الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟

طوني سماحة

2016 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"من هو يسوع؟" سألت نفسي وأنا أستلقي على فراشي. لم يكن تعليمه للجموع على الجبل يشبه ما تعلمناه على أيدي الفريسيين ورجال الدين. الناس في مجامعنا يتسابقون على تقديم الصدقات. كان الأغنياء يعطون كثيرا (حسب ما كن نظن) وكانوا يحصدون التبجيل والتعظيم بالإضافة لدعاء الناس لهم بالتوفيق والصحة. من الناحية الأخرى، كان رجال الدين يعدونهم بالسماء لأن لله يحب المعطي بوفرة. إزاء هذا الموقف، كان الفقير بيننا يقف مهانا، منسيا، ذليلا، لا يملك ما يعطيه ظانّا ان السماء نسيته لأن السماء تحب الذين يعطون كثيرا. لكن ها هوذا يسوع اليوم، على الجبل، يقلب المقاييس، فيعلّم "احترزوا من أن تصنعوا صدقتك قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة، لا تصوّت قدامك بالبوق، كما يفعل المراؤون في المجامع والأزقة، لكي يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت متى صنعت صدقة، فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية."

علّمنا رجال الدين أن الله يحب الذين يعطون، وبالتالي الأغنياء، إذ من يستطيع العطاء سوى الميسور؟ لكن ها هوذا يسوع يقول لنا ان الله يحب الذي يعطي في الخفاء وليس من يحمل البوق أمامه صادحا "أنظروا إليّ يا أهل الأرض. مجدّوني، عظّموني، فأنا صاحب الإحسان وأنا محبوب الله." من هو يسوع هذا؟ لقد تجرأ اليوم على نقد رجال الدين علانية: "وأما أنت فمتى صليت، فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع. لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت، فادخل الى مخدعك وأغلق بابك، وصلّ الى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية."

عندما كان يسوع يعلّم، كان الفريسيون والكتبة ينظرون إليه بعيون تقدح شررا. كانوا يعرفون أنه يصفهم أدق الوصف. كانوا يمشون بكبرياء مرتدين ثيابهم الفضفاضة فيما الناس يتسابقون لنيل رضاهم وبركتهم. كانوا يقفون في المجامع والشوارع مصلين بغية استحصال المجد من الناس. كانوا يكثرون الكلام ويطيلون الصلوات، فيما يسوع يوصينا ألا نتشبه بهم، لأن أبانا يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله. تململ بعض الفريسيون وهم يستمعون ليسوع، لكنهم لم يجرؤوا على مواجهته. فالجموع كانت ترى فيه نبيا من الأنبياء العظام. استمر يسوع بتعليمه غير آبه بالمعترضين. علمنا أن السماء تقف على مسافة واحدة من الغني والفقير، رجل الدين ورجل الشارع، البار والخاطئ. السماء لا تفتح ذراعيها لفئة من الناس دون أخرى. بل قد تكون السماء أقرب الى أولئك المساكين الذين يعطون قليلا حسب قدرتهم ويصلون في الخفاء من أولئك الذين وإن هم قد أعطوا أكثر نتيجة يسرهم المادي أو أطالوا الصلوات أكثر رغبة في مدح الناس لهم، إلا أنهم في الحقيقة كانوا قليلي العطاء سطحيين في صلواتهم. فجّر يسوع بركانا عندما علّمنا أن الله أبانا، أب الجميع، أب الكبير والصغير، أب الرجل والمرأة، أب الفقير والغني، أب المجرم ورجل الدين.

لم يرق خطاب يسوع لبعضهم. فهو بتعليمه كان يهدم جدارا قد بنوه ليفصل بين النخبة والعامة. كان يهدم هرما تربع القلة على رأسه فيما قبع الغالبية في أسفله. مزّق أقنعة كانت تظهر بعض الناس على غير حقيقتهم، إذ لم يكن العطاء الذي كانوا يعطونه رغبة منهم بالإحسان بقدر ما كانت الرغبة به حب الظهور أمام الناس. رسم يسوع واقعا جديدا ساوى بين الناس أمام الله. فليس أولئك الذين يرتدون الثياب الفضفاضة أكثر قربا منه ولا أولئك الذين يرتدون الثياب الرثة أكثر بعدا عنه. حتى الصلاة تغير معناها لديه. كنا نظن أولئك الذين يجلسون على كراسي المجمع ويطيلون الصلوات أكثر برا من غيرهم وأقربهم لله، لكن ها هو يسوع يقول أن المصلي الحقيقي هو الذي يدخل الى غرفته ويصلي لأبيه السماوي في الخفاء، وأبوه السماوي يستجيب له.

كانت الأفكار تتسارع وتتسابق وتتصارع في رأسي عندما غلبني النعاس وأنا أردد ما علمنا إياه يسوع " فصلوا أنتم هكذا: أباننا الذي في السماء، ليتقدس إسمك..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - sami simo
طوني سماحة ( 2016 / 12 / 31 - 17:19 )
والخير والبركة لك الاخ الحبيب سامي ولجميع القراء


2 - الفرق بين المسيح و الانبياء الكذبة
صباح ابراهيم ( 2017 / 1 / 1 - 13:06 )
هذه هي التعاليم السامية لرسول المحبة و السلام
لم يحمل سيفا ولم يقتل احدا ولم يحرض على القتال
غيره قتل الناس اما يسوع المسيح فكان يعطي الحياة للاموات و يشفي مرضاهم و يقلل الامهم
غيره يأمر برجم النساء الزانيات والمسيح يقول من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر
غيره يقول نزل علي الوحي و امرني ان اقول كذا و كذا ...
اما المسيح فقال : قيل لكم لا تزني، أما (انا فاقول) لكم من نظر الى امراءة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه . لم يستلم يسوع وحيا لأنه هو الله الظاهر بالجسد
المسيح قال : ( السماوات والارض تزولان ولكن كلامي لايزول .)



3 - الى صباح ابراهيم
muslim aziz ( 2017 / 1 / 1 - 16:00 )
هل انبياء بني اسرائيل الذين خاضوا الحروب وحملوا السلاح كذبة يا صباح ابراهيم؟
هل انبياء بني اسرائيل الذين امروا برجم الزانيات انبياء كذبة؟
يا صباح قبل ان ترمي الرسول محمد بالكذب فكر قليلا


4 - صباح ابراهيم
طوني سماحة ( 2017 / 1 / 1 - 18:33 )
عام سعيد وميلاد مبارك أخ صباح
لا شك ان تعاليم المسيح، بسموها، أسست لعالم أفضل وعلاقات أفضل بين الانسان واخيه الانسان، لذلك امنياتي هي ان تغزو هذه التعاليم العقول والقلوب من اجل السلام على الارض والخلاص الابدي في الحياة الاخرى


5 - muslim aziz
طوني سماحة ( 2017 / 1 / 1 - 19:07 )
عام سعيد اخ مسلم عزيز
غالبا ما يساء فهم العهد القديم ببساطة شديدة لاننا نحكم عليه بمعايير الحاضرمع ان موسى علم ان تشريعه محدود العمل به على الصعيد التاريخي والجغرافي والثقافي حتى يأتي -نبي بعدي- أي . المسيح المنتظر ليقدم للعالم تشريعا اكثر انسجاما مع واقعهم الزمني. لا ننسين ايضا ان التشريع الموسوي لم يكن كونيا يلزم من ليس يهوديا مثل الكنعاني او البابلي، بل كان محصورا بفئة إثنية واحدة ألا وهي الشعب اليهودي.
من هنا وبناء على ما ذكره الاخ صباح عما علمه المسيح، نحن اليوم، كمسيحيين، نرفض رجم الزانية (تمثلا منا بالمسيح الذي غفر لها) كما لا ندعو الى الحروب المقدسة لإعلاء شأن المسيحية. وإن كان هناك ثمة من يدعو باسم المسيحية للقيام بمثل تلك الحروب، فهو ببساطة يخالف تعاليم
المسيح.
اردت فقط من خلال هذه المداخلة الاضاءة على موضوع العهد القديم وما ورد فيه من تعاليم قد تتبدو لنا اليوم شاذة. اهلا بك وشكرا لمرورك


6 - تحية الى الاصيل طوني سماحة
muslim aziz ( 2017 / 1 / 2 - 00:52 )

الاخ الكريم طوني سماحة المحترم
احلف لك بالمسيح عليه السلام الذي هو عندي وفي معتقدي اغلى من تاج رأسي اني احترم هذه الشجرة المباركة من ال سماحة. ال سماحة هذه العائلة الطيبة والتي لها تاريخها المشرف في لبنان والوطن العربي وانت واحد من هؤلاء الطيبين. نعم اخي الكريم أنا لا اعتب على صباح ابراهيم او بولس اسحق او غيرهم ولكنه عندما يقول ان الانبياء الكذبة قاتلوا هو ينسى انبياء بني اسرائيل وانهم ليوا كذبة. عندما يقول ان الانبياء الكذبة رجموا الزانية ينسى انها شريعة موسى عليه السلام.
واذا كنتم تعتقدون ان المسيح عليه السلام قد غفر للزانية وابطل حد الرجم فيكون المسيح قد ابطل حدا من حدود الله مع انه في الانجيل الطاهر نجد المسيح عليه السلام يوصي يتنفيذ الوصايا العشرة وانه ليس بالايمان فقط يستحق الانسان الملكوت السماوي ولكن بالايمان مقترنا بالعمل الصالح. على كل الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. تحية لك اخي طوني وكل عام وانتم بالف خير وعافية.

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24