة والوعاظ ،فما هو موجود في الكتب المدرسية من مادة التربية الإسلامية ما يكفي أن نستغني بها عن كل ما يهرف به هؤلاء الدعاة، إن التجار والجماعات الصوفية التي نشرت الإسلام في جنوب شرق آسيا وأدغال إفريقيا كانوا يعطونهم رؤية للحياة وأسلوبا للعيش وتواصلا مع الدار الآخرة أما الدعاة الجدد فإنهم يعملون على تجهيل الناس، ويؤلبونهم على بعض، أنهم اقل معرفة من معظم المتعلمين في العالم العربي، فكيف يكرسون انفسهم معلمين لغيرهم.
إن هذه الأساسيات في الدين الإسلامي، لا غنى عنها ، لكن أن تجعلها الوحيدة في الأذهان ولا غيرها مضرة كما لو تطعم ابنك نوع واحد من الأكل، فما المانع أن تنفتح الأذهان على كل التيارات الفكرية العالمية، و تعليمهم كيف يفكرون وكيف يبدعون ويبنون شخصياتهم في هذا العصر، بدل أن يتقمصوا شخصيات تاريخية كأنهم ممثلون أو مرضى الفصام.
إن ما تعانيه المنطقة من حروب تدميرية عبثية لا طائل منها إن لم نقل أنها في سياق مخطط أجنبي، لتعطيل أذهان الشباب عن التفكير الإيجابي المنتج، جعل من كتاب (الفريضة الغائبة) لمحمد عبد السلام فرج وكتاب (إدارة التوحش) لأبي بكر ناجي دليلا لهم في هذه الحياة, بأن نزع عنهم القدرة على التفاهم مع الغير، فكل من يخالفك الرأي فهو عدو لله ورسوله والمسلمين ويباح قتله، ولو كان قريبك، كما قتل شاب سعودي خاله الذي رباه في بيته لأنه يعمل في الشرطة السعودية.
المشكلة الكبرى ليس فقط في تجهيل الناس وقتل تفكيرهم، بل أصبحوا على معرفتهم وعلمهم المتواضع قادة فكريين، فهم يتكلمون في السياسة والتعليم والأدب والفن والتاريخ والإفتاء والعلوم والإقتصاد والأدوية العشبية وفك السحر وتفسير الأحلام، ومخاطبة الجان، وكل شيء، لقد أصبح كل منهم موسوعة علمية، يعطي الوصفات الطبية ويستنفر الشباب للقتال مع داعش ويحلل جهاد النكاح، ويفتي في حيض المرأة، ويدعو إلى الخمار، وما يجب أن نفعله مع المسيخ الدجال حينما يخرج من باب توما بدمشق، بما جعل الناس يفقدون مرجعياتهم، ويستغنون عن القراءة والبحث والالتجاء إلى المختصين في كل شأن، من أساتذة الجامعات ومراكز الدراسات.
إلى الآن لم يقم أحد بتوجيه النقد إليهم لتصحيح مسارهم احتراما للدين واحتراما لرجال الدين الذي نتوارثه منذ القدم، لكن أخشى إذا ما تأزمت الأمور في هذه البلاد أن تحدث ردة عكسية تأكل هذه الفئة المتاجرة بالإسلام وتأخذ بطريقها التدين الذي أفسدوه ، وتصدق المقولة أن كل فكرة تحمل في طياتها بذرة فنائها. وربما يكونون هم هذه البذرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية