الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أنا إذن؟ كذب ديكارت إذ قال أنا شيء يفكر..

العياشي الدغمي

2016 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من أنا إذن؟ أنا الرقم 455/89 في سجل الحالة المدنية لديهم؛ حيث يدل الرقم الأول على الرقم الجديد الذي انضاف إلى باقي الأرقام الأخرى خلال السنة 89 بعد التسع مائة وألف.. نعم هكذا وإن في أحسن الأحوال أنا تلك الحروف التي تشكل إسما لم أختره أبدا .. هذا هو أنا إذن، لاشيء غير رقم وحروف، نعم لاشيء أنا، وأنا لاشيء، في عالم عنوانه البارز رقم. نعم رقم، كيف لا وكل جملة ينطقها كل رقم من الأرقام، هي بالحد ذاتها إما تعبير عن رقم أو تساؤل حوله : كم الساعة؟ ما هو رقمك؟ ما هو ثمن هاتفك؟ كم ساعة تتواصل على الإنترنت؟ كم لك من الأصدقاء في لائحة أصدقاء الفايسبوك؟ كم كم كم ؟ نعم هذا هو حال عصرنا حيث صار كل شيء مرقمن .. لكل شيء ثمن وقيمة رقمية محددة .. حتى الإنسان حتى أنا، أصبحت رقما من باقي الأرقام، نعم حتى أنت وأنت لم تعد شيئا غير رقم وأؤكد لك ذلك .. أنظر من حولك أنا متأكد أن أول نظرة ستضع بصرك على رقم معين .. أنظر إلى شاشة ذاك الشيء الذي تحمله بيدك إنه كله أرقام .. تذكر دخولك وخروجك من باب المنزل، إنه يحمل رقما، حتما تخرج في وقت معين أي رقم معين وتعود عند رقم معين، ولا تنسى أنك استيقظت اليوم وأول ما تساءلت عنه هو كم الساعة؟ وأنا متأكد أنك حتى قبل أن تنام البارحة، قد نظرت لأرقام الساعة، وحتى حددت المنبه، منبه الاستيقاظ ليرن هاتفك عند وقت محدد؛ أي عند رقم محدد.. دعنا من هذا كله، إن كل ما تقرؤه الآن وصلك بشكل مرقمن وأنت تقرؤه في هذا الوقت وهو رقم محدد.. هل لاحظت؟ هل لاحظت كيف أن كل جزء من حياتك هو في الواقع لحظة زمنية ورقمية ليس إلا .. حتى إن سئل أبواك عنك فإنهم يسألون ؛هل أنت الإبن الأول أم الثاني أم رقم ما.. هل لاحظت كيف أن حياتك هي مجرد رقم .. بل إنك هكذا أنت في الواقع .. أنت رقم.. وإن لم يعجبك الحال فلست أنت وحدك .. وها أنت صرت رقما رغم ذلك، رغما عنك، وإن لم تبد أي تساؤل أو أي شعور فأنت في الأخير الرقم المحدد الذي قرأ عن هذا..
لا تحزن يا أيها الرقم .. فهكذا نحن مجرد رقمين لا أكثر .. وإن لم يعجبك أن تكون رقما، فما رأيك في أن تكون شيئا .. أو لا شيء حتى، وقد قرأتها في بداية المقال.. كيف ذلك؟ بل كيف لا وكل شيء تم تشييءه كل شيء تم تثمينه، حتى العلاقات الإنسانية الأكثر عاطفية وإنسانية صار لها ثمن، صارت كأي شيء من الأشياء، فحتى الاعجاب (عدد الاعجابات في الفايسبوك) له ثمن وحتى الحنان بثمنه وحتى الاهتمام كذلك، وكذلك الحب والاحترام والتقدير وووو .. نعم يا أيها الشيء، يا أيها اللاشيء .. إنك بقدر ما أنت تقدم وتمنح بقدر ما تزيد قيمتك ، ويزيد ثمنك كأي شيء وتصير (شي حاجة) كأن تصير الحاج مثلا (واخا عمر جدك شفتي قبتو)، وبقدر ما تعجز وتتأنسن (ودير فيها حنون وطيب وبنادم ووو) بقدر ما أن تصبح مجرد لاشئ (فحال والو زعما) .. فالإنسانية يا صديقي، يا ديكارت، يا أيها الرقم، أيها الشيء، أيها اللاشيء، لم تعد ذات قيمة، لم تعد فكرا في عصر ترقمنت فيه كل خطوة وحركة وكلمة وحرف ونظرة وفكرة، وتشيئت فيه كل دلالة على الإنسان وأفرغت من معناها لتصير لاشيئا في عالم لكل شيء، كل شيء ثمن.. فللحاج ثمنه وللاحترام ثمنه وللإيمان ثمنه، وحتى لك ولي ثمن يرتفع ثارة ويسقط ثارة أخرى .. وحتما هو ساقط ساقط .. أمام عصر ساقط أسقطت فيه آخر كلمة تدل على أن هؤلاء الأرقام هم في الواقع أرواح، ومشاعر، ووعي وقيمة ..
إننا يا صديقي لم نعد غير شيء هو في الواقع رقم حي أفرغ من كل دلالة على الإنسان..
E.D.   le 30/12/2016 .. MAROC
ولاحظ حتى أن آخر ما أنهيت به هذا المقال هو تاريخ أي رقم .. يا أيها الرقم... يا ديكارت، وحتى أنت فلا نذكرك إلا ونذكر (1596-1650)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات