الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بين ثقافة الولاءات وثقافة الكفاءات
الطيب طهوري
2017 / 1 / 6المجتمع المدني
تنتشر ثقافة الولاءات في المجتمعات ذات الأنظمة السياسية الديكتاتورية وذات الأنظمة الاجتماعية والثقافية الذكورية المغلقة والمتعصبة..
تحرص هذه الثقافة على الاحتماء بالعصبية والجهوية والقبلية والحفاظ عليها وترسيخها..
يخضع تولي مناصب المسؤولية في مجتمعاتها وفي مختلف القطاعات والمستويات للولاء الشخصي والحزبي بدل الكفاءة والتميز، حيث يختار المسؤول الأعلى من يتأكد من ولائهم له ، مهما كان ضعفهم المهني والفكري لتولي تسيير المناصب الإدارية التي تخضع لإشرافه ، بدل اختيارهم على أساس كفاءاتهم وجهدهم وقدرتهم على الإبداع النظري والعملي الذي يساهم في تحسين أدائهم أكثر ..صاحب الكفاءة في مثل هكذا وضع يصير محارَبا ويُطمس كل جهده وإبداعه، ويهمش أكثر..
يصير المسؤول المعين على أساس ذلك الولاء في خدمة من عينه ويخضع له في كل ما يأمره به ، حتى ولو كان ما يأمر به مخالفا للقوانين وخدمة الصالح العام..
يصير منصب المسؤولية منصبا ريعيا في الأساس، يتقااسم الريع فيه صاحبه مع من عينه فيه..
تحل سياسة اللاعقاب والتغاضي عن الأخطاء التسييرية التي تقع محل سياسة المراقبة وتحمل المسؤولية والمحاسبة..
تنتشر اللامبالاة في تسيير مختلف المرافق بشكل كبير..
تنتشر ظاهرة الغش والاحتيال ونهب المال العام والرشوة والواسطة بشكل أكبر..
تمتلئ نفوس الناس باليأس واللامبالاة واللاثقة أيضا..
وهكذا يبقى المجتمع في تخلفه وديكتاتوريته
في المقابل :
تنتشر ثقافة الكفاءات والإبداع في المجتمعات ذات الأنظمة السياسية الديمقراطية والمجتمعات المنفتحة على الحياة ، وذات الثقافة الحرة التي تتميز بالتعددية الفكرية والتعايش بين المختلفين جنسيا وفكريا ودينيا ولونيا..إلخ
تختفي في هذه الثقافة النزعات القبلية والعصبية والجهوية لتحل مكانها الروح المدنية بما تعنيه من تشارك الجميع في خدمة وطنهم، وعملهم على تنظيم أنفسهم والانخراط في مختلف الجمعيات التي تجعلهم جميعا فاعلين وفعالين في خدمة قراهم وأحياء مدنهم بما يحقق لها الازدهار والتحسن المستمر..
يخضع تولي المناصب في هذه الثقافة لكفاءة الشخص كما يخضع ارتقاؤه للمناصب الأعلى لمدى جهده في العمل ومدى حسن أدائه فيه وقدرته على ابتكار ما يجعله أفضل دائما..
يصير منصب المسؤولية وسيلة لخدمة الصالح العام بعيدا عن عقلية الريع وخدمة مصالح الأشخاص..
كل صاحب منصب مسؤولٌ أمام القانون والمكلفين بتطبيقه ، ويخضع بذلك للمراقبة والمحاسبة والعقاب..
الشعور بتحمل المسؤولية ويقظة الضمير والحرص على تطبيق القانون تصير هي العناصر الأساسية التي تتحكم في المسؤول ، بدل اللامبالاة ومراعاة خدمة المسؤول الأعلى والخضوع لإرادته..
تقل بشكل أكبر ظواهر الغش والاحتيال ونهب المال العام والرشوة والواسطة وتصير عيوبا يتفاداها المسؤولون قدر الإمكان ، كونها تحط من شأنهم الاجتماعي والأخلاقي أولا، وكونها ستؤدي بهم إلى المساءلة والمحاسبة والعقاب، ثانيا..إلخ..
تمتلئ نفوس الناس بالأمل ويصيرون أكثر اجتهادا وعملا وتحسينا لأدائهم في مختلف مناصب المسؤولية وأماكن العمل التي هم فيها وأكثر تنافسا في تقديم الأفضل دائما..وأكثر إبداعا أيضا..
وهكذا يتقدم المجتمع ويتحسن أداء أفراده في مختلف ميادين الحياة باستمرار..
***
في عالمنا العربي تهيمن ثقافة الولاءات بشكل شيه تام..الرئيس أو الملك أو الأمير يختار المقربين إليه أسريا أو قبليا أو جهويا ( في الغالب) ليضمن ولاءهم له، وهو مايعني أننا مانزال مجتمعات قبلية بدوية ، ولم ندخل بعد عالم المجتمعات المدنية حيث تختفي العقلية الأسرية والقبلية والجهوية ، لتحل محلها عقلية المواطنة وسلوك المواطنين الذين يعملون ومن منطلق إحساسهم بالمسؤولية الاجتماعية ويقظة ضمائرهم على خدمة الصالح العام، كل في المسؤولية التي تناط به والمنصب الذي يتولى من خلاله تسير شؤون الناس في مجتمعه..
حال الوزراء لا يختلف في شيءعن حال رؤسائهم في عالمنا العربي هذا..حال من هم أقل مسؤولية منهم لايختلف عن حال الوزراء..وهكذا..
لا نعجب إذن من هذا الانتشار الفظيع للفساد في مجتمعاتنا العربية..من هذا التخلي شبه التام عن تحمل المسؤول مسؤوليته على أكمل وجه..يصير الكسل في القيام بالواجب تجاه المجتمع، والامبالاة بما يلحق ذلك المجتمع من ضرر مادي وأذى نفسي ،هما العملتان السائدتان في المجتمع.. العمال والموظفون أنفسهم يقلدون مسؤوليهم فيتكاسلون ولا يبالون بما يلحق المؤسسات التي يعملون فيها من خراب وقلة إنتاج..وقد يلجأون إلى تخريب الآلات التي يعملون بها ليستريحوا، بدل أن يبدعوا في تحسين عملهم ،وفي بذل مجهودهم أكثر لينتجوا أكثر ، ويساهموا من ثمة في تقدم مجتمعهم..وهكذا..
لا نعجب إذن من كل هذه الفوضى التي نعيش..من كل هذا التفاوت الطبقي الذي يتم بفعل نهب المال العام والرشوة و..و..
لا نعجب من كل هذا التخلف الذي نعيشه..من كل هذا التيه والضياع الذين نمر بهما..
لا نعجب من أبنائنا، وقد تربوا في هذا الجو الذي لا قوانين فيه تحترم، وحيث قانون القوة هو الذي يتحكم ويفرض نفسه على حساب قوة القانون، وحيث يرون في مؤسساتهم التعليمية التي يفترض أنها المؤسسات التي تغرس فيهم روح المواطنة والحس الجماعي وتنشئهم على أساس تحمل المسؤولية ، وتعلمهم ضرورة احترام الوقت والعمل، كيف أن الشارع الاجتماعي هو الذي يتحكم في تسيير تلك المؤسسات من خلال فرض المتنفذين سياسيا وأمنيا وعسكريا وماليا أنفسهم على تسييرها، وكيف أن مجالس الأقسام تصبح لا قيمة لها..إلخ..
لا نعجب أيضا من هذه الأنانية التي تنتشر بين أبنائنا المتمدرسين.. من سلوك الاحتيال في التعامل مع بعضهم البعض ومع أفراد مجتمعهم..من هذا الغش الكثيف في مختلف امتحاناتهم ، وهي الصفات التي صاروا يتميزون بها.. وفي الواقع نحن الذين نهيئهم ليمارسوا كل السلوكات السيئة في المناصب التي سيتولون تسييرها في مستقبلهم، لأننا نمارس كمسؤولين تلك السلوكات..ألا نرى ظاهرة الغش في مختلف الامتحانات والبحث عن الوساطات وتقديم الرشوة للحصول على المنصب لدى الكبار منا أيضا..
لا نعجب أيضا ونحن نراهم يفتقدون روح التنظيم والنضال السلمي الجماعي المسؤول..لقد تربوا على رؤية أهاليهم يمارسون ، وبعضهم مضطرون، كل السلوكات السلبية، كالرشوة والمحسوبية واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية وفقدان روح المشاركة والحوار والتخلي عن التنظيم والنضال الجماعي السلمي المسؤول..إلخ..
لا نعجب إذن ونحن نراهم يلجأون إلى لغة العنف في اختلافاتهم، وإلى سلوك التخريب وكثرة الصراخ في المطالبة بحقوقهم..لقد افتقدوا كل ذلك في واقعهم ، ومن غير المنطقي أن نتوقع منهم غير ما صاروا عليه مما نراه هنا وهناك من عنف مليء بالحقد ، وتخريب وحرق لمختلف المؤسسات، ونهب لمختلف المحال التجارية...إلخ..
نحن الكبار، والمسؤولين منا أساسا ، من نتحمل مسؤولية ما يحدث في أوطاننا العربية من قتل لروح الإنسان في الفرد وتوحيش له في سلوكه..
***
ثقافة الولاءات ثقافة موت..
ثقافة الكفاءات ثقافة حياة..
***
ترى، متى نعي ذلك؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. معاناة النازحين السودانيين بأوغندا
.. تحرك بالكنيست لمصادرة أموال وممتلكات -الأونروا- في إسرائيل و
.. ألمانيا.. اعتداء على متضامن مع فلسطين من ذوي الاحتياجات الخا
.. الكنيست يصادق على مشروع قانون يحظر عمل الأونروا في غزة والضف
.. كورنيش بيروت يتحول من مكان للتنزه إلى ملجأ لخيام النازحين