الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة الظلامية ورهان التنوير:

رشيد الأطلسي

2016 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يسود العالم اليوم سحابة ملبدة كثيفة من الظلام، تمطر بزمجرة على كل ربوع العالم، عنوانها العريض الارهاب المقيت، الذي يضرب بعنف كل بقعة يرى فيها هامشامن النور. هذه النزعة الظلامية يغديها فكر غارق بجدوره في التاريخ، ينهل من تراث يمتد الى مئات القرون، وفهم مغلوط لمجرى التاريخ، كما تغديه من جهة اخرى العواطف السوداء كما يسميها اسبينوزا، من كراهية وبغض وغريزة متأصلة في نفس الانسان، الذي لايمكن فصله عن طبيعته الحيوانية التي تغدي فيه العنف والقتل.
وكم يصيبني القرف ورغبة جياشة في محو كل الظلام الذي يلف العالم، وينتصر انتصارات عنيفة تغديها هتافات العبيد والاتباع، لهذا أخذت القلم لأنثر به الحروف وهي سلاحي ورصاصي. فأفضل طريقة لقهر الظلام ليست الاشتغال بمنطقه، وهو منطق العنف الأسود، ولكن بالعكس هو منطق مواجهته بضده، وهو النور. فإن كانت النزعة الظلاميةتتغدى من تراث فقهي يمتح من مرجعيات الجهاد والسبي والقصاص والقتل وجز الرؤوس، فإن مرجعية النزعة التنويرية تمتح من فكرة -لابد ذات يوم تسود هذا العالم- وهي فكرة الانسانية النبيلة، التي يعتبر الإنتصار لها مفتاح كل شعوب الأرض نحو التحرر من ربقة التخلف والعنف والظلامية. لكن دائما ما ينتصر الشر على الخير لأن هذا الأخير يركز على جوهر الإنسان الذي لايمكن التغاضي عنه إستنادا إلى مرجعية طوباوية وفكرة مثالية، تعتبر الانسان ابن الالهة او مخلوقا ملائكيا، أنني هنا أستند إلى الواقعية في تحليلي، لأؤكد على أن النزعة الظلامية لايمكن قهرها إلا بنزعة تنويرية أصيلة.ومادمت أعيش في مجتمع مازالت فيه الغلبة للظلام وثقافة الكراهية، وسيادة منطق القبيلة والطائفية. فإنني لن أتنكر من دوري التاريخي كمثقف تنويري لإعلان مشروعي وهو خلق مجتمع يسود فيه السلام والإختلاف، وتنتصر فيه فكرة المواطنة الكونية، بعيدا عن كل هوس هذياني بفكرة الأصالة والأفضلية، وحينما أتحدث عن النزعة الظلامية، لابد أن أصفها قليلا، لينقشع أي سوء فهم قد يصيب القارئ، فهذه النزعة بناء متكامل الأركان، أعمدته الهشة هي فكرة الانتماء، والافضلية، ويشكل هذه الأعمدة الدين والعرق الجغرافيا والثقافة والعادات...وكل الأشياء التي اخترعها الانسان وبدأ تقديسها بجنون، كل محاولة منه إضفاء طابع النسبية على تلك الانتماءات التي لا تتجاوز كونها وسيلة للعيش وليس غاية في حد ذاتها.لهذا اخترت أن أكتب لأساهم بدوري في العمل الدؤوب والصراع الذي يخوضه أصحاب الفكر المتنور ضد كل نزعات الشر، التي تسود العالم.لذلك كان لزاما علي أن آخد سلاحي وأنضم إلى جبهة القتال، وأحارب من موقعي،وسلاحي في ذلك فكري وقلمي، ولأؤكد وجودي وأدافع عن الطرح الذي أتبناه وأرتضيه، والذي لايمكن لأي منا أن يعارضه إن فهم المنطق الذي يشتغل به،وهو منطق رحب وواسع، لا يتبنى العنف ولا يستند إليه، ولا يزكيه ولا يضفي عليه القدسية فالعنف في نظره كما يقول اريك فايل في كتابه منطق الفلسفة، لا يواجه بالعنف المادي، يواجه بعنف الفكر والخطاب، وهو الخطاب المتماسك والعقلاني الذي يطرح البدائل، ولايركز على أي نزعة عدمية غير أصيلة، والخطاب المتماسك والصلب هو خطاب العقل، الذي يجد أكبر تجل له في عقول الفلاسفة، كما أنه يظهر في العلوم والفنون. لكن الخطاب الديني يمجد الخضوع، ويخدع الانسان، ويتاجر بمصيره، ويفقده انسانيته، ويقدف به في عالم الأوهام والأصنام، ويؤسس لكائن لا انساني، لهذا جاءت الفلسفة لتمنح الانسان جوهره الأصيل ولتلاقيه بالسؤال الذي ضاع منه،وتبدد من أمام ناظريه كل الأوهام المقدسة التي تأسر العقول والقلوب. وتزج بكل نزعة فردية أصيلة في بوقة الجماعة والقبيلة والأمة. لدى كان لزاما علينا، نحن أبناء العالم الثالث أن نفهم منطق التاريخ وننخرط فيه، ونؤكد على المسار الصحيح الذي يجب أن نسلكه وهو مسار التنوير، والانغراس في تربة العالم النبيلة، ونشجع أصالة الذات، ونقهر كل القيود التي تربطنا، وتحبس اصالتنا وعمقنا في خطابات صيغت، في غيابنا، وحكم علينا قهرا ان نتبناها ونقدسها، ولا نسائل ونعلن خضوعنا المطلق لها، فكيف يجوز لنا أن نعيش في ظل استبداد في كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية؟ نعم إن الاستبداد السياسي يفرض علينا قسوته وجبروته، ولكن كيف المخرج منه؟الحل في نظري تهديم الثوابت، التي تتأسس عليها السلطة، وهي منطق العنف، والقهر، لان التحرر لاينطلق من المؤسسات والقوانين، ولا يرتبط باسقاط الحكام والأنظمة، وتغييرها، ولاحتى بتزفيت الطرق، وترصيصها، ولا بتشييد البنايات الشاهقة، بل إن التحرر الحقيقي يبدأ من خلال، تحرير العقول من الأوهام التي نسجها التاريخ، وكرسها الحكام والأباطرة، إن التحرر هو أن نغير فهمنا للعالم، ونظرتنا نحوه، لنؤسس لنظرة جديدة تمتح من الحقيقة، ومن حاضر العالم، وأن ننخرط في التاريخ، وننتمي الى أمنا الارض هي بيتنا وجنتنا، هذه في نظري كل بداية للتحرر، لهذا اخترت أن انتمي الى الفلسفة فكرا وعقلا، وأن انتمي الى الانسانية، وان ادافع على السلام، وان اناصر النور والتنوير. لكن مسعاي يصطدم دائما بالنزعة الظلامية، التي لاتحب ان يتحرر الفرد من اوهامها ويؤسس ذاته، لانها تتغدى من الاوهام، والعواطف السوداء، وتغدي رذيلة الخضوع والاستكانة.لهذا وجب النضال من أجل تحرير العقول، ونشر التنوير، وتأسيس مجتمع انساني كوني يحس فيه الانسان بانسانيته، ويتمتع فيه بحقوقه ويؤدي واجباته الكونية، ويتمتع بحريته المطلقة في تحقيق ذاته.
كاتب مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah