الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهابي الشّهيد محمّد الزّواري، بين فوضى المقاييس وإنعدام المبدأ

مالك بارودي

2016 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لفت نظري البارحة، مقال منشور بجريدة "الصّريح" التّونسيّة (العدد 5324، بتاريخ 24 ديسمبر 2016، ص4) عنوانه "إعترافات والد الإرهابي نزار نوّار، منفّذ هجوم الغريبة: لهذا وضعتُ لوحة شهيد على قبر إبني عند عودتي من فرنسا"، هذا نصّه:
.
"توفّرت معلومات لدى وحدات الحرس الوطني مفادها أنّ والد العنصر الإرهابي نزار نوّار منفّذ العمليّة الإرهابيّة التي إستهدفت المعبد اليهودي الغريبة بجربة سنة 2002 وتبنّاها تنظيم القاعدة بواسطة شاحنة صهريج وراح ضحيّتها قرابة 20 أجنبيّا أغلبهم من الجنسيّة الألمانيّة قام مؤخّرا بتثبيت قطعة رخام على قبر إبنه الإرهابي كُتِب عليها "الشّهيد نزار نوّار"، علما أن المعني بالأمر مقيم بفرنسا حاليّا وكان قد حلّ بتونس في زيارة. وبتحوّل وحدات الحرس الوطني على عين المكان، عاينت المكان وتأكّدت من صحّة المعلومة ووجدت الرّخامة المذكورة بمقبرة الصّيّاح بمعتمديّة بن قردان. بعد ذلك تحوّلت وحدات الحرس الوطني إلى منزل عائلة الإرهابي المذكور للتّأكّد من هويّة من قام بتثبيت قطعة الرّخام لكنّهم لم يجدوا إلّا شقيق الإرهابي بإعتبار أنّ أغلب أفراد عائلته مقيمة بفرنسا. وبالتّحرّي معه أكّد أنّه تحوّل لزيارة قبر شقيقه الإرهابي نزار نوّار ولا يعرف من وضع القطعة الرّخاميّة على قبره ولا علم له بذلك. وطالبت فرقة الأبحاث والتّفتيش للحرس الوطني شقيق الإرهابي نزار نوّار بالإتّصال بوالده المقيم بفرنسا حاليّا فأعلمع هذا الأخير أنّه هو من قام بتثبيت تلك القطعة على قبر إبنه خلال عودته من فرنسا إلى تونس في الصّائفة الفارطة. وأكّد أنّه يعتبر إبنه شهيدا رغم العمليّة الإرهابيّة النّكراء التي قام بها. هذا وبمراجعة النّيابة العموميّة بمدنين أذنت لفرقة الأبحاث والتّفتيش للحرس الوطني ببن قردان بمباشرة قضيّة عدليّة في شأن والد الإرهابي المذكور موضوعها تمجيد عمليّة إرهابيّة. كما تمّت إزالة القطعة الرّخاميّة من على القبر وإرسالها صحبة محضر القضيّة وإخلاء سبيل شقيق العنصر الإرهابي بعد سماعه كشاهد مع إدراج إسم الوالد م. نوّار ضمن التّفتيش وقد تتمّ ملاحقته قضائيّا في فرنسا خاصّة أنّه عبّر عبر الهاتف أنّ إبنه شهيد."
.
إذن، الصّورة واضحة. رجلٌ وضع على قبر إبنه لوحة رخاميّة وصفه فيها بالشّهيد، والواقع أنّه قام بمعمليّة إرهابيّة ضدّ المعبد اليهودي بالغريبة وزوّاره أسفر عن موت 20 شخصًا. شخصيّا، لا أهمّية لديّ لصفة "شهيد"، لأنّها نابعة من القاموس الدّيني، وهو قاموسٌ متخلّفٌ ومُنحازٌ ومنافقٌ ولا علاقة له بالواقع ولا بالموضوعيّة. بل أصبح لفظُ "شهيد" في نظري (وفي أنظار الكثير من النّاس أيضًا) مرادفًا لألفاظ سلبيّة كثيرة أفضّل عدم التّطرّق لها هنا وتركها جانبًا... فعندما نرى من يوزّعون هذه الصّفة يمينًا وشمالًا على كلّ من هبّ ودبّ، مثل محمّد البوعزيزي الذي كان السّبب في ما حدث بتونس من فوضى في أواخر 2010 وبدايات 2011 لأنّه أحرق نفسه، وغيره ممّن هلكوا في ما يسمّى "ثورة الحرّيّة والكرامة" وهم بصدد سرقة بعض المحلّات والمؤسّسات أو مهاجمة قوات الأمن للإستيلاء على أسلحتهم ومواصلة رحلة الفوضى والشّغب، عندما نرى كلّ ذلك، لا نملك إلّا أن نتساءل: "ما الفرق بين هذا الشّخص وذاك حتّى يُعطى لقب "شهيد" لأحدهم ويُحرم منه الثّاني؟" هل يتحوّل وجهُ الشّهيد إلى قوس قزح، مثلًا، في حين تبقى ألوان وجوه غيره كما هي؟ هل تَنبُتُ للشّهيد أجنحة مثلًا؟ أم يتحوّل جلده إلى قطعة حلوى عطرة؟ ما المقاييس التي تمكّن من التّمييز بين هذا الشّخص فيُسمّى شهيدًا ولا يعارض ذلك أحد وتمنعُ التّسمية على الآخرين فلا تجدُ من يُجادلُ في الأمر لوضُوحه؟ الحقيقة أنّه لا توجدُ أيّة مقاييس، لأنّ لفظ "شهيد" متعلّق بما يسمّى "الغيبيّات" أي بخرافات ما بعد الموت وخزعبلات البعث وأساطير مقابلة الآلهة والحساب، وهذه أمور لا يمكن لأحد الإتيان بدليل على صحّتها، فضلًا عن الجزم بأنّ الله الخرافي قد كتب إسم محمّد البوعزيزي مثلا في قائمة الشّهداء ولم يكتُب إسم نزار نوّار. بل إنّ إطلاق لقب "شهيد" على شخصٍ مّا لا يمثّل ولا يُلزمُ إلّا من أطلقهُ ولا علاقة له لا بالواقع ولا بالشّخص الميّت. فهو نتيجة لما يعتقده من صدر عنه اللّفظ وما يتمنّاه أو يريد تحقّقه، أو هو حكم شخصيّ لا يعبّر عن أيّة حقيقة واقعة يمكن التّحقّق منها بطريقة لا يرقى إليها الشّكّ ولا يختلف حولها إثنان.
.
أعرفُ وأدرك جيّدًا أنّ المجتمع التّونسي (ومن ورائه كلّ المجتمعات العربيّة الإسلاميّة والتي لا تقلّ عنه تخلّفًا والموبوءة دينيّا) يعتبر لفظ "شهيد" لفظًا محمّلا بالكثير من المعاني الإيجابيّة ومشحونًا عاطفيّا ودينيّا إلى أقصى حدّ، بسبب حديث القرآن عن الشّهداء وأحاديث محمّد بن آمنة عن فضل الشّهادة في سبيل الله وكثرة الأساطير النّابعة من القرآن والسّنّة والتي تتحدّث بإسهاب عمّا يتمتّع به الشّهداء من نِعَمٍ في جنّة ربّ الإسلام والتي تعتبر نسخة من الكاباريهات أو محلّات الدّعارة (خمر، عسل، لبن، ماء، أحجار كريمة، فتيات وغلمان للنّكاح، إلخ). وهذه المعاني التي تعلّقت بلفظ "شهيد" هي السّبب الذي من أجله إعتبر أعوان الأمن، في الخبر الذي ذكرناه أعلاه، عبارة "الشّهيد نزار نوّار" تمجيدًا للإرهاب، لأنّها جمعت شيئين متناقضين ومتعارضين ("شهيد" وهو لفظ جميلٌ ورائعٌ في المخيال الدّيني و"إرهابي" وهو لفظ مكروه ومستهجنٌ لدى الكلّ، بما فيهم الإرهابيّين أنفسهم) الشّيء الذي يمكن أن يدفع بآخرين لإنتهاج نفس الطّريق الذي سلكه نزار نوّار لنيل "الشّهادة" أو، في أحسن الحالات، إلى إفراغ كلمة "شهيد" من كلّ معنى "جميل" يلصقونه بها. فالأمر شبيه بالإعلان عن موادّ غذائيّة منتهية الصّلوحيّة وعرضها للبيع، وهذا أمرٌ ممنوعٌ قانونيّا لأنّه قد يأتي في وقتٍ من الأوقات من يشتريها ويستهلكها فتتسبّب في موته أو موت آخرين معه.
.
إذن، نحنُ نتّفق على أنّ ما فعلهُ أبُ الإرهابي نزار نوّار تمجيدٌ لعملٍ سيّء ومستهجنٍ وقبيح ولاإنساني. فلا يجبُ تجميلُ الإرهابيّين ولا نعتُهم بما يتناقضُ مع ما فعلوه فتُفتح أبواب على التّأويل والتّفسير والتّبرير وتتداخل المعاني ويُصبحُ الفعل الإرهابي في حدّ ذاته مشكوكًا في نسبته للإرهاب وقد يجدُ من يستحسنُ ذلك الفعل ويسعى للإشادة به أو لتقليده. نحن نتّفق على كلّ ذلك. والقاعدة التي يمكن إستخراجها ممّا قلناه وممّا قرأناه، يمكن تلخيصها كما يلي: "الإرهابُ إرهابٌ ولا سبيل لتمجيده بأيّة طريقة". فهل أنّ التّونسيّين ملتزمون بهذا المبدأ، أم أنّ القاعدة الرّئيسيّة هي إنعدام وجود قاعدة، ممّا سيجعلنا نرى تضاربًا وتناقضًا وإخلالات في جميع الإتّجاهات وعلى جميع المستويات؟
.
في نفس العدد من جريدة "الصّريح"، وفي الصّفحة 19، نقرأ مقالا بقلم "ياسين الوسلاتي" عنوانه "حينما أُغتيل المُغتالُ ثانية"، جاء فيه ما يلي: "منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 نجحت واشنطن ومعها تل أبيب في توصيف كلّ عمل نضالي ضدّ الظّلم والقهر والإحتلال بأنّه عمل إرهابي يتوجّب عقاب أصحابه، وجاءت بعض الأحداث التي تلت الثّورات العربيّة لتزيد في تعميق هذا التّوصيف وتأصيله وتمريره إلى الدّول العربيّة وترسيخه في نُخبها... ولعلّ إغتيال المهندس التّونسي الشّهيد محمّد الزّواري أفضل دليل على ذلك حينما تعاملت بعضُ وسائل الإعلام والنّخب السّياسيّة في تونس مع الحدث بشيء من التّردّد والخجل والرّيبة ولم تشأ أن تسمّي الأشياء بأسمائها لإعتبارات سياسيّة وإيديولوجيّة. فليس ثمّة حديث عن أنّ المغدور به مناضلٌ وهب حياته للقضيّة الفلسطينيّة والدّفاع عنها بقطع النّظر عن أنّ التّحقيقات الرّسميّة لم تُثبت – ولن تُثبت – تورّط إسرائيل في عمليّة الإغتيال. وإن عدم التّعاطي مع الحدث بشكل يستوفيه حقّه يبرز أنّ هناك خوفًا من تهمة تشجيع الإرهاب على إعتبار أنّ حركة حماس مصنّفة إرهابيّة، ولكن ينسى هؤلاء أنّ النّضال من أجل دحر الإحتلال لن يكون إرهابًا حتّى وإن كان النّضال متدثّرًا بعباءة إسلاميّة تمثّلها حركة حماس التي لعلّنا نختلف معها ولعلّنا نتّفق معها، ولكن كل ذلك لا يعطينا الحقّ في أن ننفي عنها وعن المنتمين إليها صفة النّضال ليصبح إرهابًا، ولا يعطينا الحقّ في أن نغتال المغتال ثانية..."
.
يدور الحديث هنا حول حادثة قتل محمّد الزّواري في مدينة صفاقس يوم 25 ديسمبر 2016، وهو مهندس كان يعمل مع كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، ويساعدها على تطوير أسلحتها... ويعترف الكاتب أنّ "حركة حماس مصنّفة إرهابيّة". إذن، فهذا المدعو محمّد الزّواري كان عضوًا في منظّمة إرهابيّة وعلى إتّصال بها ويعملُ معها على صنع وتطوير وإستخدام أسلحة خارج أرض الوطن. أي أنّ حاله في ذلك شبيه ومطابق تمامًا لحال التّونسيّين الذين إلتحقوا بالدّولة الإسلاميّة "داعش" وبكلّ التنظيمات الإرهابيّة الأخرى في العالم: هؤلاء أعضاء في تلك المنظّمات، على إتّصال بها ويعملون معها على صنع وتطوير وإستخدام أسلحة خارج أرض الوطن. فإذا كان هذا الفعلُ غير قانوني ومجرّم بالنّسبة لهؤلاء، فيجب أن يكون كذلك بالنّسبة لمحمّد الزّواري. وإذا كان شيئًا عاديّا ومصدر فخرٍ وإعتزاز بالنّسبة لمحمّد الزّواري، فيجب أن يكون كذلك مصدر فخر وإعتزاز بالنّسبة للإرهابيّين التّونسيّين في "داعش" و"بوكو حرام" و"القاعدة" وغيرها من التّنظيمات الإرهابيّة. فكيف يكون التّونسيّون المنتمون إلى "داعش" إرهابيّين ويُصبح محمّد الزّواري شخصًا جيّدًا ورائعًا، حتّى أنّ الكاتب يلوم من لا يُطلق عليه صفة "شهيد" أو "مناضل"؟ والأغرب أنّ كاتب المقال يقول أنّ وسائل الإعلام والنّخب التي لم تتحدّث عن الإرهابي محمّد الزّواري "لم تشأ أن تسمّي الأشياء بأسمائها لإعتبارات سياسيّة وإيديولوجيّة"... فإذا كان هذا حال هؤلاء، فكيف نفسّر حال الكاتب؟ أليس نعته بالشهيد والمناضل رغم معرفته بالإنتمائه لتنظيم مصنّف على أنّه إرهابي دليلا على أنّ "ياسين الوسلاتي" نفسه لديه أسبابٌ سياسيّة وإيديولوجيّة تتحكّم فيه وتوجّه أفكاره؟ فكيف تكون الإعتبارات السّياسيّة والإيديولوجيّة تهمة عند الآخرين وشيئا جميلًا ومحمودًا عند كاتبنا...؟
.
في نفس الصّفحة من نفس الجريدة، يطالعنا مقال بعنوان "أين هيبة الدّولة من الإرهاب الصّهيوني؟" بقلم "ناجي السّبوعي" وهو من حملة الفكر الإسلامي المتخلّف وأحد المتعصّبين للإسلام. في هذا المقال، نقرأ ما يلي:
.
"ضرب الإرهاب تونس مرّات عديدة مستهدفا المدنيّين والجيش والشّرطة والحرس فتعالت الأصوات حكومة وشعبًا ومعارضة مستنكرين هذه الجرائم البشعة ومتوجّهين بأصابع الإتّهام كلّ مرّة وبلا حجّة غالب الأحيان إلى جماعات إسلاميّة متطرّفة دون غيرها حتّى الفقيد لطفي نقّض الذي ثبت بالشّهود وبملفّه الطّبّي أنّه مات إثر أزمة قلبيّة أُعتُبر شهيدا مثل ضحايا الإرهاب رغم أنّ القضاء حكم بعدم سماع الدّعوى وبرّأ المتّهمين بقتله على ضوء الأدلّة المذكورة وإنتقدت السّلطة التّنفيذيّة هذا الحكم لأنّه لا يتماشى مع إنتمائهم الحزبي في إدانة خصوم سياسيّين آخذين من قضيّة لطفي نقّض مطيّة في حملتهم الإنتخابيّة للتّغلّب على التّيّار المتّهم بالإعتداء على الضّحيّة الذي أثبتت الصّور التّلفزيّة تورّطه بالإعتداء المادّي على مسيرة سلميّة في تطاوين. ودقّت ساعة المكاشفة والتّمحيص حين إغتالت يد الغدر الصّهيونيّة وعملاؤها الخونة في بلادنا شهيد الأمّة الإسلاميّة المهندس الطّيّار والقائد القسّامي محمّد الزّواري أمام بيته وسط مدينة صفاقس، تونسيّة الجغرافيا فلسطينيّة المقاومة، فلم نسمع مجرّد تنديد وإدانة من إرتكب هذا الإغتيال الغادر رغم أنّه معلوم الهويّة دون العمليّات الإرهابيّة الأخرى ولم يقف الإعتداء الفاضح على هيبة الدّولة وسيادة الوطن وحرمة الشّعب عند هذا الحدّ بل بلغت بالصّهاينة الجرأة علينا أن أوفدوا أحد صحفيّيهم المنتمين إلى الموساد لإعداد تقرير من ساحة الجريمة داخل التّراب التّونسي وبقي سيادة الرّئيس وحكومته صامتين لا يحرّكون ساكنًا مع بعض الإعلاميّين المضلّلين فهل تحسّس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا بل صرّح أحدهم أنّ قتل محمّد الزّواري جريمة ضمن قضايا الحقّ العام كما أن رئيس الدّولة لم يقم بواجب العزاء في الشّهيد وهو الذي هبّ مسرعًا إلى فرنسا معزّيًا حكومتها وشعبها في ضحايا الإرهاب الذي ضرب العاصمة باريس. أمّا غزّة فقد أقامت خيمة عزاء في الشّهيد التّونسي الموطن فلسطيني النّضال وهو شرف لتونس وللأمّة قاطبة لأنّه قائدٌ في صفوف المقاومة مساهما في تصنيع طائرات دون طيّار مكّنت من صدّ العدوان الصّهيوني الإرهابي على قطاع غزّة سنة 2014 لكن يبدو أنّ حكومتنا لم تتحرّر بعد من هيمنة القوى العظمى والمخابرات الأجنبيّة صانعة الإرهاب الفعلي في وطننا العربي لشيطنة الجهاد والمقاومة المشروعة لدول الإحتلال التي نصّبت على شعوبنا حكّامًا لإستعبادها بالوكالة. فمتى تتحقّق إرادة الشّعوب العربيّة في بناء دولة المواطنة على أساس العدل والحرّيّة والكرامة والسّيادة الوطنيّة التي هي مرآة هيبة الدّولة وعزّة شعبها؟"
.
في بداية المقال، يمارس الكاتب لعبة توزيع شهادة "شهيد"، فينتزعها من هذا ويُسندها لذاك... ولستُ أدري، هل أنّ الشهائد التي يوزّعها ممضاة من محمّد بن آمنة أم من الله أم من جبرائيل أو أحد الكائنات الخرافيّة الأخرى التي تسكن بين طيّات كتب التّراث الإسلامي الصّفراء وبين تلافيف أدمغة المسلمين الصّفراء هي أيضًا... ثمّ نجدُ تمجيدًا لمحمّد الزّواري الذي ينعته بـ"شهيد الأمّة الإسلاميّة المهندس الطّيّار والقائد القسّامي"، المنتمي للجناح العسكري (وأرجو التّركيز على لفظ "العسكري" والتّمعّن فيه جيّدًا) لحركة حماس الإرهابيّة. وفي نفس الوقت، نجدُ تكرارًا لألفاظ مستخرجة من القاموس الدّيني الإسلامي المتخلّف (الأمّة، الجهاد) وهي نفس الألفاظ التي يكرّرها قادة حماس وكتائب القسّام وكلّ التنظيمات الإسلاميّة بداية من "القاعدة" و"داعش". فإذا كان والدُ نزار نوّار متّهمًا بتمجيد الإرهاب لأنّه ألصق لفظ "شهيد" بإسم إبنه الإرهابي، فكيف لا يُتّهمُ بتمجيد الإرهاب من يمدحُ الإرهابي محمّد الزّواري ويتحدّث بمنطق الجهاد؟ سيقول الكاتب أنّ الجهاد هو المقاومة المشروعة، لكن مفهوم الجهاد دينيّا لا يتوافق مع هذه العبارة الملحقة، ولو كان الجهادُ هو المقاومة المشروعة، فكيف يسمّى إحتلال وإستعمار ونهبُ وسبيُ محمّد بن آمنة وأتباعه من بعده لأقوام وشعوب أخرى بعيدة عنهم لم تتعرّض لهم بأيّ أذى جهادًا في سبيل الله، في ما يسمّيه المسلمون كذبًا وزورًا "فتوحات إسلاميّة"؟ فإذا كان هذا مفهوم الجهاد في عهد محمّد بن آمنة، فهل يمكن أن يتغيّر مفهومه من بعده؟ وعلى أيّ أساس؟ ثمّ أليس ما تفعله داعش اليوم من جرائم في نظر أعضائها جهادًا؟ أليس ما تفعله جماعة الإخوان الإرهابيّة في مصر في نظر أتباعها جهادًا؟ أليس ما فعله نزار نوّار في حادثة المعبد اليهودي بالغريبة سنة 2002 والمذكور أعلاه في نظره ونظر الإسلام جهادًا ضدّ اليهود الكفّار؟ ونفس العداء والكراهيّة اللتان كانتا تشعلان دماغ الإرهابي نزار نوّار نجدهما عندك. فما الفرق بين من يقتل يهوديّا في إسرائيل ومن يقتل يهوديّا في تونس؟ في نظر إنسان مصابٍ بداء الإسلام، العمليّتان مشروعتان وشرعيّتان، خاصّة أنّ الإسلام زرع كراهيّة العالم كلّه في أتباعه، وخاصّة كراهيّة اليهود والمسيحيين.
.
ولعلّ البعض لم يتفطّن إلى فضيحة تهدم كلّ مقال "ناجي السّبوعي"... فالكاتب الذي يتباكى على هيبة الدّولة والسّيادة الوطنيّة يتّهم في نهاية مقاله دول الغرب بأنّها هي التي "نصّبت على شعوبنا حكّامًا لإستعبادها بالوكالة". ما الذي يمكن أن نفهمه من هذا الكلام؟ هذا يعني أنّ الحكّام القائمين على الدّول العربيّة تمّ تنصيبهم من طرف الغرب وأنّهم مفروضون على شعوبهم بالقوّة وأنّهم موالون للغرب يخدمون مصالحه وأنّهم أداة بيد الغربيّين لإستعباد شعوبهم. هذا يعني أنّ الحكّام العرب خونة. هذا يعني أنّ رئيس الجمهوريّة التّونسيّة الباجي قائد السّبسي خائن تمّ تنصيبه من طرف الغرب لإستعباد التّونسيّين. هذا يعني أنّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد أيضا خائن وعميل للدول الغربيّة. وكذلك الأمر بالنّسبة لكلّ الوزراء وكلّ من يتولّون السّلطة في تونس. فأين هيبة الدّولة والسّيادة الوطنيّة اللتان كُان الكاتب يتّهمُ إسرائيل بإنتهاكهما؟ أليس هو الذي ينتهكهما بنفسه الآن؟ أيّ إنتهاك لهيبة الدّولة أشدّ وقعًا وأخطرُ من إتّهام حكّامه بالخيانة والعمالة لأطراف خارجيّة...؟ لكن، لحظة من فضلكم، أليس محمّد الزّواري، مثلما قرأنا عنه، عميلًا هو أيضا؟ أليس عميلًا لحركة حماس الإرهابيّة؟ فهل محمّد الزّواري عميلٌ جميلٌ ويجبُ أن يقتدي به التّونسيّون ليبيعوا بلادهم من أجل قضيّة لا تهمّهم لا من قريب ولا من بعيد، والباجي قائد السّبسي ويوسف الشّاهد عميلان سيّئان يجبُ التّخلّص منهما في أقرب وقت؟ وهل مشكلة الكاتب مع الخيانة والعمالة أم مع الأشخاص فقط؟
.
في ختام هذا المقال، أتوجّه بكلمة لكلّ من بيده سلطة تطبيق القانون في تونس، إذا أردتم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب وكنتم تعتقدون أنّ ما فعله والد الإرهابي نزار نوّار تمجيدًا للإرهاب، فعليكم أن تتعاملوا مع هذه العيّنات التي ذكرتها في مقالي بالمثل. فهاهو "ياسين الوسلاتي" يمجّد الإرهاب وهاهو "ناجي السّبوعي" يدعو للجهاد في مقاله، ويعتدي إعتداءُ لا لُبْسَ فيه على هيبة الدّولة بتخوين حكّامها وإتّهامهم بالعمالة. فهل سنرى القانون يُطبّق أم...؟
.
-----------------
الهوامش:
1.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths
3.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يبقى الحب نبراس الإمل في قلوب الضالمين
س . السندي ( 2016 / 12 / 26 - 02:38 )




محبة وسلام ... وسط ألألم والظلام

بداية تحياتي لك ياعزيزي مالك وتعقيبي ؟

1: مصيبة بعض التوانسة أنهم كغيرهم من المسلمين ، يَرَوْن القشة التي في عيون الاخرين ولا يرو الخشبة التي في عيونهم ، بسبب غسيل الدماغ الذي يرافق طفولتهم ومن ثم أرهاب سيوف شيوخهم ودواعشهم ؟

2: كل ما يستطيع عاقل قوله هو { تباً لدين وشيوخ يعتبرون قتلة الناس الأبرياء شهداء } فأمثال هـولاء يثيرون الشفقة قبل الاشمئزاز والسخرية ؟

3: وأخيراً ...؟
من يؤمنون بإله يجازي القتلة والسفلة والإرهابيين بغلمان وحور عين ، مكانهم المصحات العقلية أو السجون وليس نوادي الفكر أو القنوات الفضائية ، سلام ؟


2 - إنعدام المبدأ هو إحدى القواعد الإسلامية
مروى حاج علي ( 2017 / 1 / 17 - 16:06 )
شكرا للكاتب.
نعم، إنعدام المبدأ هو إحدى القواعد الإسلامية.
لا تنتظر منهم أم يغيروا ما تعودوا عليه منذ أربعة عشر قرنا.
العادة طبيعة ثانية.

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال