الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال السفير الروسي ونظرية المؤامرة

جميل كاظم التميمي

2016 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وجهة نظر نفسية

عند مراقبة حديث الشارع وصفحات التواصل الاجتماعي حول اسباب اغتيال السفير الروسي وتفسير البعض على ان الحادث مدبر ومخطط له بمعنى ان هناك مؤامرة كانت وراء الاغتيال ومنهم من ذهب اكثر من ذلك اذ اخذ يربط الاحداث ويسلسلها بطريقة دراماتيكية تذكرني بروايات اجاثا كريستي البوليسية .

انني بدوري هنا كطبيب نفسي لا احاول مغالطة هؤلاء حول هذا الحادث بالذات وانما اسلط الضوء على التفسير النفسي لظاهرة التفكير التامري لدى البشر بصورة عامة وتفكير الانسان العربي بصورة خاصة والذي دفعني وعصف افكاري للخوض بهذا الموضوع ان اثنين من المرضى النفسيين الذين فحصتهم اليوم في عيادتي الخاصة كانا مصابين باضطراب نفسي يحمل نفس اعراض الشك التامري .

في البدا علينا ان ندرك ان الانسان اعتاد ضمن قدراته الذهنية المتطورة الى محاولة ايجاد تفسير لاي حدث يواجهه او يتعرض له وان اهمية التفسير تتناسب طرديا مع اهمية الحدث يعني على سبيل المثال اغتيال الرئيس الامريكي السابق كندي او حادث 11 سبتمر او اغتيال السفير الروسي (طبعا في ظل اجواء داعش والصراع الاقليمي) هذه الحوادث بالتاكيد تختلف عن حادث بسيط لجريمة معينة او ظاهرة معينة بالرغم ان حتى في الحوادث البسيط فان آلية الدفاع النفسية للانسان تحتم عليه الكشف عن سبب الحادث للتخلص من القلق الذي يرافق غموض الحدث لان عدم الكشف عن السبب يدخل الانسان في متاهات المجهول وعواقب المجهول تنتهي بالقلق .

ان اكثر عامل يتحكم بطريقة تفكير الانسان هو العاطفة فعلى سبيل المثال ان المريض المصاب بالاكتئاب يصف حياته وكانها مليئة بالبؤس ولا يتذكر من ايامه السابقة سوى التعيسة منها وهذا ما يسمى (بانتقائية الافكار او الاحداث السلبية) لكنك عندما تتحدث مع عائلته فانهم ربما يخبروك عكس ذلك اذ ان هناك كثير من جوانب حياة المريض مفرحة لكن المريض لا يذكرها والسبب بالتاكيد هنا يعود لمزاجه الكئيب(بالرغم ان العالم الامريكي بيك Beck تعمق في موضوع الاكتئاب وعزاه الى تشوه المفاهيم الفكرية لدى المريض).

عندما تتعاطف مع شخص او موقف او فكر معين فانك تحاول دون ان تشعر ان تنحاز وتتبنى اي شي ايجابي يقف مع مصلحته وترفض العكس حتى وان كانت هناك ادلة وبراهين تناقض مفاهيمك لانك دون ان تشعر تحاول اسقاط افكارك على الحدث فتبرمجه كما انت ترغب لا كما يفسر الحدث نفسه هذه الالية انتبه لها العالم السويسري رورشاخ في القرن الماضي عندما عرض على اشخاص صور مبهمة غير واضحة المعالم (اطلق عليها اختبار بقع الحبر) وطلب منهم وصفها اكتشف في حينها ان الاشخاص المكتئبين والسعداء يصفون نفس الصورة بطريقة مختلفة لكن وصفهم كان يتناسب مع مزاجهم لان في الحقيقة ان كل واحد منهم كان لايرى الصورة وانما يرى افكاره في الصورة دون ان يشعر وهذا ما يسمى بآلية الاسقاط النفسية.
الموضوع الخطير هنا ان آلية الاسقاط(projection) ستفسر لنا ان الذين يميلون لتفسير الاحداث دوما باتجاه نظرية المؤامرة هم بالحقيقة لديهم تفكير مؤامراتي تجاه الاخرين لو اتيحت لهم فرصة التامر دون ان يشعروا.

الان لو ناخذ حادث اغتيال السفير الروسي كنموذج ونحلله بعيدا عن العاطفة.
فهو سفير لدولة مؤثرة جدا في الاحداث الجارية وفي نفس الوقت هو متواجد على ارض دولة تلعب دور مهم جدا في نفس الاحداث هذه الاحداث تغيرت بشكل دراماتيكي في الاشهر الاخيرة
الان لو نفترض ان نسال سؤال هو
كم مواطن من الشعب التركي المتعاطف مع المزاج الاسلامي التركي يتمنى مقتل او قتل السفير التركي بعد احداث حلب؟
انا على يقين بالملايين
اذا هل من الغريب ان يقوم احد هؤلاء الملايين المشحون جدا بتنفيذ هذه الرغبة؟
اذا فكرنا بهذه الطريقة فسينتفي الاستيعان بنظرية المؤامرة.

العرب اعتادوا على تفسير الاحداث باتجاه نظرية المؤامرة لسببين نفسيين
الاول لانهم دائما يمثلون الدور الضعيف في الحدث لذلك للتخلص من تبرير ضعفهم فانهم يوظفون نظرية المؤامرة في الحدث للتبرير والتستر او انكار الضعف (Denial) الذين هم عليه وخداع الذات بان هناك فكر وقوة غاشمة تتامر عليهم هذا التامر هو سبب ضعفهم فلولاه لكانوا في حال افضل.

الثاني وهو الخطير..انهم يتمنون دون ان يشعروا التامر التامر على الاخر !!!

ملاحظة
انا لست بصدد تكذيب جميع المؤامرات لكني فقط اوضح وجهة النظر النفسية لاحداث قد تبدو للبعض متشابكة الخيوط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة