الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عرس الدم في الموصل
ناهده محمد علي
2017 / 1 / 10الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تحت النيران الحارقة نزح من الموصل حوالي 133 ألف نازح من كافة الأديان والطوائف وقد دُفن في أرضها من دُفن ، ومنهم من جاء من أقصى الجنوب أو الوسط لكي يموت في هذه الأرض .
كان من بين هؤلاء الشباب شاب جاء من بغداد جيبه فارغ وقلبه مليئ بحبه لوطنه ، وكان قلبه مليئاً بالأمل بأنه سيعود ذات يوم لأمه وخطيبته لكي يستطيع أن يؤسس بيتاً صغيراً وعائلة ، وإنتظرته أمه لكي يجلب لها الفرح والأحفاد بعيداً عن الرصاص والدم . ذكرتني قصته وشخصية أمه بشخصية الأم في مسرحية لوركا ( عرس الدم )
كان يوم عرسه قد تحدد في 1 / 1 / 2017 ، لكن الشاب قد قتل في 31 / 12 / 2016 . جاء من يطرق الباب فهرع الجميع لكي يلقوا العريس ، لكن السيارة الواقفة بالباب لم تكن تحمل أشرطة ملونة أو وروداً منثورة فوقها بل حملت صندوقاً صغيراً كتب عليه الشهيد فلان والرقم كذا . بحثت الأم بعينيها وحينما لم تجده في السيارة أدركت أنه هو الذي فوقها فقفزت إلى الأعلى تريد إحتضان الصندوق لكن الصندوق كان مقفلاً ولا يحوي سوى الرماد . لم تستطع الأم أن تقدم شيئاً رغم فزعها وحزنها الشديد إلا أن تفي بوعدها .
تحول وجه الأم إلى اللون الأزرق الأرجواني وكأن جلدها الخارجي قد أصبح حديداً مصفحاً ، عيونها زائغة لا تستطيع التركيز على شيئ أو أحد ما . دخل إليها الكثير من المعزين ، بحثت بين وجوههم عن وجهه وكان لها بصيص من أمل أنه لا زال موجوداً وتحت صفيح جلدها بركان من الألم لا يمكن لأية قصيدة أو مسرحية أو أغنية رثاء أن تعبر عنه . وقررت أن تقيم العرس بموعده ، ودقت الطبول في أرجاء البيت . كان الكل واجماً وهي الوحيدة التي ترقص وتلطم وتضرب بقوة على عينيها وكأنها إكتفت بما رأته في حياتها ولم تعد تريد المزيد ، وذكرني رقصها ببيت الشعر العربي القديم :
( لا تحسبوا رقصي بينكم طربا … فالطير يرقص مذبوحاً من الألم )
كانت زغاريد النساء أشبه بصراخ الولادة وكأنها تعيد ما عانينه منذ اللحظة الأولى لولادة هؤلاء الشباب ، وقد عدنا إلى نقطة الصفر علهن يبدأنا من جديد لكن ما زرعنه قد إحترق وأمست أرضهن بوراً يابسة .
ظلت الطبول تدق في هذا البيت وفي بيوت كثيرة لسبعة أيام وإجتمع الثكالى مع بعضهن لكنهن لم يتبادلن الكلام ولا النظر بل بحثن بالوجوه الداخلة والخارجة عن الوجه المحبب لديهن
إنهم الكثير من أبناء العراق الذين ولدوا لكي يموتوا أو أنهم لم يولدو قط ، أو ربما ولدوا ليموتوا بعد الرضعة الأولى .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات تخلف 17 شهيدا بينهم أطفال
.. الجزيرة تحصل على صور أقمار صناعية تظهر بعض المواقع العسكرية
.. بالشموع.. مظاهرات كوريا الجنوبية تتصاعد مع قرب التصويت على ع
.. لماذا تعد حمص مفتاح السيطرة في سوريا؟
.. المعارضة السورية المسلحة: سيطرنا على آخر قرية على تخوم مدينة