الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاجي جمال..نموذج نادر للإنسان الطيب

كفاح حسن

2017 / 1 / 6
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في مطلع عام 1976 كلفت بالمساهمة في اجتماع طلابي. و حدد مكان الاجتماع في مقر تحرير جريدة الفكر الجديد الواقع بين فروع محلة البتاوين المطلة على شارع السعدون. و عندما دخلت المقر، كان هناك رفيق قصير مملوء الجسم و السيكارة معلقة في فمه. و سألته بخجل و تردد عن الاجتماع الطلابي. فأجابني بلغة فصحى روزخونية تثير الإنتباه بالتوجه إلى الغرفة التي سيعقد فيها الاجتماع. و طيلة وقت الاجتماع الطويل و الممل، كنت اتابع حركات و حديث هذا الرفيق الذي أثار انتباهي منذ أول لحظة. حيث يتسم وجهه بالطيبة و يتحرك بخجل و هدوء بين غرف المقر.
ثم عرفت من رفيقي الصحفي الشهيد غفار كريم..بأن هذا الرجل الذي أثار انتباهي هو الرفيق حاجي جمال من الشيوعيين المعروفين في منطقة أربيل و مخمور. و يعمل في وقتها مصحح في الجريدة خلال النهار. و في الليل يبقى في المقر كحارس. و هو خريج مدرسة الشريعة في اربيل، لهذا يحتفظ بلسان عربي فصيح.
و خلال عملي في جريدة طريق الشعب، تكررت لقاءاتنا و تحياتنا من بعيد لبعيد لأننا كنا نعمل في موقعين مختلفين.و خلال الهجمة الشرسة التي شنها النظام الغابر على اليسار العراقي و قاعدته الواسعة، كلفت انا و حاجي جمال و رفاق آخرين كحرس ليليين في مقر تحرير جريدة طريق الشعب.
و هنا أصبحت لقائاتي به يومية. و كنا عصرا نتمشى في شارع السعدون بين المحلات و دور العرض السينمائي و البغداديات الحلوات. و كان حاجي جمال يهتم بأناقته و يحلق يوميا لحيته مهما كانت الظروف صعبة. و عندما ازداد الخناق على مقرنا كان حاجي جمال يتمتع بمعنويات عالية. و لكنه كان يحزن بشدة إلى حد البكاء عندما يسمع بإعتقال واحدة من رفيقاتنا أو واحد من رفاقنا.. و عندما يجلس مع رفاق أطلق سراحهم ، كان يستمع إليهم بحزن، و تنزل الدموع من عينيه و هم يتحدثون عن التعذيب الذي تعرضوا له.
كنت اسئله عن سبب تفاؤله. وكانت إجابته تسبقها ضحكة تملأ وجهه.. ليقول:
- رفيق ..مادام اكو جبل..احنا وضعنا في الأمان.
و يحدثنا عن تجربته كنصير في جبال كردستان..كانت الحكومة و أجهزتها تلاحقهم .. البارتي و قواته و تنظيماته تطاردهم..الطبيعة قاسية معهم..رغم ذلك عبروا الصعوبات. و كان يوعدنا في حالة تأزم الإمور.. إنه سيأخذنا من شارع السعدون إلى جبال راوندوز..
و في شباط 1979 افترقنا..هو الى الجبال و انا إلى بيروت.و عدت إلى كردستان في صيف 1983. و رحت ابحث عنه. فعلمت آسفا بأنه وقع في الأسر بعد معركة بشت ئاشان الأولى.
و قلقت عليه جدا ، لمعرفتي بحساسيته و مشاعره الصادقة. و فرحت بخبر إطلاق سراحه من الأسر. و جاءنا إلى مقراتنا في بارزان..وكان لقائنا مليئا بالعواطف الصادقة. و جمعنا العمل الحزبي في قاطع أربيل. و آثار إعجابي موقفه الشجاع في الدفاع عن رفاق اعتقلهم الحزب بتهم كاذبة و تعرضهم للتعذيب الشديد و الذي أدى إلى استشهاد أحدهم. لقد دافع عنهم بحماس و اعتبر اعتقالهم و تعذيبهم وصمة عار في جبين مقترفيه.
و في حزيران 1984 انطلقت مفرزة كبيرة للقاطع من بارزان نحو سهل حرير. و كنت انا و حاجي جمال من ضمن أنصارها. و في سفوح جبل سفين. وقعت المفرزة في كمين للعدو. أدى إلى تفتيت المفرزة و استشهاد عدد من أنصارها. و هنا جمعتنا الصدفة انا و حاجي جمال في موقع واحد. و ذكرني بعبارته في بغداد..
- رفيق لاتدير بال ..مادام الجبل في ظهرنا ، فنحن ناجين.
و فعلا نجونا و استمرينا في العمل سوية.لسنوات.
و جاءت الأنفال لتجبر قواتنا على ترك المنطقة و الانسحاب نحو الحدود. و رافق ذلك أزمة انهيار المعسكر الشرقي ( الاشتراكي). و ترك ذلك أثره على تجمعنا الحدودي. حيث بدأت الأفكار المتطرفة القومية تطرح بشكل علني بحجة التجديد و الصراحة. و هنا برز دور حاجي جمال الأممي في الدفاع عن أممية الحزب و اليسار ووحدة العراق. و كان يحارب أفكار التطرف القومي لخطرها على فكر ووحدة الحزب. و كان يردد على أصحاب الأفكار القومية، بأن عليهم ترك الحزب و الالتحاق بالأحزاب القومية المتطرفة.
و افترقنا هناك.. انا إلى الغربة و هو الى العمل الحزبي في كردستان.
و بقي حياته كلها عازبا و متفرغا لعمله الحزبي . و بجهد كبير أقنعه رفاقه بالزواج. و تم يوم زواجه في نفس اليوم . هو و الشهيد محمد الحلاق.
و لكن الحظ العاثر لاحقه في أيامه الأخيرة..ليتوفى في حادث سيارة في طريق أربيل راوندوز..ليفقده أهله و رفاقه و محبيه..
حاجي جمال ..انك لازلت محفورا في القلب رفيقا عزيزا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال