الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسوع لم يؤسس كنيسة حجرية ..!(3)

وديع العبيدي

2016 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
يسوع لم يؤسس كنيسة حجرية ..!(3)

"ها هنا..
من هو أعظم من الهيكل!"
"أما ترون هذه المباني كلها؟..
الحقّ اقول لكم:
لن ُيترَك هنا
حجر فوق حجر
إلا ويُهدَم!.."

"فأنكم تبنون قبور الأنبياء،
وتزينون مدافن الأبرار
وتقولون لو عشنا في زمن آبائنا
لما شاركناهم في سفك الدماء
فبهذا تشهدون على أنفسكم
بأنكم أبناء قتلة،
فأكملوا ما بدأه آباؤكم
ليطفح الكيل!"

"ها ان بيتكم يترك لكم خرابا!..
وأنا اقول لكم:
انكم من الآن لن تروني!..
حتى تقولوا:
مبارك هو..
الآتي باسم الربّ!"

"وكان يسوع يتنقل في منطقة الجليل كلها،
يعلّم في المجامع،
وينادي ببشارة الخلاص،
ويشفي كل مرض وعلة في الشعب.
فذاع صيته في سورية كلّها.
فحمل اليه الناس مرضاهم،
المعانين من الأمراض
والأوجاع على اختلافها.
والمسكونين بالشياطين،
والمصروعين، والمشلولين،
فشفاهم جميعا.
فتبعته جموع كبيرة
من مناطق الجليل، والمدن العشر،
وأورشليم واليهودية،
وما وراء الأرذن.
وإذ رأى جموع الناس،
صعد الى الجبل.
وما أن جلس،
حتى اقترب اليه تلاميذه،
فتكلم، وأخذ يعلم..!"

مع سنا النهار يخرج يسوع يوميا الى عمله.. يخرج الى الطرقات والأزقة، حيث المارة والفقراء والشغيلة، يتحدث اليهم، يراقب حركة حياتهم بعطف وتفهم، يشد على ايديهم، يساعدهم، يداوي عللهم ويرفع عنهم النير.
وينادي قائلا: تعالوا اليّ يا متعبين، ويا ثقيلي الأحمال، وأنا اريحكم. ادخلوا في نيري، فاني وديع ومتواضع القلب، حملي خفيف، ونيري هيّن!.
من الجليل صعودا الى صيدا وصور – في لبنان اليوم-..
ومن بحيرة الجليل الى المدن العشر ومنها الى أطراف دمشق سوريا..
ومن بحيرة الجليل عبر وادي الاردن الى حدود مؤاب – الاردن اليوم-..
ومن مؤاب عبر النهر الى اريحا ومنها شمالا الى اورشليم واليهودية..
ومن اورشليم شمالا عبر السامرة الى الجليل ثانية..
ان المسافة التي قطعها يسوع على قدميه وبجسد نحيل يمثل اربعة بلدان في خريطة سوريا اليوم، وقد قطع تلك المسافة ، وسار ذلك الطريق اكثر من مرة خلال حياته القصيرة.
أين منه تجار الكليرك اليوم، الذين سصحون من النوم وفي ايديهم اجهزة الموبايل ومفتاح السيارة الملتصقة بباب بيته، وله مركن خاص عند باب الكنيسة، فلا يمشي بضعة خطوات حتى يدخل السيارة او يخرج منها..
وعلى مدى سني سيرته الدينية ليس له رصيد محترم من الكيلومترات والاميال.. ميزة يسوع انه عانى وتألم، لكي يفهم ويتفهم احوال المعانين والمتألمين، فتعامل معهم وجها لوجه، وليس عبر المكاتب والسكرتاريا والشاشات والفيس بوك..
على قدميه تجول يسوع في أرض سوريا الكبرى صعودا ونزولا، نزولا وصعودا، يتبعه بعض تلاميذه وزرافات من النساء والجموع، من مختلف القرى والقصبات والمدن والألوان.. ينصتون الى أقواله ويأنسون بصحبته، منقادين بالروح القدس، لا يتلفتون وراءهم، ولا يأبهون لما ينتظرهم.
في تلك القرى والساحات والشوارع وجد يسوع المرضى والمشلولين والفقراء والمتعبين وشفاهم. ذهب يسوع الى الناس، وزار المرضى في البيوت والأروقة، ولم يتصدر المجالس او يتسلح وراء المكاتب البيروقراطية ويأمر خدامه: دعنا نبدأ العمل، اين هم المرضى والمحتاجين الى تعزية..
لم تكن ثمة سكرتاريا ولا ملء استمارات ولا بطاقة معلومات أو تزكية من فلان وعلان، أو تمييز على اساس اللون والطائفة والحزب والقومية..
لا يذكر انه سأل أحدا عن اسمه أو جنسه او لغته أو بلده أو رصيده في البنك..
لم يجلس في مكان وينتظر ان يأتيه الناس، وانما وجد بينهم، واقترب منهم، لم يترفع على أحد، وأنما تنازل وانحاز الى المهمشين والمزدرين ومن يصفهم المجتمع بالخطاة والزانيات.. وكان يرد على مجادليه بالقول: الاصحاء لا يحتاجون الى طبيب!. من اجل الخراف الضالة أنا جئت!.

في داخل فلسطين اليوم وخارجها، كنائس كثيرة، مبتناة من حجر واجر واسمنت وزجاج، تحمل اسم يسوع، ميلاده، معموديته، صلبه وقيامته وصعوده.. ومناسبات كثيرة محسوبة على سيرته.. ومثلها في سيناء وفي الطريق الى مصر.. رحلة العائلة المقدسة.. مجرد مؤسسات سياحية تجارية لاستدرار رأس المال والتعيش –اقتصاديا واجتماعيا- على اسم يسوع، ادعاء اسم يسوع وتحويله الى قشرة خارجية .. من غير مضمون اجتماعي روحي انساني حي..
بحسب الاحصاءات العامة، ثمة ثلث البشرية من اتباع يسوع اليوم.. حقا؟؟..
كثيرة هي البلدان والمجتمعات والثقافات المنسوبة ليسوع، وباسمه ثمة الاف الكنائس والطوائف والاتجاهات.. وجيش عرمرم من طبقات الكليرك، يسكنون البيوت الجميلة، التي لم يسكن مثلها يسوع، ويرتدون الثياب النظيفة البهية وغالية الثمن التي لم يرتدِ مثلها يسوع، ويمارسون أعمالهم في كنائس مقننة بلائحة تبين اوقات العمل والفتح والاغلاق وفي ايام محددة من الاسبوع.. كنائس لم يعرفها يسوع ولم يضع يده فيها أو عليها..
تساءل احد الوعاظ مرة، وكانت الكنيسة مزدحمة بالحضور: لو جاء يسوع الان، فأين يكون مكانه؟..
لو جاء يسوع فأنه لن يدخل تحت سقف ايما كنيسة، وانما سيبقى في الخارج. هناك كان دائما. ولد في العراء، وعاش في العراء، واعدم في العراء، ولم يسكن تحت سقف بناء. لقد كان قريبا من الفقراء والمعوزين والمرضى، وهناك سيكون دائما. كنائس اليوم مجهزة بالكهرباء والخدمات البلدية، مزودة بشاشات سكرين كبيرة ومرتبطة بشبكة النت الدولية، تستلم وتبث مباشرة ما يجري بين جدرانها.. مسجلة في دائرة البلدية والداخلية والاوقاف، والعاملون فيها مسجلون لدى الحكومة، ويتقاضون رواتب أسوة ببقية الموظفين في المنشآت العامة. لكن هؤلاء لا يقومون بعمل انتاجي أو خدمي.
كل هذا لم يعرفه يسوع، من قريب ولا بعيد..
يوحنا ذهبي الفم بطرك بيزنطة في القرن الرابع، والذي وبخ زوجة الامبراطور، ومنعها من دخول كنيسته للتناول، لاهتمامها بالثياب الفاخرة ومظاهر البذخ، ينسب له قوله: ان الكنائس تملأ الأرض، وهي حافلة بالناس، ولكنها من غير يسوع!..
الكنائس.. والميكا كنائس.. ولكن...!
أين هي المحبة الحقيقية؟...
!
*
في عام سبع وستين حدثت حركة تمرد يهودية ضد الرومان، فقام الجيش الروماني بدك اورشليم وتقويض المعبد. وفي تلك الايام وصل يهود من بابل للزيارة، وعندما وجدوها انقاضا وخرائب، قام بعض العامة بالدوران حول الانقاض، باعتبارها بقية مسكن الله. لكن احد الربيين وقف على جنب ولم يدر حول الانقاض، قائلا: من اليوم سيكون المعبد في قلوبنا. نحمله معنا اينما نكون، مثلما حمل اجدادنا من قبل. وعلى يد ذلك الحاخام بدأت مرحلة روحية جديدة في تاريخ اليهودية..
اشارة الحاخام تلك كانت استعارة لقول يسوع: ملكوت الله في داخلكم.. الكنيسة الحقيقية والعبادة الحقيقية والصلة الحقيقية مع الذات العليا تكون في داخل قلب الانسان وفي وعيه وضميره..
وعندما يكون الله/ الضمير في القلب، فأنه يتصل وينعكس في فكر الانسان ونفسه وشعوره وسلوكه..
عندها فقط يتجسد الانسان السامي، المتماهي في الروح القدس، يتجسد يسوع ويتكرر في كل منا..
تتجسد المحبة، وتمشي على الارض، في صورة انسان!

ـــــــــــــــــــــــــ
الانجيل بحسب متى: متفرقة وبتصرف!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شعر أم حقائق؟
سيلوس العراقي ( 2016 / 12 / 28 - 13:59 )
السيد وديع
مرحبا
مقالك لطيف
لكن استوقفتني عبارة اتمنى انك لم تقصدها تماما وهي
اشارة الحاخام تلك كانت استعارة لقول يسوع
فالحاخام في ذلك الوقت لا اعتقد انه قد وصله ميسيج او واتسب يحوي العبارة ليستعيرها
من اليوم سيكون المعبد في قلوبنا
اشارة الحاخام تلك كانت استعارة لقول يسوع: ملكوت الله في داخلكم

تحياتي


2 - شكرا أيها الأنبياء!
جلال البحراني ( 2016 / 12 / 29 - 08:53 )
للأسف!!
موسى شق البحر بالعصى ولم يعلمنا كيف ، كي نسافر براحة من بلد لبلد ونتمتع بمنظر السمك وهو يسبح من على جوانبنا
عيسى عالج المرضى الأعمى والأطرش ولم يعلمنا كيف نعالج وجع الرأس!
محمد سافر للسماء السابعة! ولم يعلمنا كيف نسافر للقمر حتى! تركنا نبحث ونسأل are we alone
شيفا و يوذا ، كلهم لا ينفعون بهذا القرن،، ليس هناك واحد قال لنا كيف نستفيد من مصادرنا و نستغلها بحكمة لأجل سعادة الجميع
أورثونا البغضاء والكراهية والعداوة لبعضنا البعض، هل كانوا يعرفون أن هذا سيحدث!؟
يا لها من مساعدة قدموها لنا؟!!!!
شكرا أيها الأنبياء!


3 - انتباهة ملفتة
وديع العبيدي ( 2016 / 12 / 29 - 09:17 )
السيد سيلوس العراقي
ليس بالضرورة
مع انه يمكن اعتبار عامل الزمن
هدم اورشليم حصل بين عامي سبع وستين.. وسبعين
اي بعد حوالي ثلاثة عقود على صلب يسوع
وهي مدة ليست قليلة لانتشار الافكار والاخبار في زمن كانت الشفاهية والتعطش للجديد واردا
والواقع ان المصادر لا تحدد زمن وقوع زيارة الحاخام وتكتفي بكلمة - بعد- وهي نسبية
الدقة مطلوبة وضرورة في التعبير
وانا احاول ذلك
اشكرك جدا


4 - انا قصدت العكس تماما
سيلوس العراقي ( 2016 / 12 / 29 - 15:34 )
الاخ وديع
في الحقيقة ان غالب اقوال يسوع كانت شائعة لدى العديد من الرابيين في المدارس الرابينية الاسرائيلية منذ قبل مولد يسوع ، وفي خلال حياته تعلم يسوع كل مواقف لاهوت المدارس الرابينية اليهودية ومعلميها الكبار التي كانت اقوالهم شائعة قبل أن تتم كتابة اقوال يسوع في الاناجيل التي كتبت على الارجح خارج اراضي اسرائيل
لا يمكن بمثل هذه السهولة القول بان حكماء اسرائيل أخذوا باقوال يسوع في القرنين الاول والثاني للميلاد، لان العكس هو غالبا ما يكون اكثر احتمالا
كل المقولات الروحية التي تفوه بها يسوع تاتي من البيئة الرابينية
وكل ما يرد من اقوال على لسانه ويفترق مع اللاهوت والروحانية اليهودييين هو من تاثير الجماعات الهللينية المسيحية الاولى وبالخصوص التي اظهرت عداءها لليهود لانها في اصولها كانت من الامم الوثنية وكانت السبب في انشقاق اتباع يسوع فيمابعد عن اليهودية وتاسيس طريق خاص بهم حيث بدأت معه الكراهية والعداء لليهود واليهودية معا
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس