الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساجد لعبادة الله أم الإمبريالية ؟

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 1 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يذهبن بك الضن أن في بناء المساجد قرب إلى الله و إنما هو ابتعاد عنه. كأني بهم يزيحون الله عن الوجود ليحصروه فيما يسمونه ببيوت الرحمان. فـ"أنما تولوا وجوهكم فهناك وجه الله" حسب الذكر القرآني. الله لا يمكن أن يكون حبيس الجدران، كما أن نبي الإسلام في المدينة و على امتداد زمن دعوته فيها للاه الواحد الأحد لم يبني مسجدا ثانيا.
أجدادنا في بداية القرن العشرين كانوا يواجهون الاستعمار الفرنسي ببناء المدارس و ليس المساجد باعتبار مقارعة الاستعمار ليست سياسية فقط، و إنما عقليا باكتساب العلوم و المعرفة لإدراكهم أن القوة هي قوة المعرفة. هل نحن اليوم أكثر إسلاما منهم؟
ربما لا يتـفطن السعداء بكثرة المساجد إلى هذه النقطة ضنا منهم أن الأمر عبادة و خدمة للإسلام. و لكن تـشاء قوانين الوجود أن كل تجسد للفكرة هو موت لها بما أن حكم أي جسدي أو تعيين مادي هو النهاية و الموت بالضرورة. ربما يضن البعض أن في بناء المساجد طريقا لإرجاع الأخلاق الإسلامية و لكن ما هي الأخلاق الإسلامية أولا؟، و ثانيا هل المساجد حقيقة تمنع الأخلاق غير الحميدة حتى لبعض روادها؟
و انه لمن باب المغالطات الذهنية دوما هو الإجابة عن ماهية الأشياء. لن نقول أن الأخلاق هي كذا و كذا لأنه مهما برعنا في ذلك فإننا نقع في المغالطات. الأجدى دوما هو تحليل الظاهرة في كونها ظاهرة تعبر عن وضع إنساني ما بماديته أو ملموسيته و معانيه و رموزه. الحكم العام الذي يتـفـق فيه الأغلبية أن أوضاع المجتمعات العربية تعيسة و أجواء الترميز فيها مدخنة و غائمة نتيجة الاصطناع الإسلامي النفطي الوهابي الغريب عن تاريخية هذه المجتمعات، و لكنه المنبث فيها كرياح السموم الصحراوية.
فالقاهرة أكثر المدن العربية و الإسلامية اكتضاضا بالمآذن و لكن هل أوضاع المصريين جيدة و مريحة؟ مدينة الفلوجة في العراق رغم كونها صغيرة الحجم إلا أنها تسمى بمدينة المساجد فبين كل مسجد و مسجد مسجد، فهل هي مدينة سعيدة. أليست هي مدينة الجحيم بامتياز؟
لا ننسى أن عددا كبيرا من المساجد تحول إلى مواقع عسكرية في العراق و غيره، و أنها تحولت إلى استهدافات للتـفجيرات الاستـشهادية الجهادية الإسلامية كذلك لإثارة الفتـنة بين الشيعة و السنة، و أنها تحولت إلى مقرات حزبية في النسخ الغير دموية مثلما حدث في تونس مع الاتجاه الإسلامي و حركة النهضة التي استغلتها أبشع استغلال في حملتها الانتخابية حتى أن كثيرين اعتـقدوا أن في انتخاب حركة النهضة هو التـزام إسلامي. تصدح أبواق المساجد يوم الجمعة بمواقف الإسلاميـين السياسية. من بينها سوريا أثـناء الموجة المحمومة سنة 2012 للزج بالعقول البسيطة لاتخاذ موقف ضد النظام السوري و إلى غاية اليوم أحيانا و إن كان بشكل مستـتر لان الموقف العلني لحركة النهضة قد تغير. مثل ذلك الاصداح بالموقـف الرافض للانقلاب العسكري على خليفـتهم "اردوغان" في تركيا.. ما علاقة الله بكل هذا؟
من جهة أخرى هل كثرة المساجد علامة على السلم أم التوتر الاجتماعي؟ لا يتعدى الأمر عتبة ممارسة الإرهاب الفكري و الواقعي سواء الحادث منه أو الممكن الحدوث باعتبار إيجاد بنيته المادية في المساجد المريبة؟
أليست المساجد علامة على إرادة تغول لتيار الإسلام السياسي؟ ذاك الإسلام ذو العناوين المعروفة و المتـناقضة التي لا يعتبرها أي منطق بسيط متصلة بالعقل السليم. أنعرف الله بالعقل أم بالصراخ و العويل و القالات المخزية في حق الله و عباده و في حق الطريق المستـقيم للعقل السليم؟ أليست هذه المساجد أوكارا لإخراج الناس من عقولهم؟ فأي أخلاق إنسانية أو إسلامية نتحدث عنها في غياب العقل السليم؟
.. فهي المساجد تـتـكاثر تباعا مثل المقاهي تماما و هذا التـكاثر يعبر عن أزمة معنى و وجود اقتصادي و روحي بائس. المقهى هي المشروع الوحيد متيقـن الربح ماليا، و المسجد هو المشروع المتيقن فيه الربح السياسي و المالي تباعا.. غاية المساجد و المقاهي متماثلة من ناحية أخرى و هي التـنـفيس عن كرب البطالين أساسا. التـنـفيس عن الاختـناق الوجودي العام. هذا الاختـناق الذي هو في أساسه أزمة اقتصادية عامة و حركة في الحياة دون معنى و رتابة مقيتة لأناس ترى نفـسها تدفع الصخر الثـقيل إلى الأعلى دون جدوى تذكر سوى أنهم يجدون ما يفعلون..
***
واقع الرداءة له علامة بارزة هو العدد المهول للسيارات و الضجيج الهائل في المدن و الأدخنة السوداء التي تغزو الأنوف و العيون. اكتضاض مروري دائم فعن أي سلم اجتماعي نتحدث؟ توتر دائم ما أن تبلغ الطريق العام. العام أصبح شبه جحيم و الخلاص في الانعزال غير المأمول سوى في المساجد ربما أو القبور. طبعا بدأت المشكلة مع اختلاق ما سمي بـ"السيارات الشعبية" النوفمبرية و بعدم إنشاء شبكات نقل عمومي متطورة ذاك أن القطاع العام أصبح أكثر استهدافا من الفترة السابقة.. صندوق النقد الدولي و الجات منظمة التجارة الحرة غير الحرة و ما سمي بالاشتغال على إعادة الهيكلة ليس في اتجاه تطوير الإنتاجية و العمل و إنما في هيكلة البلد لتكون عاهرة في فراش الرأسمالية العالمية القذرة.
إعادة الهيكلة للقضاء على ما تبقى من هيكليات الإنتاج العمومي لصالح التـفويت و الخصخصة حتى فيما تعلق بغذاء الشعب. خصخصة تحويلات العلف و صناعة الورق و إتلاف قطاعات الصحة العمومية لصالح المستـشفيات الخاصة المستغلة بكل حقارة و دناءة لأمراض البشر و آلامهم البدنية.. أي الاتجاه نحو التجويع (بالمضاعفة في أسعار علف الحيوانات) و القضاء على مجانية التعليم و حتى صبغته العمومية و القضاء على الصحة المجانية و الطريق سائر (لو غابت المقاومة الشعبية) نحو التخلص من الضمان الاجتماعي الذي تم تهرئته إلى ابعد الحدود فعليا..
إعادة الهيكلة لصالح البزنس و المافيا العالمية و المحلية.. إرادة هيكلة النمط الاقـتصادي و الاجتماعي و العقل الجماعي لاستهلاك قذارات الرأسمالية العالمية و خلق التمايز بالتملك للسلعة و ليس للعقل و المعرفة.. إعادة الهيكلة مع دولة البوليس يعبر عن تناقض في ذاته و هو ما أدى إلى انفجار الثورة الشعبية العارمة..
تم الالتـفاف على الثورات جزئيا بفعل الطابور الخامس الذي لازال يحاول زحزحة الله نحو المساجد بين الجدران لاستعماله كأداة سحرية بأساليب غوغائية لأجل السلطة و الثروة. لكنهم يمكرون و الله أشـد مكرا و لكنهم لا يعلمون. هؤلاء الأعراب الأشد كفرا و نفاقا.. ثار الشعب عليهم أي القوة الفاعلة و القادرة على تغيير المسار العام بفضل قوة الإيمان و التكتل و تجاوز كل ما يعيق تضامن قوى الحياة ضد الموت. قوى المرح ضد الكآبة. قوى المعرفة و العقل ضد الجهل و الخرافة. قوى الحق بما هو إرادة تحرر إنساني ضد الباطل بما هو إرادة استغلال للإنسان بشتى المسميات و الأكاذيب و المغالطات..
الشعب الذي ثار و إن كان بعضه يصلي في المساجد إلا انه يدرك تمام الإدراك أن الله ليس كنوره شيء و انه في القلوب المغتبطة و ليس بين الجدران. نور الله في القلوب الثائرة على الظلم و الامتهان لكرامة الإنسان و الاحتـقار للإنسان و جعله مجرد بغل يجر الشقاء في العمل و غيره و بالوعة يحوي في جوفه سلع الرأسمالية.. الثورة بما هي إنسان حر ذو كرامة..
واقع الأنانية الضيقة المقيتة هو واقع الرأسمالية ضيقة الأفق التي إن عدلت رؤيتها قليلا، ستجد انه في الأفق الأبعد من مصلحتها التوافق مع مقولات العدالة الاجتماعية و المستوى المتوسط من العيش الكريم بشكل عام.. يريدوننا أن نستهلك سلعهم.. طيب..تلزمنا أموال لذلك. من أين تأتي الأموال؟ من الاستمرار في خدمة الدين و البطالة ( البطالة خطة للدوائر الرأسمالية للقضاء على الطبقة العاملة و احتجاجاتها باعتبارها قوى ثورية) و الأجور الضعيفة و أشكال التـشغيل الهشة، أم في العمل و الإنتاج و التخلص من سلسلة الديون التي هي في حقيقـتها استـثمارات مالية للصناديق الدولية تصرف من خلالها استـثمارات الأموال الفائضة للرأسمالية العالمية في اكبر فترة كساد في الاستـثمارات الإنتاجية..
هذا ما أوصل فعليا العالم إلى الاختـناق.. لكن الأجدى بالنسبة لمسار التاريخ نحو الاشتراكية العالمية هو تواصل ضيق الأفق هذا و تواصل أعمال المقاومة هنا و هناك إلى غاية يوم الثورة الاشتراكية العالمية العظمى التي ستكنس جميع سفاحي الإنسانية لترمي بها في مزابل التاريخ..
و هنا لا يمكن اعتبار الإسلام السياسي إلا منضويا بشكل كلي في شبكة الاستعمار الرأسمالي الامبريالي للشعوب العربية و الإسلامية بواسطة تحويل و زحزحة فعلية لمطالب التحرر أولا، نحو مطالب وهمية و أخرى رجعية لا يمكن أن تـتـقبلها مجتمعات اليوم إلا بالعنف و الاضطهاد مثلما هو الحال في السعودية أو إيران، و من جهة أخرى يتم الإبعاد عن روحية الإسلام بما هي في جوهرها ثورية و ذلك بالاستـناد على جزء من التاريخ الفقهوي الظلامي و الذي حول "السهو عن الصلاة" من قيم الإعانة و التضامن (سورة المعاون) إلى اعتباره سهوا عن أداء الصلاة في وقتها و هو ما لم يرد فيه ذكر في القرآن الذي ربط الإيمان و العمل الصالح ضد المفسدين في الأرض..
يقول الفيلسوف الألماني امانويل كانط:
" إعمل دائما بحيث تعتبر الإنسانية، سواء في شخصك أو في الآخرين، غاية و ليست مجرد وسيلة"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق