الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الداعشية و - البلوكاج - الثقافي

محمد امباركي

2017 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الداعشية و " البلوكاج " الثقافي


محمد امباركي

لن أتحدث هنا عن الداعشية في بعدها التنظيمي الحركي باعتبارها إحدى المشتقات و النسخ الأكثر ظلامية و رجعية لحركة الإسلام السياسي في العالم العربي الإسلامي...بل سأستعرض بعض تجلياتها على مستوى السلوك الاجتماعي و الحس الثقافي انطلاقا من مجموعة من الأحداث و الوقائع الجارية في المحيط المحلي و الإقليمي و كيفية التفاعل مها على مستوى بعض ردود الفعل الفردية و الجماعية...أما
" البلوكاج " الثقافي أو الانحباس الثقافي فأعني به كل ما من شأنه عرقلة أو إعاقة التغيير نحو الأفضل أي الانتقال من واقع الاستبداد والتخلف والرجعية والماضوية الى واقع التقدم والتحرر والحداثة السياسية والاجتماعية.

العديد من الضمائر الحية استنكرت تشفي البعض في مقتل الشابتين المغربيتين في الهجوم الارهابي الأخير الذي استهدف نادي ليلي بإسطنبول ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة بمبررات " أخلاقية " مسبقة و مقيتة، لكن هذا التشفي " السادي " هو في الواقع امتداد لوعي اجتماعي و تأطير ثقافي مسيجيين باديولوجية دينية ظلامية، و هو لا ينفصل عن وقائع سابقة كالإشادة باغتيال السفير الروسي بأنقرة على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي باعتبار تلك الجريمة عملا بطوليا انتقاما للقصف "الروسي" ضد مدينة حلب السورية، الهجوم على فتاتي انزكان بدعوى أنهما يرتديان لباسا يخل بالحياء و التي تحولت الى قضية رأي عام في إطار ما عرف إعلاميا ب " قضية الصايا "، و كذلك الهجوم على مثلي فاس ومحاكمته من خلال " قضاء الشارع " فقط لأنه له اختياره الجنسي المختلف، و أخيرا دعم جبهة العداء للفلسفة و التفكير الفلسفي من خلال ما تضمنته برامج مادة التربية الإسلامية في التعليم الثانوي التأهيلي من مس وتشويه وتحريف للمقاصد النبيلة للفلسفة والعلوم و ربط الفلسفة – كما ورد في البيان الاستنكاري للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة _ بالغي و الضلال و الزندقة، و هو الربط الذي يستند سواء بوعي أو دون وعي على رأي ابن تيمية ( القرن 14 ) الأب الروحي للوهابية الذي أدرج الفلسفة ضمن لائحة المحرمات ، و هذا الموقف العدائي للفلسفة هو بشكل من الأشكال امتداد لإغلاق معهد السوسيولوجيا سنة 1970 و محاربة الفلسفة بالجامعة المغربية في مقابل تشجيع الدراسات الإسلامية خلال بداية الثمانينيات و فتح الأبواب مشرعة أمام تدفق و انتشار الاديولوجية الوهابية الظلامية وتوظيف تنظيمات الإسلام السياسي في خطة اقتلاع اليسار و الفكر التنويري من الجامعة المغربية، قبل أن تستدرك الدولة المغربية الأمر و تعمل على توسيع الرقعة المؤسساتية لتدريس الفلسفة بعد الأحداث الإرهابية ل16 ماي 2003 بالدار البيضاء....

إن لحظات الارتداد الثقافي هاته لا تقتصر فقط على تصرفات متخلفة لعامة الناس، بل إنها تتعزز بتعالي دعوات و " فتاوي " تكفير مثقفين وباحثين متنورين وشعراء وقادة سياسيين من طرف الفقهاء المتمذهبين أمثال أبو النعيم والنهاري وآخرين نصبوا أنفسهم ظلما وعدوانا حراسا للمعبد ولا يترددون في شن هجمات عقائدية عن طريق أشرطة فيديو غارقة في التمييز والإقصاء كأننا نشهد انتصارا " تاريخيا " للفقيه على المثقف...! وغالبا ما ينتشي هؤلاء " الفقهاء المتمذهبين " بفتوحاتهم في المعارك التي تتزعمها قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين حيث يلجؤون الى خلق تعبئة مجتمعية مضادة للتمكين الحقوقي والقانوني للمرأة ووجودها بالفضاء العام، في مقابل حركة نسائية وحقوقية ديمقراطية لا زالت غير قادرة على تقويض مرتكزات الثقافة الذكورية السائدة وتعاني في نفس الوقت من هشاشة الوعي المساواتي وتنامي تمظهرات النزعة المحافظة و " التدين الشكلي " داخل الأوساط النسائية في حد ذاتها.
كما يجب الوقوف أيضا عند ذلك الهجوم العقائدي الذي قادته الكتائب الالكترونية و الخلايا السرية النائمة و الجمعيات الدعوية اليقظة بالأحياء لحزب العدالة و التنمية ضد فدرالية اليسار الديمقراطي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة ليوم 7 أكتوبر 2016 و إلصاق تهم واهية بالفدرالية و رموزها كالإلحاد و معادات الدين و العلمانية في ظل جهل خطير و سوء فهم مقصود للعلمانية لأن لا مصلحة لقوى الإسلام السياسي في تعميق النقاش الصحي و الفهم العلمي للعلمانية... و قد عبرت عن هذا الأمر في حوار صريح مع موقع " أنف بريس "(*) لما سئلت كوكيل لائحة فيدرالية اليسار الديمقراطي بوجدة حول إن كان الإسلاميةن قد نجحوا في الدعاية المغرضة ضد اليسار، بالقول أننالا نعتبر هذا نجاحا، بل حملة رخيصة لا أخلاقية تقتات من منطق التكفير، لأن الإسلام يبقى معتقد مشترك لكل المغاربة وبالتالي لايحق لأي أحد احتكار الحديث باسمه، ونحن نعتبر أن العجز عن مواجهة مشروع فيدرالية اليسار الديمقراطي وأفكارها وبرنامجها الإنتخابي دفع الإسلاميين إلى اللجوء إلى توظيف سلاح الدين.

إذن أين وجوه الاختلاف إذا قارنا بين هذه الغارات " العقائدية " في معركة انتخابية تستوجب الحوار الديمقراطي و نقاش الأفكار و البرامج، و بين تشفي البعض في مقتل الشابتين المغربيتين في الهجوم الارهابي الأخير الذي استهدف نادي ليلي بإسطنبول؟ بينها وبين الإشادة باغتيال السفير الروسي بأنقرة على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي؟ بينها وبين حملات التكفير التي يقودها " الفقهاء المتمذهبين" ضد كل من أخضع تصوراتهم ومسلماتهم وأحكامهم الرجعية لسلاح النقد والتشريح؟ ...

من هنا يحق لنا أن نتساءل كذلك عن مسببات هذا المناخ المعيق لاستنبات قيم العقلانية والحرية والمساواة والتعايش والحق في الاختلاف؟ هل نحن أما مرحلة ممتدة من " البلوكاج " الفكري والثقافي الذي يقوم على تعطيل العقل والتفكير العقلاني وبناء جدران من الجمود العقائدي والذهنية الإقصائية؟ أليست الأحداث التي أشرنا إليها أعلاه والتي تبدو في تفاصيلها صغيرة، هي في العمق مرآة تعكس اتجاهات تحول ثقافي ارتدادي وراءه قوى تريد سجننا في ماضي سحيق لتستفيد هي من ثمار المستقبل عن طريق صنع الحاضر لوحدها دون أية إرادة في اقتسام السلطة والثروة في بعديهما المادي والرمزي؟ لماذا تظل أجوبة الحوامل السوسيوثقافية لقيم العقل و التنوير و الداعين الى ثورة ثقافية و اجتماعية تحررنا من سلطة المقدس و الأخلاق " الجهادية المأدلجة "، أجوبة مشتتة و معزولة و عاجزة عن التحول الى تيار ثقافي و اجتماعي جارف بمستطاعه دفع " التصور الداعشي " للمجتمع الى متحف التاريخ؟...ألا يمكن القول أمام هذا " العدوان العقائدي " الذي تعبر عنه أفكار و تصرفات ما فتئت تتزايد و تتكرر لدى الأفراد و الجماعات، أننا أمام " تأخر مرغوب فيه اجتماعيا و تاريخيا " أو كما قال الباحث و المفكر التونسي " عبد الوهاب المؤدب " " و الحال أننا نلاحظ غيابا للرغبة في الحرية و في التصميم على تحقيق الديمقراطية لدى الشعوب الإسلامية." (**)

باعتبار المدرسة مشتلا لتنمية مهارات الفكر العقلاني و النقدي و التربية على المساواة و عدم التمييز على أساس عقائدي أو جنسي أو عرقي...الخ، و استحضار لتجارب شعوب و بلدان حققت انتقالا ديمقراطيا كان من روافعه الأساسية التربية و التكوين، نعتقد أن الحراك الاجتماعي الأخير ضد مشروع المجلس الأعلى للتعليم و البحث العلمي لإلغاء مجانية التعليم قد وقع على مسألة مهمة هي أن الدفاع عن المجانية أولوية الأولويات من أجل تعليم ديمقراطي يضمن تكافؤ الفرص التربوية و الاجتماعية، لكن الحرص على صيانة هذا المكتسب ينبغي أن يتأطر ضمن رؤية تقدمية شاملة لا تتردد في الدفاع عن مدرسة ديمقراطية علمانية و جيدة باعتبارها من المداخل الرئيسية لتوسيع حقول حرية التفكير و الممارسة الديمقراطية و بالتالي تجفيف كل المنابع المغذية " للداعشية " فكرا و سلوكا....

(*) أنفاس بريس جريدة إلكترونية مغربية . 22 أكتوبر 2016
(ّ**) عبد الوهاب المؤدب " الإسلام الآن " حوارات مع فيليب بتي. الطبعة الأولى 2010. ص 148








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا