الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجعلناكم شعوباً وقبائل: لحكمة، لا لضرب الرقاب

سمير الحمادي

2017 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في إطار حربه ضد "المحتوى الإرهابي والدعاية الجهادية على الانترنت"، أعلن موقع تويتر، مؤخراً، أنه أغلق، منذ منتصف العام 2015، 360 ألف حساب. وكانت دراسات سابقة نشرتها مؤسسات بحثية أمريكية وأوربية قد أفادت بأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بات يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مخيفة، وأن البروباغاندا الجهادية تغزو عقول أعداد كبيرة جداً من المراهقين والشباب (والكبار أيضاً) في كل أنحاء العالم، دون أن تستطيع أي جهة التحكم في تدفقها والتعامل مع خطرها بفعالية وصرامة وحسم.

الحقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بالتعبئة والتحريض والتجنيد الديني والأيديولوجي، الذي يمارسه المتشددون، باختلاف مناهجهم وتياراتهم، على مدار الساعة، لاستقطاب مؤمنين جدد، فإن الشرارة تشتعل هنا أولاً: في المنصات الإعلامية التي يوفرها الفيسبوك وتويتر. بعدها، يمتد طوفان النار إلى الأرض، ليأخذ في طريقه الأخضر واليابس. لذلك، فمن يرغب في النضال والمواجهة عليه أن يبدأ من هذا المكان: أن يشارك، على قدر الاستطاعة، في تأسيس منظومة دفاعية فكرية تتولى تحليل ونقض اللاهوت الأصولي والسلفي بوضوح كامل، واقتراح بدائل واقعية مناسبة يمكن التفكير فيها والنقاش حولها.

إن الحرب مع التطرف العنيف ليست سهلة، هي حرب يتداخل فيها الماضي والحاضر، المقدس والدنيوي، الطوباوي والسياسي والاجتماعي، الموضوعي والذاتي (النفسي / العقلي)، حرب قوامها معتقدات، وأفكار، ورؤى، وتصورات، وتمثلات، واستعارات، وقيم، يجب استحضارها كلها في نسق محدد، والعمل على تفكيكها في نَفَس واحد، بلا مواءمات، أو تكييفات، أو أنصاف حلول.

تضييق الخناق على عمليات الدعاية والإعلان لخطابات العنف والتكفير والجهاد وغيرها من الحربيات، التي تزدحم بها شبكات التواصل الاجتماعي، هو واجب أخلاقي ومعرفي، يقع على عاتق كل مثقف ملتزم بقدَره الإنساني، شريطة أن يكون قادراً على المواجهة والمصارحة والسجال، محصناً بالوعي النقدي الذي يؤهله للقيام بأعباء هذا الدور الطليعي على الوجه الصحيح.

إن البنية الذهنية الأصولية (مع التسليم بغلُوّها وعوارها) صلبة جداً، من الصعب كسرها في أيام، ونثر زجاجها على الأرض، لتدوسه أقدامنا ببساطة وخفة، يحتاج الأمر إلى وقت، وأدوات، وجهد، وعرق، وتضحيات كبيرة، وهذا بالضبط الجزء المسكوت عنه في أزمتنا: فنحن لا نقدّر الوقت، ولا نملك عدة الشغل، ونكره أن نبذل أي جهد، أو عرق، أو تضحيات، مهما كانت محدودة وغير مكلفة، والأسوأ: أننا ما زلنا غير مقتنعين بأن هناك مشكلة بالفعل، وأننا، على حقيقتنا، في مأزق وجودي حرج: مرضى من أول التاريخ، معذبون بالجهل والعناد، وقد تجاوزنا مرحلة الأدوية والمسكنات، ونحتاج الآن إلى جراحات حضارية عاجلة، وإذا لم نتحرك فوراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سيدهسنا الموت، وحينها قد لا نجد حتى من يتطوع لإكرامنا بالدفن.

إننا، اليوم، في حرب عبثية، لا مع العقل والحداثة فحسب، كمفاهيم مجردة نرفضها ونحقّرها بناءً على اعتبارات / تأويلات دينية تراثية تمارس سلطتها علينا بلا رحمة، ولكننا في حرب مع الجميع: مع ذواتنا، ومع الآخرين القريبين منا، ومع كوكب الأرض كله، بما عليه من مخلوقات: عاقلة وغير عاقلة، وكائنات: حية وغير حية، وهذا وضع مأزوم جداً، وغير طبيعي، بكل مقاييس الدنيا والآخرة، لأنه يستنفذ فاعليتنا الإنسانية كلياً، وينحرف بالحياة ذاتها عن سننها الإلهية والكونية، فضلاً عن أنه لا يخدم مصالحنا، على أي نحو، في حال فكّرنا بمنطق المنفعة وحسابات الربح والخسارة، وإن كان الموضوع أبسط من هذا، فمن يستفتي فطرته سيؤمن حقاً بأن الله إنما خلق الأرض واسعة، وجعلنا عليها شعوباً وقبائل، لحكمة التعارف والتكامل، وليس لضرب الرقاب وسفك دماء كل من تطاله أيدينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با