الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت مرآة الولادة

خالد زيان
(Khaled Ziane)

2017 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقفت مؤخرا لوهلة على صورة تداولتها بعض صفحات المواقع الاجتماعية، فشدّتني إليها وكأنها لوحة لفنان اسباني....للأسف.

الصورة أتت في نوع من المقارنة من شقين، شقها الأول لبعض تلاميذ إحدى المدارس الأمريكية في خرجة تربصية لمعاينة طائرة، والشق الثاني منها وكما بدأت "للأسف" كان لتلاميذ أو طلاب إحدى الدول الخليجية أمام قبر في صحراء مقفرة يتدارسون الأبعاد والوضعيات التي يجب أن يُسنَد عليها الميت...وربما حتى يحدثهم عن الأقرع، ذلك المعلم ذو العباءة البيضاء!

من الطبيعي أن يأتي يوم و تخذلنا أجسادنا لنخرج من هذا العالم، لكن قبل ذلك، نتساءل: هل منا من جرب الموت أو عاد منه؟ أم هي بعض التراكمات والترسبات لأفكار عالقة عنه؟ هل منا من يذكر ساعة تكوينه وخروجه لهذا العالم، وهل يتذكر شيئا من آلام ذلك المخاض أو تلك الولادة؟ أليس يوم التكوين كيوم الفناء؟...

على امتداد الحضارات الإنسانية تبلورت أفكار اعتنقتها معظم الديانات التوحيدية لتصبح ركيزة أخلاقية راسخة، وهي فكرة الحياة بعد الموت أو المشهد الثاني لهذا الوجود، أين ناقشها فرويد في كتابه "قلق في الحضارة" وأطلق عليها اسم الشعور الأقيانوسي Oceanic feeling الذي يتنكر فيه الإنسان للفناء، آملا بوجود حياة أخرى مثالية، يحياها بموته، فكرّست هذه الفكرة الكسل والخمول لدى هذا الإنسان وهيمنة رجال الدين على عقله، ووجّهته في المسالك التي تريد ؛ مِن "كفى بالموت واعظا" إلى مطرقة نيتشه في هكذا تكلم زرادشت "لقد أراد هؤلاء الكهنة أن يعيشوا كأشلاء أموات، فسربلوا جثثهم بالسواد، فإذا هم ألقوا مواعظهم انتشرت منها رائحة اللحود". وهناك مأزق آخر يواجه الأديان الغير التوحيدية كالبوذية والهندوسية التي تؤكد على وجود حياة بعد الموت عبر تناسخ الأرواح ويقع تحت هيمنة الكارما Karma وهي صيرورة من الدورات الوجودية، ما إن تنتهي دورة حتى تبدأ أخرى جديدة، ولا اختلاف بين دورة وأخرى، فإن الوجود كلَّه صورة واحدة تتكرر بلا انقطاع، في الزمان اللانهائي؛ وهي تشبه لحد ما العود الأبدي Eternal return عند نيتشه.

الاستفهام المطروح هنا: لماذا يعتقد الإنسان أن هناك مشكلا وآلاما في الموت؟ مع العلم أنه لحد الآن لا توجد دراسات جادة تطرح الحالة الشعورية للموت، هي فقط بعض الفرضيات والاجتهادات التي طغت عليها الترسبات الدينية.

تجنُّب الموت والخشية منه هو بالأحرى تجنب للحياة، والقلق منه هو تنغيص لها، فتُفسد المرئي، المعاش الملموس من أجل غير المرئي، البعيد، المبني على فرضيات...والذي لن يحدث على الشكل الذي توقعته. يقول الفيلسوف اليوناني إبيقور "لماذا أخشى الموت؟ فطالما أنا موجود فإن الموت لا وجود له وعندما يوجد الموت فإنني لست موجودا، فلماذا أخشى ذلك الذي لا وجود له عندما أكون موجودا؟" وفي نفس السياق يضيف الكاتب الأمريكي مارك توين "أنا لا أخاف الموت، نظراً لأنني كنت ميتاً من قبل، لبلايين البلايين من السنين التي سبقت ولادتي، و لم أعانِ خلالها من أي إزعاج مهما قلّ شأنه".

استقبال الحياة في الولادة ثم الطفولة بكل ذلك المرح والبهجة والحب، عليه أن يكون أيضا استقبالا للموت في الشباب والهرم، لإضفاء إبداع أكبر، وإعمار أوفر، فالموت لا يقل أهمية عن الولادة وهو جزأ لا يتجزأ من الحياة. يقول الكاتب البير كامو وهو رائد المدرسة الفلسفية العبثية في جدليته عن الحياة والموت والحب " الموت هو ما يعطي للحب شكله مثلما يعطي للحياة شكلها، محوّلًا كل ذلك إلى قدر".

ويلخص عالم النفس كارل يونغ كل هذا في الفيديو الشهير له عن الله والموت "من ينظر إلى الخارج يحلم، ومن ينظر إلى الداخل يستفيق".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك