الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الاسلام يبيح التآمر على الآخر ؟ !

عبدالله محمود أبوالنجا

2016 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من البديهى أن الأديان السماوية ومنها الاسلام ؛ هدفها تهذيب الانسان والارتقاء بسلوكياته نحو بنى جنسه من البشر بوجه خاص ، ونحو كل ماحوله فى البيئة بوجه عام . فالمؤمن بالرسالات السماوية ، يعلم يقيناً بأن الله أرسل رسله بتلك الرسالات لحث البشر على نشر المحبة والعدل والرحمة والتعاون على اعمار الكون ، وتبادل المنافع والتمتع بخيرات الأرض معاً من أجل توفير حياة حرة وكريمة لكل البشر فقيرهم وغنيهم على حدً سواء ، دون تمييز بين البشر على أساس الدين أو المذهب أو الجنس أو الطائفة ؛ فالبشر جميعاً سواء أمام خالقهم ، لا تمييز بينهم الا على أساس مايفعلونه من الخير لأنفسهم ولأهليهم وبنى جنسهم من البشر ؛ بل وحتى البيئة بكل مافيها مماينفع البشر فى حياتهم ، أمرت الرسالات السماوية بتنمية مواردها ، والحفاظ عليها من التخريب والتدمير ! الخير ثم الخير ثم الخير هو جوهر الرسالات السماوية ! ورغم أن ذلك واضح وضوح الشمس فى التشريعات السماوية ، الا أن بعض وجهاء وكبراء أقوامهم وخاصة من طبقة الحكام وأهل الحل والعقد من رجال الدين ورجال المال والأعمال ، راحوا ينحرفون بالجوهر والمقصود الحقيقى من الرسالات السماوية فى تحشيد أتباع هذه الرسالة أوتلك فى مواجهة أتباع الرسالات السماوية الأخرى ؛ فنجد فى التاريخ القديم ، وقبل ظهور الدولة الديمقراطية الحديثة ، والتى بدأت أول مابدأت فى أوربا ، مع بدايات عصر النهضة والتنوير وعصر الثورة الصناعية ؛ نجد فى التاريخ القديم أن حكام اليهود استخدموا الدين اليهودى كهوية قومية للحفاظ على وحدة وتماسك الشعب اليهودى فى مواجهة الأقوام والشعوب الأخرى من حولهم ، والتى كانت لا تزال على وثنيتها ، ويتعبد أبناؤها وحكامها وفق الطقوس والتعاليم الدينية التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم . فلما ظهر المسيح عيسى بن مريم فى بنى اسرائيل ، أنكره اليهود وقاوموه واعتبروه مجدفاً ، ولن أخوض فى الخلاف الحاصل بين المسيحية والاسلام ، فى مسألة صلب المسيح من عدمه ، فذلك ليس موضوعنا ، وانما مايعنينى هنا فى المقام الأول هو جوهر رسالة المسيح ، والمتمثل فى المحبة والخير والسلام ، شأنه شأن رسالة موسى ومحمد . ومع أن جوهر المسيحية هو المحبة والخير والسلام لكل البشر ، مثلها فى ذلك مثل رسالة موسى الا أن صراعاً نشب بين أتباع موسى وأتباع عيسى بعد ذلك ،واستمر قروناً تم خلالها اضطهاد اليهود أتباع موسى بواسطة أتباع عيسى المسيح ،وذلك بعد أن انتشرت المسيحية وقويت شوكتها ، بعد اعتناق أحد أباطرة الرومان لها ، وجعلها الدين الرسمى للدولة الرومانية . لقد كان اضطهاداً سياسياً بالدرجة الأولى ، تم الزج فيه بالدين لتحقيق أهداف سياسية وليست دينية ، وذلك أن الأصل فى رسالتى موسى وعيسى هو نشر الخير والتعاون والتكافل والمحبة بين كل البشر ، الخير ثم الخير ثم الخير لكل البشر حتى نحو من كانوا لا يزالون على وثنيتهم فى تلك العصور القديمة ! ماأبشع التلاعب فى النصوص الدينية لاستخدامها كهوية قومية فى حشد الناس فى مواجهة الآخر المختلف دينياً ! هو انحراف صريح عن جوهر الرسالات السماوية ، ولا ينتج عنه الا الخراب والدمار وازهاق عشرات الأرواح من البشر على هذا الطرف أو ذاك ! انتهت الصراعات والحروب التى شهدتها البشرية انطلاقاً من الهوية الدينية والتى عانت منها أوربا بوجه خاص ، الا فى منطقتنا الشرق أوسطية ، التى يدين أغلب شعوبها بالديانة الاسلامية ! تخلت كل دول العالم المتحضر عن استخدام الدين كورقة سياسية من أجل تثبيت كرسى الحكم فى مواجهة الكراسى الأخرى أو من أجل هدم وتدمير الشعوب الأخرى ،وهدم دولها وتوسيع النفوذ والسيطرة على مصائرها وثرواتها ، ولم تتخلَّ بعض الأنظمة فى منطقتنا الشرق أوسطية عن اللعب بالدين الاسلامى كورقة سياسية للضغط على الآخرين ! فهاهى دولة ملالى طهران تتفاخر بما تسميه تصدير الثورة الاسلامية الى كل الدول ذات الأغلبية الاسلامية متخذةً من المذهب الشيعى مرجعية دينية تنطلق منها ، وهاهى مملكة آل سعود وامارة آل ثانى القطرية تتخذان من الوهابية والاسلام السنى مرجعيةً لهما فى مقاومة توسع النفوذ الايرانى المرتكز على الدين الاسلامى الشيعى المرجعية ، وكلا المعسكرين كما يتخذ من الدين الاسلامى ونصوصه القرءآنية وأحاديثه النبوية مرجعيات لهما فى تحشيد المسلمين من هذا الطرف أو ذاك ضد بعضهما البعض ، يتخذان من الدين أيضاً مرجعية رئيسية فى الحشد ضد الدول المناوئة لهما ، ان على المستوى الاقليمى أو على المستوى الدولى . بالطبع استخدام الدين أو المذهب فى تحقيق أغراض سياسية تتمثل فى التوسع والسيطرة على حساب الآخرين أمر غير أخلاقى وانحراف تام عن جوهر ومقصود الاسلام الذى يدين به الطرفان ، لأن ذلك الاستخدام يستلزم بالضرورة اختراق الأطراف الأخرى المناوئة لهذا الطرف أو ذاك على المستوى الاقليمى أو على المستوى الدولى . ودعونى هنا أركز على الدولة المصرية كنموذج للتداعيات التخريبية والتدميرية التى صاحبت ولا زالت تصاحب تدخلات المعسكر السنى بقيادة قطر والسعودية فى الشأن الداخلى المصرى . بالطبع تلك الضغوط التى تمارسها كلا الدولتين ليست وليدة التو واللحظة ، وانما بدأ الاعداد والتخطيط لها منذ عقود ! النظام السعودى أول من بدأ ذلك التدخل فى الشأن المصرى ، عندما حاول استخدام جماعة حسن البنا الارهابية ( تنظيم مايسمى بالاخوان المسلمين ) لاسقاط نظام جمال عبدالناصر فى مصر ، رداً على وقوف جمال عبدالناصر مع ثورة الشعب اليمنى على الحكم الرجعى المتخلف الموالى للنظام السعودى آنذاك ، لكن جمال عبدالناصر استطاع تقليم أظافر ذلك التنظيم بالقبض على الكوادر المحركة له فى مصر ، واعدام من ثبت تورطهم فى أعمال ارهابية وسجن الكوادر الأخرى التى كانت تسعى لتنفيذ الأجندة السعودية داخل مصر والتى كانت تهدف لاسقاط نظام ثورة يوليو ، وقيام نظام اخوانجى يكون موالياً للنظام السعودى ! عرفت تلك المؤامرة وقتها بمؤامرة الاخوان عام 1964 لقلب نظام الحكم فى مصر ، وكانت بدعم كامل من النظام السعودى آنذاك ! ألم يكن حكام السعودية مسلمين آنذاك ؟ ألم يكونوا يتفاخرون بأنهم يسيرون على نهج الكتاب والسُنة فى حكمهم هناك ؟ ألم يكونوا ومازالوا يتباهون بالنهج الاسلامى فى الحكم بكتاب الله وسُنة رسوله ؟ وهل فى تعاليم الاسلام وفى كتابه وسُنة رسوله مايبيح التآمر على الآخرين ؟ سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ؟! بالطبع ذلك يتنافى ويتاقض تمام التناقض مع جوهر ومضمون رسالة سماوية كالاسلام أو غيره من الرسالات السماوية الأخرى . بالطبع حيكت تلك المؤامرة فى الخفاء ، لكن المخابرات المصرية ، استطاعت كشف خيوطها وحل ألغازها والقبض على الخونة والجواسيس والعملاء فى ذلك الوقت ، وكعادة كل من يستخدمون الاسلام لتحقيق مكاسب سياسية ، سواء أنظمة أو جماعات ، أنكر النظام السعودى آنذاك كل صلة له بتلك المؤامرة ، لكن الأدلة والقرائن واعترافات الخونة والعملاء وتباهيههم وتفاخرهم بما كانوا يفعلونه ويعتقدونه جهاداً فى سبيل الله ، قطع الشك باليقين وجزم بتورط النظام السعودى فى تلك المؤامرة ! من بين الكوادر الاخوانية التى أفلتت من العقاب بهروبها خارج الديار المصرية ، كان المدعو يوسف القرضاوى الملقب بمفتى الناتو تارة ومفتى الارهاب تارة أخرى ! لجأ ذلك المدعو يوسف القرضاوى آنذاك ، الى امارة صغيرة مغمورة فقيرة من امارات الخليج تسمى " امارة قطر " ، أطلق عليها جمال عبدالناصر لقب " امارة الخيمتين والنخلة " ، عندما اعترض أميرها على سياسة جمال عبدالناصر ، بتحريض من المدعو يوسف القرضاوى ! لم يكتف القرضاوى ببث سمومه تجاه عبدالناصر والشعب المصرى فى أمير قطر فقط ، بل استطاع استقطاب غالبية أفراد الأسرة الحاكمة فى قطر وشحنهم بكراهية مصر والمصريين جيلاً بعد جيل ، باستغلال مقولة " امارة الخيمتين والنخلة " التى أطلقها جمال عبدالناصر ، حتى ان الأمير فى تلك الأسرة ، كان يفتح عينيه على بغض وكراهية مصر والمصريين ، قبل أن يفتحمها على أى شىءِ آخر فى الحياة ، وماأكثر الأشياء التى يفتحون عليها عيونهم ويعشقونها فى أوربا وخاصة فى لندن عاصمة المملكة المتحدة ، واسألوا تميم بن موزة حاكم قطر الحالى عن أكثر الأشياء التى كانت تستهويه ، وكان يحبها ويعشقها حد الإدمان عليها ، والهوس بها خلال اقامته قى العاصمة البريطانية " لندن " !

ذلك ماكان فى فترة حكم جمال عبدالناصر من تدخلات وتآمر حقيرعلى مصر ونظامها وشعبها ، بدعم وتمويل سعودى وتخطيط وتوجيه وارشاد الموساد الاسرائيلى الغير مباشر ، وتدخلات المخابرات الأمريكية والبريطانية المباشر فى محاولة اسقاط نظام الحكم فى مصر بواسطة جماعة الاخوان وعملائها فى ذلك الحين !

مع تولى أنور السادات للسلطة فى مصر ، راح الرجل يستقطب تيارات الاسلام السياسى ، وعلى رأسها جماعة الاخوان الارهابية ، ليكونوا ظهيراً سياسياً وشعبياً له فى مواجهة التنظيمات السياسية والشعبية التى كانت تدعم جمال عبدالناصر ، والتى كانت رافضة لوجود أنور السادات فى الحكم ، وتنتهز الفرصة الملائمة للاطاحة به من السلطة ، وتولية أحد الكوادر المؤمنة بالتجربة الناصرية فى الحكم ، والتى كانوا يعتقدون أن السادات سوف ينقلب عليها رأساً على عقب ، خاصة وأنه قد تصالح مع كل خصوم عبدالناصر ، وسمح لهم بممارسة أنشطتهم الدعوية والخيرية فى ظاهرها ، السياسية فى جوهرها وفى حقيقتها ، تلك الحقيقة التى لم يستطع السادات اكتشافها ، حتى انتهت باغتياله وهو فى وسط جنوده ، يوم احتفاله بذكرى انتصار السادس من أكتوبر فى العام 1981 ، طمعاً منهم فى الاستيلاء على السلطة وقتها واعلان قيام مايعتقدونه حكم الخلافة الاسلامية فى مصر ! أية خلافة اسلامية تلك التى يتم تأسيسها على الخيانة والعَمَالة والتآمر مع قوى وأنظمة سياسية من خارج مصر ، وعلى غير ارادة المصريين ؟!

لم يستوعب مبارك الدرس من تجربة السادات فى التعامل مع تلك التيارات العميلة التى تتخذ من الدين وسيلة وأداة رخيصة من أجل حشد العوام والبسطاء من المسلمين ، للوثوب على كرسى الحكم والزج بالبلاد فى متاهات الحروب الأهلية بين مؤيد ومعارض ، لتوجهات تلك التنظيمات التى تتلقى أوامرها وتعليماتها من قوى اقليمية ودولية لتنفيذ أجندات خارجية على أرض مصر ، لا تمت للمصالح العليا للشعب المصرى بأية صلة ، ولا يجنى من ورائها المصريون سوى الخراب والدمار والتشريد والموت والهجرة خارج بلادهم بجثاً عن الاستقرار والأمن والأمان ، على غرار مانراه فى كثير من الدول ذات الأغلبية المسلمة حولنا ، والتى ابتليت بتلك التنظيمات اللمولة من قطر والسعودية بصفة رئيسية !
لم يستوعب مبارك الدرس ، وراح يفسح لهم المجال أكثر مما أفسح لهم السادات ، واكتفى بالمناورات السياسية معهم التى اتخذت طابع المواءمات ، ظناً منه ومن المستشارين المتحلقين حوله أن تلك التيارات لا خطر منها على الأمن والاستقرار ، وأنها تحت السيطرة ! وفى الوقت الذى كان مبارك يظن أنه يتخذ من تلك التيارات المتأسلمة فزاعةً فى وجه الغرب وفى وجه اسرائيل ، وأنها تحت السيطرة ، كانت تلك التيارات تتوغل وتنتشر وتتفاعل مع سائر فئات المجتمع المصرى فى القرى والمدن وفى الريف والحضر وفى كافة النقابات والمؤسسات الحكومية ، وغير الحكومية ، واختراقها اختراقاً كاملاً بواسطة النشاطين الخيرى والدعوى فى ظاهرهما ، السياسى فى حقيقتهما ، وذلك بدعم مالى ولوجستى واعلامى كامل من أنظمة وجماعات خارج الحدود المصرية ، وخاصة النظام القطرى الذى كان قد اكتنز ثروات هائلة من تجارة الغاز والنفط وكذلك المضاربة فى البورصات العالمية ، والكاره الحاقد على كل ماهو مصرى !

لم يستوعب مبارك الدرس من تآمر تلك التنظيمات على مصر وشعبها من بدايات نشأة جماعة حسن البنا على أيدى المخابرات البريطانية فى الاسماعيلية فى العام 1928 ، وماتفرع عنها من تنظيمات أخرى ، جميعها يعمل بدعم مالى خارجى اقليمى ودولى ، لصالح أجندات اقليمية ودولية ، لا هدف لها الا السيطرة على المصريين وثرواتهم التى لا يحسنون استغلالها والاستفادة منها وتعظيمها من وجهة نظر هؤلاء الطامعين فى التحكم فى موقع مصر الاستراتيجى بين قارات ثلاث هى آسيا وافريقيا وأوربا ! لم يستوعب مبارك ونظام حكمه الدرس من تآمر تلك التنظيمات مع قوى اقليمية عربية ، من المفترض أنها أنظمة وجماعات تتخذ من الاسلام ديناً وهويةً لها ، وقوى دولية لها مصالح استراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط ، وتطمع فى السيطرة على القرار السيادى المصرى ، واستغلاله لتحقيق مصالحها الذاتية على حساب المصالح العليا للمصريين على اختلاف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم ! لم يستوعب بارك الدرس ، ويتخذ مايراه ضرورياً من أجل الحفاظ على العقل المصرى الجمعى فى مواجهة تلك التيارات المتأسلمة حتى كانت الكارثة التى وقعت فى 25 يناير 2011 ، والتى لم تتوقف عند اسقاط النظام الحاكم ، بل استمرت تداعياتها وفصولها حتى تولية جماعة حسن البنا الارهابية للحكم فى مصر ، مما نتج عنه احتقان شعبى هائل بين الموالين لحكم الجماعة والمعارضين له ؛ الأمر الذى كان ينذر وقتها بنشوب حرب أهلية طاحنة على أرض مصر بين المؤيدين لحكم الجماعة والمعارضين لها ، لولا تدخل القوات المسلحة المصرية والشرطة للامساك بزمام الأمور قبل أن تفلت من السيطرة ، وتذهب البلاد فى النفق المظلم للحرب الأهلية الطاحنة ، التى نرى رحاها تدور بلا رحمة أو شفقة فى دول اقليمية أخرى كالتى على الأرض السورية والعراقية واليمنية ، بفعل تدخلات خارجية تتخذ من التنظيمات الارهابية المتأسلمة أدوات لاسقاط الدولة الوطنية ومؤسساتها فى تلك الدول التى تعانى من الارهاب وداعميه الاقليميين والدوليين ! وأعود فأتساءل : هل فى الاسلام أو فى غيره من الرسالات السماوية مايبيح التآمر على الآخر ؟!
بقلم / عبدالله محمود أبوالنجا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah