الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الإعجاز في القرآن الكريم

سعادة أبو عراق

2016 / 12 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أين الإعجاز في القرآن الكريم
اجمع علماء المسلمين على أن القرآن معجزة في ذاته ، نزلت في زمانها ومكانها، وكان لها الأثر في نفوس المسلمين والكفار معا ، فما كان أهل مكة والعرب يعترضون على القرآن كرسالة سماوية, إنما اعترضوا على شخص الرسول (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أما نصوص الآيات فقد وصفها الوليد بن المغيرة وصفا جميلا نابعا عن تذوق فني، لذلك وهم حيال هذه الظاهرة الجديدة الغير مسبوقة، والتي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم فجأة، ما كان منهم إلا أن يعتبروا ذلك سحرا، وبالتالي يكون النبي ساحرا، كتفسير مقنع لهذه الظاهرة.
لم يترك رب العزة الكافرين عند حدود إعجابهم بهذه الآيات، إنما ذهب إلى تحدّيهم بأن يأتوا بسورة من مثله( قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ثم خفف التحدي (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) وأخيرا يطلب سورة واحدة(فَأْتُواْ بِسُورَةٍ من مثْلِهِ) ومع ذلك ظل التحدي قائما، ولم يكن لأحد من العرب قدرة على الإتيان بنص نثري يشابه به آيات القرآن الكريم، رغم ما وصل شعرهم الجاهلي من البلاغة والتأثير.
هذه الظاهرة لم يبحثها أحد من الصحابة أو التابعين ولا الأئمة الأربعة ولا تلامذتهم وجمهورهم ، فهذا الأمر الرباني لم يكن في مجال الذهن آنذاك، والتساؤل لم يكن من ثقافة العربي ومن أساليب معرفتهم، وظل هذا الأمر إلى أن جاء الجاحظ وهو من المعتزلة الذين كانوا من أهل الكلام أي الفلاسفة، وطرح سؤالا مفتوحا للبحث، قوامه التحري عن السبب الذي جعل العرب عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن.
راح الجاحظ وهو صاحب فكر فلسفي يبحث عن السبب الذي يجعل لهذا العجز مبررا عقليا، فلاحظ السجع الذي يدنو من الشعر، وكذلك الجناس والطباق والتورية والتشبيه وغيرها من صنوف البلاغة، والتي لم تكن معروفة كعلم آنذاك، وبذاك كان أول من وضع أسس علم البلاغة في كتابه حجج النبوة، ووضع إصبعه على سبب انبهار العرب بهذا النظم الجميل.
ولكن الجاحظ ذاته كصاحب فكر فلسفي وباحث دائم المراجعة لأفكاره، لم يرضه هذا التفسير، لأن كل الموضوعات البلاغية التي وجدها في القرآن الكريم وجد مثلها في الشعر الجاهلي والأحاديث النبوية الصحيحة وفي بعض الخطب الجاهلية والنصوص المأثورة عن بلغاء العرب، وهذا الاستنتاج جعله يقر بأن البلاغة لا تعتبر ميزة للقرآن الكريم ، لأن البلاغة موجودة في الشعر والخطب والنثر الجاهلي.
إذن لا بد للجاحظ أن يجد سببا معقولا آخر لعجز العرب عن الإتيان بمثله ، فقال بنظرية الصَّرفة ، أي أن الله صرف أذهان العرب وصرف قدرتهم على أن يأتوا بمثله، لكن هذه النظرية لاقت تفنيدا من الإمام ( أبو سليمان الخطابي-319- 388هـ) إذ قال متهكما ( لو بعث الله في زمن النبوات نبيا آيته أن يحرك يده في وقت تعطلت ايدي الناس عن التحريك هل تكون هذه دالة على صدق نبوة هذا النبي؟ )
إذن فإن الخطابي وغيره ممن أتوا بعد الجاحظ تركوا نظرية الصرفة وأخذوا بالنظرية البلاغية ، ومن خلال أخذهم بهذه النظرية، تطور علم البلاغة متساوقا مع تطور علمي النحو والصرف ولم يبق احد من الأولين إلا وأدلى بدلوه في هذا المجال ومن أشهر من كتب في الإعجاز القرأني هم (الباقلاني / ت عام 403) و(القاضي عبد الجبار / ت 410) و(عبد القاهر الجرجاني _ ت 471 ) والزمخشري والقاضي عياض وغيرهم.
وفي العصر الحديث هناك من كتَبَ في هذا الموضوع ناسخا عن الأقدمين مثل المنفلوطي والرافعي ومحمد فريد وجدي ومصطفى محمود ولم يضيفوا إلى هذا العلم شيئا.
هذا تاريخ موجز لنشأة علم الإعجاز وتطوره عبر العصور ، وبناء علية يمكننا أن نستنتج الأمور التالية :
1- لم يوصف القران بأنه معجزة لا من قبل رب العزة ولا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ، فالصفات المعرفة للقرآن هي؛ الكريم, المجيد والفرقان والكتاب وغيرها ولم يرد أي لفظ بأن القرآن معجزة.
2- هذا الموضوع لم يبحثه الأئمة وهم يضعون الفقه الإسلامي بل قام ببحثة أحد رجال المعتزلة وتلميذ النظّام من رجال الكلام. الذين كان يناوئهم الإمام أحمد، فهو موضوع فكري بحت، لا علاقة له بالعلوم الدينية ، نشأ مع بداية التأليف العربي في بداية العصر العباسي، حينما نضج الجاحظ وابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وابن قتيبة الدينوري.
3- كان بحثا عقليا بحتا، طرحه الجاحظ كتساؤل عن سبب عدم قدرة العرب على الإتيان بمثله، وكل سؤال مثل هذا مفتوح على عدة أجوبة محتملة ، فها هو الجاحظ قدم احتمالين، ويمكن لغيره أن يقدم أجوبة أخرى حسب مجال رؤيته وأسلوب تفكيره ونوع ثقافته ، إذن فإن موضوع عجز العرب عن الإتيان بسورة من مثله، موضوع مفتوح لأي شخص لكي يجيب عليه، وما تم من إجابات لا تعتبر قطعية.
4- في رأيي المتواضع أرى أن الموضوع كان ملائما لزمن التنزيل، ففي ذلك الوقت لم تكن الكتابة شائعة، ولم يكن الكتاب موجودا، ولم تكن أدوات الكتابة متيسرة، وأن الكتابة كانت مقصورة على تخليد مواقع أو الكتابة على شواهد القبور، وحينما اضطر المسلمون لكتابة القرآن الكريم لم يجدوا إلا الصفائح الحجرية والأخشاب والعظام والجلود للكتابة عليها، ولم يكن للعرب فكرة عن تدوين موضوعات نثرية، حيث لا يتسع لها الشعر ولا يصلح لها ، لذلك فإن الآيات القرآنية التي هي عبارة عن نصوص نثرية، تتكلم عن موضوعات إيمانية، وعن الأنبياء وتاريخ الإيمان والعبادات والحدود وغيرها، كان موضوعا مستجدا لم يروا مثله من قبل, بهذا الأسلوب وهذا الترابط وهذه اللغة الراقية.
5- إن هذا الموضوع الذي تفاجأوا به، لا بد أن يأخذ فترة طويلة حتى يخلد في وجدانهم، ويستقر بجانب الأسلوب الشعري الذي طالما تعودوا عليه، ولتقريب الفكرة فإننا نحن العرب حينما نشتري من الغرب مخترعا جديدا أو جهازا حديثا، فإننا نكون البداية وجلين مترددين في استعماله، ونكون عاجزين عن فهمه ولكننا بعد أن نتعود عليها ونفهمها نستطيع أن نصلحها، ونصنع مثلها، إذا توافرت الشروط اللازمة لقيام صناعة مثل هذا المنتج، ومثال ذلك حينما أرادت مصر أن تؤسس لصناعة السيارات أخذت أولا في تجميع قطع سيارات فيات، لكي يكسب العمال والمهندسون الخبرة في الإنتاج، و بداية تم تصنيع الأجزاء السهلة . ومن ثم تصنع السيارة كاملةـ
6- إذن فمن هذه الزاوية نجد أن العرب الذين اظهروا عجزهم عن الإتيان بسورة واحد كان عجزا مبررا، كما عجز المصريون عن إنتاج سيارة ، إذ لا يوجد لديهم كتاب يمكن الاقتداء به والتعلم منه ،ولم يكن من عادتهم أن يدونوا أفكارهم وتصوراتهم ، ويفكروا تفكيرا عميقا، إضافة إلى أن أدوات الكتابة من أوراق وأحبار كانت معدومة تماما، والقرآن الكريم بصفته الظاهرية الملموسة، ويغض النظر عن محتواه المقدس ، نجد انه كتاب ككل الكتب ، وأعتقد أن الرسالة المحمدية لو كانت في بلاد الإغريق لم يكن عجبا أن يأتي الرسول بالكتاب المبين، لأن صناعة الكتاب عند الإغريق كانت موجودة.
7- إن الإعجاز القرآني لم يكن في عدم قدرة أحد على أن يأتي بسورة من مثله، إنما الإعجاز كان مجيئه عن طريق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأمي العاجز كبقية أترابه عن القراءة والكتابة، ولو كان يقرأ ويكتب، لكان بإمكانه أن يقرأ الكتب التي عند الكهنة اليهود والنصارى، ولقلنا انه قام بكتابة القرآن اعتمادا على ما قرأه عند الأحبار، أما والحالة كانت تنفي قدرة الرسول وغيره عن كتابة نصوص أدبية ، فإن القرآن الكريم والحالة هذه لن يكون من قدرة البشر آنذاك ، بل بقدرة إلهية.
ولتدعيم هذه الفكرة نناقشها على النحو التالي:
أ - لو فرضنا أن راع في الصحراء قام بصنع هاتف نقال كاملا ، يعمل بأسلوب مختلف وقدرة أفضل، فهل نعتبر هذا الجهاز معجزة؟ أم أن ذاك الراعي الأمي هو المعجزة، إذن فإنه في حالتنا هذه، نرى أن المعجز في من انزل القرآن وليس في القرآن.
ب – كان المطلوب من الإعجاز القرآني هو الزيادة في تقديس القرآن، ولكن لا يوجد علاقة ترابطية بين الإعجاز والتقديس، فأصحاب الأديان السماوية جميعها وغير السماوية، لديهم كتب مقدسة ولكن أحدا منهم لم يقل عن كتابه معجزة، فلو كان كل مقدس معجزة فإنه بالضرورة يكون كل معجز مقدسا، وهذا القياس لا يقره عقل ولا منطق.
ج- إن أساليب البلاغة اللغوية التي بنيت بها العبارات القرآنية، لا يمكن أن نقول بثقة مقنعه أنها سبب إعجاز القرآن، ولا يمكننا تعميم هذه النظرية، لأننا بذلك نستطيع أن نقول عن أشعار المتنبي أنها معجزة، وهذا يجعل معجزاتنا لا عد لها.
د- إن العرب والمسلمين بعدما اختلطوا مع الأقوام الأخرى وتعرفوا على الكتب وعلى سبل الكتابة وموضوعاتها من خلال الترجمة وجدنا أنهم قد بدأوا بكتابة الكتب التي تشبه القرآن الكريم ظاهريا، وعندها لم نجد من يقول أنا أتيت بمثل القرآن، ونشأت الحضارة العربية ولم يعترض أحد على من أتى بمثل القرآن، واتهموه بالكفر والإلحاد وتحدي مشيئة الله.
هـ - من الناحية الفعلية، يمكن لأحد أن يؤلف في موضوع كتب فيه الكثيرون، كالأدب أو العلم وغيرها، ولكن لا يوجد شخص يقوم بتأليف نفس الكتاب لشخص آخر، فيكون بذلك قد انتحله، وهو أمر يسهل كشفه، ولم يفعله غير عدمي الموهبة، ولكن الذي لم يحدث أبدا، هو أن يقوم احدهم بكتابة نصوص ويقول أنها قرآن، هذا أمر مخالف للعقل، فكيف اكتب شيئا وأقول عنه قرآناً؟ فالصحابة يعرفون القرآن، فيفتضح أمري، ولكن حدث ذلك في السنَة النبوية قبل تدوينها فقد تعرضت لافتراء المحدثين ونسبة أقوالهم وآرائهم إلى رسول الله.
د – تبقى قضية لا بد أن نعرج عليها، وهو كتاب نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب ،فما كان لعلي بن أبي طالب أن يقوى على تأليف كتاب بهذا الحجم وبهذه اللغة في العصر الجاهلي، لأن ذلك لا يكون إلا في امة تؤلف كتبا، ولو كان عليا رضي الله عنه قادرا أن يؤلف مثل هذا الكتاب ألا يكون محتملا أن رسول الله كان قد ألف القرآن؟ أن الأخوة في المذهب الشيعي يقرون أن القرآن من عند الله ونهج البلاغة من عند علي ، وهذا أمر لا يستقيم ذهنيا، فكيف لعلي ان يقوى على التأليف ومحمد أو غيره من الناس لا يقوون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آية واحدة تفند مقالتك
عديل الروح ( 2016 / 12 / 21 - 13:28 )
ربما سيقول لك أحد الإسلاميين : إن آية 88 في سورة الإسراء ترد عليك وتفند رأيك المتواضع يا روحي


2 - رأي آخر
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 21 - 14:04 )
تقول سيد سعادة : (إنما الإعجاز كان مجيئه عن طريق الرسول محمد ، وهو الأمي العاجز كبقية أترابه عن القراءة والكتابة، ولو كان يقرأ ويكتب، لكان بإمكانه أن يقرأ الكتب التي عند الكهنة اليهود والنصارى،)... نسيت يا سيد سعادة ان الإنسان له قابلية حفظ الكلام الذي يتلى عليه ثم يمكن لحافظ الكلام ان يتلوه بدوره على من يعرف الكتابة كي يدون ويثبت تاريخيا ، وهذا الأمر لا يحتاج الشخص الى معرفة القراءة والكتابة بل يعتمد ويحتاج الى حاسة السمع واللفظ ، هناك اطفال بالكاد لا يعرفون كتابة اسماءهم لكنهم يستطيعون تلاوة آيات طويلة كأي نشيد مدرسي كمحفوظات . لو تتبعنا اسباب النزول سنرى بأن القرآن كان يتبع الحدث وبهذا يمكن تأليف جمل قرآنية لمعالجة ذلك الحدث ونشرها تلاوة وهذا لا يحتاج الى معرفة القراءة والكتابة ، برأيي هناك خوف وعدم جرأة للأعتراف بالحقيقة التي هي ان القرآن مؤلف بشري ، القسم المكي كان موجود قبل الإسلام كما وجد وفحص مختبريا من اوراق المصحف المكتشف في الجامع الكبير في صنعاء اما الجزء المدني فقد أُلف من قبل الرسول بمساعدة الصحابة لأنه نشرة لقرارات وتعاليم يومية تتبع الحدث لمعالجة المشكلة ، تحياتي

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية