الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والفكر الديني 3

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين والفكر الديني ( 3 )
وأعتقد أن عدم تفريقنا بين الدين والفكر الديني أفضى بنا إلى القضايا والأزمات التالية:
1- هذا الكم الهائل من الفتاوى والكتب الدينية التي ورثناها ليست كلها على سوية واحدة، لذلك صار الانتقاء من التراث حسب حاجة الشخص وغرضه، أكان غرضا مبرأ أو غرضا خبيثا، ولو قرأت فقه المذاهب الأربعة للجريري لوجدت مثل هذا الاختلاف في المسألة الواحدة، وحينما يتبنى أحد أو جماعة رأيا ويتبنى أخر الرأي المخالف فهنا يحدث الخلاف لأن كل واحد سيرى رأيه مقدسا لا يجوز الشك به، لأنه يرى في قول الإمام أو الشيخ الذي سمع منه دينا, وبالتالي صار رأي الشيخ الذي يحمله دينا مقدسا.
2- وهذا راجع إلى أن تراثنا لم يتم غربلته وتنقيته من الشواذ, ونفي ما لا يتفق مع العصر لأنه يكون مؤذيا ملطخا لوجه الإسلام، لذلك من الواجب أن نقوم بمراجعة هذا التراث، لأنه فكر ديني وليس دينا، ونقول بجرأة أن هذا خطأٌ يجب إزالته وهذا صواب يجب الأخذ به، إنه مشروع كان يجب أن يتم من قبل قرن أو يزيد.
3- إن عجزنا عن غربلة تراثنا راجع أننا لا نملك رؤية للمستقبل، متفقة مع الوضع الراهن، هذه الرؤية يكون الطريق إليها واضحا بقدر ما تكون هي واضحة، ولكن للآسف فإن شعار ( لا يصلح أمر هذا الدين إلا بما صلح به أوله ) جعلنا نرتد إلى هدف نراه على بعد الف وخمس مائة سنة، لأن تراثنا يتكلم عن تلك الفترة ، ونحن بحاجة لفكر ديني يتكلم عن استشراف للمستقبل ولو لبعد عشر سنوات.
4- إن الحاملين لواء الدفاع عن الإسلام يحملون نزرا يسيرا من حضارتنا، ومن الواضح أنهم لا يدافعون عن الدين إنما يدافعون عن معلومات بسيطة يمتلكونها، ويخشون ضياعها، ويظنون أن الحرص عليها هو الحرص على الدين ذاته.
5- إن عدم تفريقنا بين الدين والفكر الديني جعلنا لا نفرق بين بناء الدولة والحضارة وبين الحفاظ على الدين، فالدين موكول حفظه لله, أما الفكر عامة والفكر الديني هو الذي يبني لنا مجتمعاتنا ودولنا وحضارتنا وإنسانيتنا، ولكننا بسبب عدم تفريقنا بين الدين والفكر الديني، لم نحافظ على نقاء الدين ولم نبن دولا ومجتمعات قوية.
6- إننا لم نتعلم أدب الحوار، نسمع بتأمل لرأي غيرنا، ونتفهم وجهة نظره، ونناقشه مناقشة هادئة، ولكن ما هو حاصل أن نرفع في وجهه من يخالفنا الرأي في موضوع ديني، تُهماً مسبقة الإعداد بأنه كافر أو شيوعي أو علماني أو زنديق أو جاهل أو سفيه، وهذا الدفاع الغوغائي هو سبب تحجر فكرنا، وتخلفنا الذي نعيشه، وناتج عن عدم تفريقنا بين الدين والفكر الديني.
7- إن قولنا (أجمع علماء الأمة...) قول غوغائي لأن ذلك لا يدل على صحة الرأي الذي نستشهد به وصوابه وكذلك( يقول فلان...) ففلان ليس معصوما عن الخطأ، أو (ورد في صحيح البخاري...) فصحيح البخاري ليس قرآنا مقدسا، فالبخاري إنسان وهو ابن عصره، ككل الأئمة والمجتهدين، وكتابه لا يمكن أن يكون مبرَّأً، فإن قواعد الاستشهاد هذه تقود حتما إلى الخطأ، لأننا نستشهد بفكر ديني.
8- إننا الآن نعيش مرحلة اجترار للماضي، الذي تم اجتراره سابقا مرات عديدة ولم يُغنِ شيئا في عصور الانحطاط ، فبناء فكر وحضارة جديدة لا يكون باستحضار الماضي أو الرجوع إليه ، إنما باستيلاد الأفكار والمبادئ الحية الصالحة للإنبات، ويجب أن نعلم أننا لا نبني دينا لأنه مبني أصلا، إننا نبني دولة وحضارة، بحاجة لأفكار جديدة، وأن هذا ليس بالأمر السهل، بحيث يقوم به أصحاب المظهريات الدينية.
9- إن الحركات الدينية التي نبتت بين ظهرانينا لم تكن طبيعية، بل أنشأتها دول ومولت نشاطها، بمعنى أن القائمين عليها موظفون، وليسوا رجال نهضة وإصلاح يحملون فكرا حضاريا وأهدافا واضحة عليا، بل يتسوّلون أفكارا لم يتأكدوا من صحتها ولا ملاءمتها للعصر الحديث، فمزاحمة السعودية لمصر على زعامة العالم العربي والإسلامي، دفعت لنا بالتيارات السلفية، لتواجه التيارات القومية، بالأممية الإسلامية، فراحوا يغرقوننا بحواشي الدين ، على انه لبَّ الدين وجوهره.
10- خلاصة القول أن الدين يجب أن يكون ثابتا، أما الفكر الديني فيجب أن يكون ناميا، وعلاقة الدين بالفكر الديني علاقة الأرومة بالفسائل التي تنمو عليها، وتكون قوة الفسائل وكثرتها دليلا على حيوية الأرومة، وان اجتثاث الضعيف واليابس من هذه الفسائل سيسمح بإنبات غيرها أكثر نضارة.
11- إن هذا الرأي هو الشرط الأول لكل بحث في الثقافة الإسلامية كما هو الشرط الأول في كل بحث يتناول العلوم الإنسانية، إن التسليم بأي علم إنساني بأنه تام, ما هو إلا قطع قمته النامية، والحكم بقتل هذا العلم وإماتته أو اعتباره ميتا.
إن منهجية بحثنا في هذا الكتاب حول الدولة الإسلامية قائم على هذا المنهج الذي يرى كل شيء قابل للمراجعة والمناقشة، وبالتالي بناء أفكار جديدة وتوجه جديد. والفكر الديني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية