الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الفنان وليم موريس

سهر العامري

2017 / 1 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مع الفنان وليم موريس سهر العامري
على عدد المرات الكثيرة التي سافرت بها الى لندن كانت ضاحية همرسميث هي الضاحية الوحيدة التي تستهويني كثيرا ، ولهذا كنت أصرف أكثر ساعات يومي فيها ، وقد قادتني إليها في المرة الأولى الصدفة ، وذلك حين سألت ساعتها موظف استعلامات الفندق الذي نزلت فيه عن أفضل طريق توصلني الى ضاحية بريفيل " Perivale " التي كنت أريد الوصول الى مصرف يقع فيها ، كان لي حساب قديم فيه ، فتحته منذ سنوات طويلة ، حين كنت أعمل في مدينة بنغازي من ليبيا بعد أن غادرت أنا وطني ، العراق .
أشار علي موظف استعلامات الفندق الذي يقع في ضاحية هاونسلو " Hounslow " أن أركب الحافلة التي تقف عند باب الفندق ، وحين تقف في آخر محطة لها في ضاحية همرسميث علي أن أركب من هناك قطار الانفاق " المترو " كي يصل الى بغيتي ، وكان موظف الاستعلامات قد ارتكب خطأ في اشارته تلك ، فقد اكتشفت فيما بعد أن هناك حافلة ركاب يمكن أن أصل بها من على مقربة من الفندق ، والى ضاحية بريفيل التي يقع فيها المصرف المشار إليه .
عن طريق هذا الخطأ الذي ارتكبه موظف الاستعلامات تعرفت على ضاحية همرسميث التي تقع في غرب لندن ، وهي ضاحية جميلة ، غير مكتظة بالسكان ، خارطتها تذكر بخارطة المدن المدورة في القرون الوسطى ، فجميع الشوارع فيه ، ومن جميع الجهات تفضي الى مركزها الذي تقوم فيه اسواق ومطاعم ومحطة للحافلات ولقطارات الأنفاق التي تحملك الى جميع الضواحي في مدينة لندن حتى الريفية منها.
قبالة هذا المركز التجاري تقوم بناية عتيقة ظهرت عليها تصاميم بنايات القرون الوسطى، مثلما ارتفعت بها شبابيك طويلة ، وأبواب عالية صنعت من خشب يذكر بخشب الأبنوس ، مثلما انتظمت فيها طاولات تحيط بها كراسي من ذات الخشب ، وطالما كانت هذه البناية مكتظة بالرواد ، ويصل الحال فيهم أحيانا الى تناول طعامهم ومشروباتهم وقوفا ، فالبناية هذه المتكونة من طابقين هي حانة ومطعم في نفس الوقت ، لها نكهتان ، نكهة القدم ، ونكهة كونها شعبية يرتادها النساء والرجال على حد سواء.
كلما جلست أنا فيها جال في تفكير سؤال مهم عن المالك الأول لها ، أو عن الساكن الأول ، وبالتأكد سيكون مالكها الأول من أغنياء ذلك الزمان ، ثم تعاقب على السكن فيها أكثر من ساكن ، حتى وصل بها الحال الى تصبح حانة ومطعم في الوقت نفسه ، وعلى هذا ظللت أبحث عن أولئك البشر الذين سكنوها قبل أن تؤول الى المصير الذي هي عليه اليوم .
من بين أولئك تعرفت على أحد منهم، كان هو الفنان ، والشاعر ، والأديب ، والمصمم ، والمعماري ، الانجليزي الاشتراكي الذي كان يسميه كارل ماركس بالحالم لأنه كان يرى أن النظام الاشتراكي يمكن أن يقوم من القاعد صعودا الى تحطيم هرم السلطة بمعنى آخر هو أن الصراع الطبقي يمكن أن يكون بين القاعدة العريضة من الناس ، وليس بين الناس والنظام الرأسمالي ، ويبدو أن تصوره هذا هو الذي دفع بماركس الى قوله ذاك من أن وليم موريس رجل يحلم ، أما فردريك انجلز فقد تنبأ بأن حركة الاشتراكيين التي كان وليم موريس من بين أبرز أعضائها ستفشل ، ولن يكتب لها النجاح .
يبدو أن الخلافات الفكرية في الأهداف وطرق العمل بين أعضاء حركة الاشتراكيين الانجليز هي التي قادت وليم موريس الى تركها رغم أنه كان من أبرز المؤسسين لها عام 1884م ، وفي سنوات حياته الأخير انصرف هو كلية للعمل في مطبعة كِيلْمسكوت" Kelmscott " المتخصصة بطباعة الكتب الفنية الفخمة، والتي أسسها سنة 1891م في ضاحية هميرسمث " Hammersmith" ، تلك الضاحية التي كانت حتى مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم عبارة عن قرية من القرى التي تحيط بالعاصمة البريطانية لندن ، والتي أصبحت فيما بعد ضاحية من الضواحي التي تقع في الغرب من لندن .
وفي شهر كانون الثاني من سنة 1891م ، استأجر وليم موريس بيتا خشبيا رقمه 16 في مول العليا ، وبالقرب من البيت الريفي المسمى " Kelmscott "، وفي ضاحية همرسميث ذاتها ، والتي كان يريد منه هو أن يكون بمثابة المقر الأول لدار طباعة Kelmscott للصحافة ، قبل أن تنتقل إلى بناء مجاور رقمه 14 في شهر مايس من ذات السنة ، وهو الشهر الذي تم فيه تأسيس الشركة المكرسة لإنتاج الكتب التي يراها هو جميلة الشكل ، فقد أثرت فيه فنيا المخطوطات المصورة ، والكتب المطبوعة في وقت مبكر من العصور الوسطى ، وكذلك الكتب الجديدة المطبوعة في طلائع سنوات أوروبا الحديثة.
كلتا البنايتين القديمتين المرقمتين برقمي 14 و 16 ، وبعد أن أجريت عليهما عمليات تجديد الى حد ما ، قد تحولتا الى حانتين ومطعمين في الوقت ذاته ، ولكنهما لا يزالان يشعرنا الجالس بهما بتلك الساعات التي أمضى فيهما الأديب والفنان الانجليزي وليم موريس قطعة من أيام حياة الأخيرة ، تلك الأيام التي لا تزال معلقة على أبوابهما ، أو من خلال المواد التي بنيتا منها ، أو الخزان الخشبي الذي ترتفع فوقه صورة الفنان في حيز أعد لهذا الخصوص ، لقد ارتفعت تلك الصورة الكبيرة للفنان الأديب على جداره وقت أن كانت الصور لا تعرف الألوان ، وقد أحيطت هي بإطار خشبي يبدو أنه قد حظي بعناية الفنان نفسه ، كما وضعت على الطاولة بعض من أشياء الفنان مثل الكأس الزجاجي الذي يشرب الماء فيه .
يضاف الى ذلك وجود حيز آخر في الطابق الخشبي نفسه يشتمل على صورة ومخلفات فنان ومصمم انجليزي آخر هو إدوارد جونستون " Adward Johnston" الذي عاش ما بين سنتي 1872 م-1944م ، وعلى هذا يكون هو أحد الفنانين المعاصرين للفنان الأديب وليم موريس ، وهو واحد من الذين تعاقبوا على المكوث في تلك البناية التي تحولت فيما بعد الى حانة ومطعم مثلما ذكرت ذلك من قبل ، والتي لا زالت تحمل اسم الفنان وليم موريس " Willim Morris " على احدى واجهاتها المطلة على شارع رئيس ينتهي بمقاطعته لشارع يمر من أمام البناية التي تضم مركزا تجارية ، ومحطة قطار أنفاق ، وكذلك محطة حافلات حديثة .
وباعتقادي أن هذه البناية ، والتي كانت تدعى كوخا خشبيا على الأيام التي أمضى فيها وليم موريس آخر نشاط فني وأدبي له فيها ، لا يمكنها أن تصمد في المنظور القريبة من الأيام رغم أهميتها التاريخية التي كانت السبب الرئيس في المحافظة عليها للآن ، فكل جالس فيها يشاهد اليوم البنايات القريبة منها ، وهي تتهاوى الواحدة بعد الأخرى ، وتقوم مكانها بنايات حديثة مادة بنائها الأساسية الحديد والزجاج ، فقد شمخت في أكثر من ضاحية من ضواحي لندن العمارة الجديدة التي هي بنايات زجاجية شاهقة ، لا تعرف الحجر والطابوق والاسمنت ، وبأشكال معمارية غاية في الحداثة والجمال ، وهذه الهندسة المعمارية الحديثة ، وهذا اللون من البناء هما اللذان سيسودان في هذا العصر على الأشكال القديمة للبناء التي لم تعد تواكب التطور السريع في حياة البشر خاصة في الدول المتقدمة صناعيا التي راحت تنتشر فيها هذه العمارة متنقلة من دولة الى دولة أخرى ، ومن مدينة الى مدينة بعيدة عنها ، فقد قامت أول عمارة زجاجية في المدينة السويدية التي أعيش فيها ، مثلما قامت عمارات زجاجية في مدن أخرى من السويد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا