الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبيلة و السلطة في السودان و اشكال التحديث

المودودي الدود ادم

2016 / 12 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ظلت القبيلة في تاريخ السودان القديم والحديث هي المحور الذي يستمد منه المجال السياسي و الديني و الأمني و الأقتصادي و الثقافي قوته. لا توجد مؤسسة يمكنها أن تضاهي القبيلة في السودان بل العكس أن المؤسسات وليدة القبيلة و المحرك الفعلي للتاريخ السوداني أي هى التى تنتج التاريخ حتى اصبح من المستحيل كتابة التاريخ السوداني من دون ذكر القبيلة او رموزها. من هنا يمكن أن نبحث عن أسباب التى ادت دون التحديث في السودان كدولة و السودانيون كشعب. معظم الدراسات التاريخيّة عن أزمة السودان شعباً ودولة كانت تنطلق من المجال الاجتماعي الذي يتشكل من الثقافه و الاقتصاد و ترك دراسة البنية الثقافيةُ و الإقتصادية في ذاتها مما أنتج دراسات وصفية لم تضيف الكثير عن دور القبيلة في السودان. إذاً كيف أصبحت القبيلة هي القوى المحركة و المؤسسة للدولة و للمجتمع السوداني؟ للاجاية على هذا السؤال يجب أن نرجع إلى ماضي تلك المماليك التى أنشأها الإنسان السوداني منذ كوش مرورًا بالممالك المسحية و الإسلامية حتى الدولة السودانية الحديثة. لا يمكننا أن نضع لمسات حول دور القبلية في حضارة كوش لعدم توفر المعلومـات الكافية عن شكل البنية الاجتماعية في ظل حضارة كوش. لكن غياب القبيلة كقوة في تلك الممإليك بسبب مركزية الدولة التى تعتمد سلطاتها على وحدة الدين و شخصنة مؤسسات الدولة في شخصية الملك. اصبح ظهور القبيلة كمؤسسة موازية للدولة مع انهيار المماليك المسحية في شمال السودان و وسطه. في تلك المماليك المسيحية غاب فيها الدور الفعلي للقبلية اي كمصدر للسلطة. لوجود الدين المسحي كدين للدولة المنتصر و الوريث الشرعي للحضارة السابقة له. مما فرض وحدة متجاوزة للشكل التقليدي لعلاقة المجتمع. فكان الإنتماء للكنيسة الواحدة هو انتماء إلى الدولة هذا التطور يشابه ما حدث في أوربا بعد انتشار الدين المسحي كهوية اجتماعية و سياسية يتوحد حوله الشعوب. عندما نحدث عن غياب القبيلة لا نقصد من ذلك عدم وجودها كرابط بين افراد تجمعهم صلات الدم و النسب و الدين كهوية ثقافية و منظومة لحفظ سلامة الإفراد الذين ينتمون لها. بل ككيان سياسي تفرض سلطتها على الاخرين و تفصل بين افراد المملكة وفق علاقة "نحن" و "هم". كل هذا يرجع الى الظرف التاريخ لنشوء المسحية خارج مؤسسة الدولة و القبلية أو العرق. لم يطلب عيسى عليه السلام من قبليته النصرة و لم يرسل من أجل عرق معين كما لم يسع للسلطة السياسية. لأن هناك دولة قائمة فغاب العرق و القبيلة و السلطة من خطاب الإنجيل. و لكن بعد انهيار الممإليك المسحية و قيام مملكة سنار عادت القبيلة تلعب دوراً مهم في حركة المجتمع حتى مملكة سنار كانت عبارة عن تحالف قبلي بين الفونج و العبدلاب. أصبحت القبيلة تمييز لاستبعاد الاخر. بحيث يمكن ان تشن المملكة حرب ضد القبائل الاخر و تسترق أفرادها و تنهب ممتلكاتهم هذه العلاقة كانت طبيعة في تلك الأزمنة. و لكن ما هي أسباب عودة القبلية بهذا الشكل في تلك المرحلة من تاريخ السودان؟ عندما تحدثنا عن أسباب ضمور القبيلة في المماليك السابقة لسنار قلنا بسبب الدين المسحي الذي أنتج مركزية سياسية و ثقافية متجاوزة للقبيلة و تمازج الكل مع بعضهم البعض هذا لا يعني ان الدين هو العامل الوحيد.لقد انهارت تلك المماليك مع دخول الإسلام كدين منافس في السودان. و تحول الاسلام رأسمال رمزي وثقافي و سياسي للقبائل العربية الحديثة و من ثم استخدم كسلاح ضد الدولة المسحية بعد انتشار الحرب الداخلية حول السلطة. حتى سقطت مملكة علوة و نوباتيا. حينها قامت مملكة سنار إسلامية الدين قبائلية التركيب الاجتماعي وظلت تلك المملكة في حدود التحالفات القبلية و نهضت المظاهر الثقافية المختلفة في تركيبة السودان لتعبر عن نفسها بأشكال مختلفة و بالرغم من توسع ممكلة سنار التى ضمت تحتها كل القبائل العربية و غير عربية. إلا هذه المملكة الإسلامية لم تكن قادرة على استيعاب البناءات القبلية و الإقليمية ضمن وحدة حضارية و وطينة مركزية كما حدث في المماليك السابقة لها.كانت المملكة قائمة على الولاءات القبلية و الإقليمية كنوع من التحالف العريض و لم تستطع في كثير من الحالات أن تمنع حتى أغارة القبائل بعضها البعض و استخدم الاسلام في باقي السودان لإنشاء الممإليك المستقلة و لشنء الحروب. إذاً يمكن أن نرجع أسباب ظهور القبيله كقوة بعد انهيار الممإليك المسحية لدخول الإسلام في السودان. هنا تظهر النشأة التأريخية للإسلام التى تختلف عن نشأة المسحية. فالإسلام ظل دين القبيله و العرق العربي فالرسول محمد "ص" كان ابن قريش . و كانت أسلمت سكان الجزيرة عبر دخول القبيله للاسلام و نصرت النبي كانت عبر قوة القبيله في مكة و المدنية. صحيح بعد انتشار الإسلام في الجزيرة العربية و اصبح سلطة سياسية تحول الإنتماء إلى الإسلام و ليس للقبيلة لكن لم يتم تفكيك القبيلة النواة المؤسسة للجماعة أو الأمة و هذه الأزمة ظلت موجودة. تمظهرت بعد وفاة النبى مباشرةً. و الدليل على ذلك الخلاف حول خلافة الرسول "ص" و حرب الردة إلى الفتنة الكبرى تلك هي النشأة التاريخيّة للإسلام لذلك كانت المجموعات العربية السودانية أصبحت تبحث عن كيان يمثلها بالخصوص بعد سقوط دولة الأندلس و الانحطاط الذي حدث في باقي الدول الإسلامية. هذا هو الدافع لتدمير مملكة علوة و فما كان أمامها إلا أن تتحالف كقبائل و ليس كقوة قومية رجع ذلك الى ثقافتها التى ترفض الانصياع لقوانين الدولة.
هنا تظر اسباب عودة القبيله إلى السلطة إبان سقوط المماليك المسحية و لكن مع ذالك كان انتشار الإسلام في السودان و امتزاجه مع باقي الثقافات السودانية ظهرت حركات التصوف في السودان التى تتميز بمحلية أنتاجها و قوميتها ولقد استطاعت الحركة الصوفية في السودان بتونعها ان تجاوزت أطر القبيلة و الإقليمية و العرقية أصبحت سلطة الشيخ الصوفي تمتد آلى آفاق جديدة خارج تلك التقسيمات و برزت تجمعات طائفية أساسها الولاء للشيخ و للطريقة الصوفية. صارت الصوفية شيئاً بعد شيء مركز الاستقطاب الوحيدة الناشئة على سطح الولاءات القبلية و الإقليمية و لكنها كانت مركزية هي بدورها متعددة المواقع. فهي قد استحوذت على أكثر من قبيله و لكنها لم تنشئ كياناً لها يستند إلى حلف القبائل الموالية. بل ظلت تضعف الولاءات القبلية لمصلحتها دون أن تعطي هذه المصلحة نتائج محددة لم يكن الاستقطاب الصوفي يتجه إلى بناء كيان محدد عبر اضعاف للولاء القبلي و طرح التفكيك في الروح القبلي و لم يطرح التركيب البديل. فبقي السوداني قيد الاستحواذ بالطرفين الصوفي و القبلي. و من ضمن أسباب توسع الصوفية بهذا الشكل كان ضعف المماليك الإسلامية على المستوي الاقتصادي و العسكري و فساد رجالها فانتشرت دائرة الحرب في السودان فكان لابد من بديل تلتف حوله الشعوب و القبائل هذا البديل المركزي يجب أن يتجرد من اي علاقات قوي فكانت الصوفية حركة ذات سلطة روحية دورها القيام بالصلح بين القبائل المتصارعة و ماؤى للفقراء و العبيد. اذن كان للدين أحيانًا محفز للوحدة و لتحاوز القبيلة و أحيانًا يعمل على تنافر المجتمع و النكوص للروابط التقليدية و عندما ياتي الدين الى السودان كدين مجرد من العرق يكون سبباً في التحديث و حين يحصل العكس تنتكس الحضارة .


في مقال اخر سوف نتحدث عن علاقة الحركات الصوفية في السودان و الاستعمار التركي كذلك تحولها لحركة وطنية ثورية مع المهدي لان الثورة المهدية امتداد طبيعي للتصوف و القبيلة و علاقتها مع الاستعمار الإنجليزي و محاولة تفكيك الحركات الصوفية من اجل عدم تكرار الثورة المضادة و تحوليها الى احزاب سياسية عبر تشجع القييلة للتنافس على السلطةو ظهور نخبة من المثقفين و السياسيين و محاولتهم لابعاد القبيلة و الطائفة من مركز السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل