الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقات الفضاء الافتراضي كبديل للعلاقات الاسرية المباشرة

عبد العاطي أوحسين

2016 / 12 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن مجمل التحولات والتغيرات التي عرفتها المجتمعات في جميع مستوياتها ترجع إلى العديد من العوامل بما فيها العامل التكنولوجي. إذ أن التكنولوجية تتسم بالجدة ، حيت تظهر تطوراتها كل 5 أو 10 سنوات . فهناك الحواسب و الهواتف النقالة الذكية التي بإمكانها تستخدم مواقع شبكات التواصل الإجتماعي، كوسائط اتصال عالمية تغزوا كل جوانب المجتمع و مؤسساته ، وخاصة الأسرة ، إذ ظلت وفي سياق دخول هذه المواقع التواصلية تشهد تغيرات من حيث العلاقات الإجتماعية بين عناصرها. فالعالم على الخط ، يطرح إشكالات جديدة من العلاقات الإلكترونية ، التي تترك أثارها على التفاعل الإنساني الوجهي من ناحية تعميقه و تقليصه.
إذا كانت الأسرة تشكل فضاء للتربية وللتنشئة الاجتماعية وإعداد أعضائها للإندماج في المجتمع، تنشأ بين أعضائها علاقات اجتماعية لها تقلها على مستوى التماسك والتساند الوظيفي. فلما أضحت هذه الوسائل التواصلية في يد غالبية أعضاء الأسر, و التي تسير في سيرورة من التطورات و يزداد معها أعداد مستخدميها, غيرت ومازالت تغير من المنظومة الأسرية. ومن باب تحصيل الحاصل فهذه الفضاءات الإفتراضية تعزز وتنمي الوحدانية داخل الأسر, تجعل من عناصر الأسرة المستخدمين لها يبتعدون كل البعد عن واقعهم المباشر ويرتبطون بعلاقاتها الافتراضية إلى الحد الذي يصعب معه الانفصال عنها، وكما يقول السوسيولوجي الأمريكي بروس مازليش لم يعد من الإمكان أن نفكر عن الإنسان بمعزل عان الآلة1, فهي تشكل أساسا للعزلة الاجتماعية . فاستخدام أفراد الأسرة لهذه المواقع يؤدي لامحالة إلى تراجع علاقاتهم وتواصلهم المباشر بذويهم من الأسر ، وتراجع تلك الأشكال من المظاهر التي كانت تميز الأسر قبل أن تغزوها هذه الوسائل, سواء في تناول الوجبات اليومية أو في اللحظات التي يجتمع فيها أعضاء الأسرة للحديث ومناقشة الأمور الأسرية ، حتى وان كان يظل فيها مستخدمي هذه الوسائل مغتربين عن هذه التجمعات يحضر فيها الجسد إلا أن الدهن ينصرف إلى هذا العالم الإفتراضي. فلاشك أن إنتشار الحواسب الشخصية و الهواتف النقالة وبعض منجزات التكنولوجية بما فيها هذه المواقع التواصلية ، تقوي ويمكن أن تقوي الفردانية لدى الناس وتضعف من روح الجماعية وكثافة الإختلاط فيما بينهم ، وتحد من الإختلاطات المباشرة2.
ومجمل القول أن استخدام مواقع شبكات التواصل الإجتماعي بالشكل الذي لا يرقى إلى مستوى التدبير والاستعمال العقلاني يؤثر بشكل سلبي على العلاقات الأسرية بين الأبناء وذويهم ، وبين أفراد الأسرة فيما بينهم, وما يزيد ذلك تعقيدا, هو أن استخدامها أصبح يعم كل عناصر الأسرة ، وهذا يعكس طبيعة مجتمعنا ، كما تصوره العديد من السوسيولوجيين في أعمالهم من بينهم Paul Pascon الذي يعتبره مجتمع يتعايش فيه ما هو حداثي وتقليدي في نفس الوقت .
إن استخدام مواقع شبكات التواصل الإجتماعي ، وتزايد أعداد مستخدميها أضحت سببا في تفكك العلاقات الإجتماعية و الأسرية السائدة في الماضي بين مختلف عناصر الاسرة ، معظمهم يقضون أزيد من 3 ساعات في اليوم لإستخدامهم هذه المواقع ، كما أن أغلبيتهم نادرا ما يلتزمون بمشاركة أسرهم في تناول الوجبات اليومية. فقد أصبحت المواقع التواصلية عامل من عوامل تغيير الأسرة من حيث شكلها ومنظومتها و علاقاتها وأشكال تجمعاتها. ويزداد الأمر صعوبة إلى أن هذه الوسائل تتطور ويتزايد معها أعداد مستخدميها سواء خارج الأسرة أو داخلها ، فبكون الأبناء هم الفئة التي تستخدم هذه المواقع بشكل غير منتظم أكثر من الفئات العمرية الأخرى, فهي الفئة التي تسعى الأسرة إلى تهيئتهم لتحمل مسؤوليات اجتماعية, إلا أن تراجع علاقتهم بآبائهم ستؤثر لا محالة على علاقتهم بوظائفهم الإجتماعية خارج الأسرة، لكون الأسرة كفضاء لتنشئتهم ترتبط وظيفيا بالمؤسسات الإجتماعية الأخرى، وخاصة المؤسسة التعليمية فطبيعة علاقتهم بآبائهم تعكس طبيعة سلوكهم داخل الفضاءات الإجتماعية الأخرى.
فالجدة والتحديث تلازم كل مجتمع إلا أن الإشكال يبقى في درجة العقلانية وكيفية التعامل مع هذه الوسائل التواصلية ، وقد أضحى اليوم ارتباطنا بالعالم الإفتراضي أكثر من ارتباطنا بالعالم المباشر.


1 اسابريفيز بيتر بورك ، التاريخ الإجتماعي للوسائط من غتنبرغ الى الانترنيت، ترجمة لطفي محمد قاسم سلسلة عالم المعرفة, 2002, ص 402.
2 معن النقري, المعلوماتية مجتمع ما بعد الصناعة, المركز الثقافي العربي, الطبعة الاولى, البيضاء, 2001, ص 22








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق