الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعجاز بين التراث و العلم

ندى الدمشاوي

2017 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ قرابة السنتين او ما يزيد بقليل ، اطل علينا سيادة اللواء (عبدالعاطي ) الذي اعلن عن اختراعه لجهاز يعالج فيروس إلتهاب الكبد الوبائي و الإيدز و الصدفية و غيرها من الأمراض العضال التي استعصت على اطباء و علماء العصر الحديث ، و استقبل البعض هذا الخبر بسخرية كبيرة و البعض الاخر استقبله بترحاب و امل - كان اغلب هؤلاء من اهالي المرضى او المرضى انفسهم الذين يأسوا من المسكنات و العلاجات الغير مجديه و التي تؤجل فقط لحظة الإنهيار - و هناك من استقبل الخبر غير مصدق و غير مكذب بل اراد ان ينتظر ما ستكشفه الايام ، و كانت الصاعقة حين تم الإعلان عن تفاصيل الجهاز في مؤتمر صحفي ! نعم في مؤتمر صحفي و ليس في دورية علمية او مؤتمر طبي ! ، و في واقع الامر ليس لدي رغبة في إعادة ما تم بثه من معلومات حول هذا الاختراع العبقري لئلا نعيد ذلك العبث و نستهين بوقت القاريء ، و لكن الامر باختصار تلخص فيما يعرف تاريخيا و حتى الآن بـ " الإعجاز العلمي " ، و غير مطلوب منك كقاريء او كمستمع او كشاهد عيان إلا ان تشعر بهيبة عظيمة من وقع ذلك المصطلح دون ان تنبث بكلمة واحدة او تتجرأ و تتطاول و تسأل عن جدواه او قيمته ! هذا الوهم الذي اصاب مسلمي القرون الأولى و المتأخره و المعاصرة على حد سواء و الذي انتج تلك العقلية الفريدة المتفردة التي افرزت لنا سيادة اللواء ( عبد العاطي ) ، كانت دهشتي حين رأيتهم يسخرون و يقهقهون على ذلك الجهاز الذي اطلقوا عليه " الكفتة " و كانوا حقا يثيرون شفقتي لأنهم ركزّوا الضوء على النتيجة دون المسبب الحقيقي ، فنحن اعتدنا وفقا للتراث المليء بالمغالطات ان نخلط بين العلم و الدين فنرى رجال دين يتحدثون عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و نرى رجال علم يضحدون الدين بالنظريات العلمية ! فما دخل هذا بذاك ؟! لماذا يصّرون على خلط الزيت بالماء ؟! لا اعرف سببا منطقيا سوى انه شعور بالتهديد من كل طرف تجاه الاخر ، فرجال الدين يشعرون بالضعة و الإنتكاسة الحضارية و العلمية القائمة في بلادهم و رجال العلم يشعرون ان الدين قيد على إنطلاقة عقولهم ، و في واقع الامر انهم يزيدون الفجوة بين مجتماعاتنا و العلم من جانب و بين العلمانيين و الدين كفكرة إيمانية روحانية من الجانب الاخر ، و الحق ان من ينادي بعدم خلط الاوراق ببعضها انما هو يحفظ الدين المبني على مبدأ الإيمان و اليقين من شكوك العلم القائم على مبدأ التنقيب و البحث المستمر و الدائم لضحد نظرية او اثبات اخرى ، فنشاهد رجال الدين يتربصون بالنظريات العلمية ليس لتدريسها او محاولة اقتفاء الاثر و لكن ليثبت انها كانت على طرف لسانه و لكن العلم خطفها ! و لكي يشعر بعدها و من وراءه التابعين بأنهم لم يقصروا في حق انفسهم و مجتمعاتهم و اوطانهم في شيء ، فهم و الحمد لله لديهم اساس تلك النظرية فهي بالنسبة لنا بديهية و يضع النظرية بعالِمها بحالها في إطار " إلعب غيرها " ! و لكن ماذا سيفعلون الاجلاء هؤلاء بعدما يطبعون الكتب و يبثون البرامج المسموعة و المرئية في شرح كيفية تطابق هذه النظرية مع صحيح الدين و يجتهدون في تفسيرات من هنا و هناك حين يخرج نفس العاِلم او عالِم اخر بعد بضع سنون و يكتشف الخطأ او العوار في تلك النظرية ؟! دعك من هذا ، هل تستطيع ان تشرح لنا وضع المصدقون من الاطفال و الكبار للتفسير الاول و سماعه للتنظير و شعوره بلذة التطابق حينما يطالع تلك النظرية الأحدث ؟! هل انتم على وعي بما تفعلون ؟!

هذا الشعور بالضياع يجعلنا في محاولة دائمة للرجوع لكتب التاريخ و التراث و المقدس لإثبات اننا كنا عظام - و نحن كنا كذلك حقا - لكن ما لا يعقل انهم يحاولون اثبات اننا لا زلنا على نفس القدر من العظمة و اننا نعيش على اساس متين يكفينا بضع الاف من السنين القادمة دون ان نحرك ساكنا تجاه العلم او الحضارة ! و في الواقع ان الكتب المقدسة لم تنزل ككتب علمية و لم ترد ان ننسج من وحيها نظريات في الفيزياء و الطبيعة ، هي فقط ارادت لنا الهداية و الحياة الهادئة ، و هو ليس سباق علمي و إلا سيفوز تراث المصريين القدماء - على سبيل المثال - في العلم بلا منازع من عصره فهم من رسموا على جدران معابدهم تصوير للحيوان المنوي و مراحل انقسام البويضة التي تحدث داخل الرحِم كما ذكر د.وسيم السيسي في كتابه " مصر التي لا تعرفونها " ، فحينما نزلت آية في القرآن عن تكوين الجنين في رحِم الأم فهي صورة من ضمن و ليست مقصودة في ذاتها للتدليل على انها معلومة غير مسبوقة ، و لكن يجب التعقل قبل إلقاء التفسيرات هكذا جزافا .

احلم لوطني ببحث علمي حقيقي و ليس مزيف ، و احلم لنا جميعا بالوعي و الاستنارة و تولية الوجوه حول رواد التنوير و الفكر و نظرة متعقلة للدين تبعد به عن الخرافات و ليس رجال لا يريدون سوى ان يتكسبون اموال و مراكز اجتماعية حتى لو على حساب ضياعنا بين الأمم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah