الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تصالح

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2017 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما تبدأ العقلية الدينية في التسلسل إلى حياتنا نرحب بها كما بمعتنقيها فذلك العضو الرابض بداخل البعض منا و الذي يُدعى بالحس الإنساني يحرضنا على القيام بذلك لكي نشعر بأننا نستحق الحصول على تلك العدالة الاجتماعية التي نطالب بها أبداً..و لكننا هنا نكون قد بدأنا في السير نحو هلاكنا بإصرار بطلٍ إغريقي تنبأت له العرافات بمصيره و لكنه ظل مصراً على المضي قُدماً نحو الطريق إليه..كيف تبدو ملامح ذلك الطريق الملعون؟؟..حسناً سأخبرك ببعضها لعلك إليه تهتدي فتتجنبه رغم صعوبة ذلك الأمر.

أولاً ستقابل في بداية ذلك الطريق ثورة تبدأ على حكم حاكم أفنى العباد و البلاد خلال سنوات حكمه القمعية و التي لا ترغب في إن تنتهي قبل أن تنتهي..و عندما تقترب من مِرجل تلك الثورة و المنتصب شامخاً في بداية ذلك الطريق ستجد لِحىً كثيرة و جلابيب قصيرة تدعوك لنبذ الاختلاف من أجل انتزاع مؤخرة ذلك الحاكم من على كرسي الحكم و التي طال التصاقها به..حينها ستحدثك نفسك الأمارة بالسوء دوماً بأن الوقت قد حان بالفعل لنبذ خلافات الماضي من أجل غايةٍ أسمى ألا و هي الحرية و لن ألومك كثيراً لكونك قد فعلت.

و بعد أن تسير في ذلك الطريق قليلاً ستقابل العلامة الثانية فيه و هي نسب تلك الثورة تدريجياً لفراش القرآن الكريم و السنة المطهرة..نعم لقد نجحت تلك الثورة و لكنها فعلت فقط بسبب تضحيات من آمنوا بأن الخلاص من أي حاكمٍ مستبد يكمن في تمسك و إتباع من ثاروا عليه بقرآن الرب و سنة نبيه..إذاً فمن أولى بها منهم لكي تنسب إليهم!!..حينها ستقع في حيرةٍ شديدةٍ من أمرك لأنك لا تريد أن تشق صف وحدتكم بعد اتفاقٍ حدث كمعجزةٍ في زمنٍ كف فيه الرب عن إمطارنا فيه حتى بأشباه المعجزات..لهذا ستوافق شبه مرغم على نسب تلك الثورة إلى فراشهم فقط لتجد بأن طريقك قد بدأ في رسم أكثر ملامحه تسلقاً -كما بشاعةً- لعينيَّ أوديب اللتين تملكهما.

و بعد حين ستصل إلى ما بعد منتصف ذلك الطريق..فأي ثورة لابد أن يكون حولها بعض المتربصين بها و الذين ينتظرون لحظات الشقاق بين رفاق الأمس لكي ينقضوا عليها مغتصبين..نعم إنها أصداء نظرية المؤامرة العتيدة ما ستجعلك تبدأ في ملاحظة بأن كل شيء قد بدأ في الانسلال من بين أصابعك كقطرات مطر في أيلول..و حينها أيضاً ستدرك بأن تلك الثورة -التي كنت أنت من بدأ في التأسيس لقواعدها من أجل تطبيق مبادئك الحمقاء- قد بدأت ملامحها في التغير و كأنها خضعت لعملية تجميلٍ فاشلةٍ جداً..فالقانون المدني الذي كنت تحلم بأن تسود عدالته على أرضك بدأ بالتلاشي في مقابل تأسيس منظومةٍ قانونية تستمد جُلَّ أفكارها من كتب تراثٍ ديني أكلت العثة معظم أوراقها..و بعد التدقيق في الوجوه الكثيرة التي باتت تحيط بك ستكتشف بأن كل ركنٍ من أركان الدولة أصبح لهم فيه اليد الطُّولى..حينها ستصرخ معترضاً بأنهم نقضوا العهد!!..و لكن لن توجد حينها أي فائدةٍ من عويلك هذا لأن أي اعتراضٍ منك سيواجه بالتهميش حيناً و بالقسوة كثيراً..فكل من يرفض أن تسود شريعة الرب على أرضه يجب قتله..فالردة هي أكثر التهم جهوزية لديهم و أكثر التهم إثارةً للرعب بينكم.

و هنا ستكون قد وصلت لما قبل نهاية ذلك الطريق الملعون..حينها ستكون قد تحولت من مؤسس نظام كان سيقوم في لحظةٍ ما على مفاهيم الحرية و العدالة و المساواة بين الجميع بغض النظر عن مذاهبهم الدينية المختلفة أو حتى مذاهبهم الجنسية المتباينة إلى متطفلٍ على الثورة و خاٍئن قيد التنفيذ..نعم أنت ذلك الخائن الذي سيتم إلصاق تلك التهمة به بمجرد أن يفتح فمه ليعترض و حينها لن يكون لشكل ذلك الاعتراض أو حتى لمضمونه أي قيمة..فإن اعترضت بفعلٍ فستعتقل و إن اعترضت بكلمة فستعتقل و إن اعترضت حتى بفكرةٍ كانت تتجول بخجلٍ كما بخوف في تجاويف عقلك فلا تغادر حتى بوابته ستعتقل..نعم إنه عصر محاكم التفتيش و لكن بنكهةٍ إسلامية هذه المرة..و يالها من نكهة!!.

حينها ستكون أخيراً قد وصلت لنهاية طريقك الإغريقي الذي حذرتك سلفاً من المُضي قُدماً فيه و حينها أيضاً سيكون أمامك غالباً خيارين لا ثالث يقف معهما..فإما أن تتحدث مع الآخرين مروجاً لعظمة هذا النظام متجاهلاً لحقيقة أنه بدأ متسولاً و انتهى متجبراً و إما أن تصمت كثيراً لأن وقت الحديث قد ولى و اندثر..لهذا و قبل أن تصل إلى نهاية ذلك الطريق لتقف أمام هذه المعضلة الأخلاقية أنصحك إن قابلتهم في بدايته و وجدتهم يمدون لك أيديهم بالصلح بأن "لا تصالح".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى أحمد الخمار
زين اليوسف ( 2017 / 1 / 8 - 03:20 )
شكراً لتعليقك...

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه