الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الفكرة ونقيضها

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جدلية الفكرة ونقيضها
يغدو من الواجب اللازم البحث عن الخطأ دائما، والتأكد من ذلك، وبالتالي البحث عن الصواب، فنحن لا نذهب إلى الصواب إلا إذا استشعرنا الخطأ الذي وجدناه مسببا لمشاكل نعاني منها.
في أمثالنا نقول: الضد يظهر حسنه الضد ، وهو جلاء بصري أو سمعي جيد، بمعنى أن الأبيض يكون أكثر جلاءً مع الأسود الصوت يكون أكثر وضوحا مع الصمت، ولو تابعنا كثيرا من المتناقضات لوجدناها مترابطة منذ الأزل كالخير والشر, والجمال والقبح ،والضعف والقوة, والحرب والسلم وغيرها.
نجد أن الترابط الدائم بين هذه المتناقضات هو لازم لوجودها ونمائها، وما كان لجانب أن يطغى على الآخر، كأنهما في كفتي ميزان، كلما ثقل جانب احتاج الجانب الآخر أن يستقوي لكي يميل الكفة لصالحه، ثم ما يلبث الجانب الأخر أن يعيد الكرة ويعدل الميل المرجح، وهكذا دواليك منذ الأزل وإلى ما شاء الله من الزمان.
إن هذه الصورة المقربة لجدلية المتناقضات هي إلى حد كبير تعبر عن تراكم خبراتنا في مجال المتناقضات، فلا يمكن أن تتعمق معرفتنا بالخير إلا إذا تعمقت معرفتنا بالشر، ولن تتعمق قدرتنا على النصر إلا إذا تعلمنا الدروس من الهزيمة، وهكذا نرى أن الأضداد ضرورية لبعضها البعض.
وقديما قال الأستاذ عباس العقاد في مقدمته لكتابه ( إبليس ) [حينما عرف الإنسان إبليس كانت فاتحة خير ]، بما يعني أن إدراكنا أن هذا الفعل هو شر ينتقل بنا الذهن إلى نفي هذا الفعل، ونفي السالب هو موجب ، كما تعلمنا في الرياضيات ( سالب × سالب = موجب )
المشكلة في الذهن البشري، أننا إذا لم ندرك أن ما نحن بصدده هو شر أو هو خطأ أو يحمل أية صفة سلبية، في هذه الحالة، فإن الذهن لن يفتش عن النقيض، ما دام غير شاعر بالخطأ، لذلك فإننا سنستمر في قبول هذا الخطأ، وهو موافق للمنطق الرياضي حسب المعادلة الجبرية التالية ( سالب × موجب = سالب )
إذن فإن اكتشاف الخطأ من قبل الذهن هو القاعدة الأساسية لكي نكتشف الصواب، لأن ذلك نابع من الشعور بالضرر أو الشعور بعدم الرضا أو الشعور بعدم الكفاية أو الشعور بعدم تحقيق الهدف، إنها جميعها مشاعر سلبية تقودنا حتما إلى العمل على تجاوزها والتفتيش عن إزالة مثل هذه المشاعر السوداء الممضة .
ونكون بذلك قد ارتقينا إلى منهج الصواب الذي يجب أن نسلكه في حياتنا ، وهكذا فالصواب لم يكن ميسرا للذهن قبل أن نكتوي بنار الخطأ ، ومن هنا نجد أن الخطأ هو سابق على الصواب،
بهذا نكون قد وضعنا قاعدة ذهنية ترى الخطأ سابقا على الصواب ، وإذا ما كانت هذه القاعدة صحيحة فيغدوا من الصواب أن نجعل همنا, هو البحث عن الخطأ. لكي نهتدي على ضوئه إلى الصواب، وأن نكون سيئي النية مسبقا حيال كل الأفعال والأفكار، لكي نجد موضع الخلل والخطأ والخطل، ثم نقوم على إصلاحه أو تبديله أو نبذه، إذ لا يوجد خطأ دون فعل إنساني، ولا يوجد تصويب إلا بفعل إنساني.
وما دمنا قد استنتجنا أن الصواب لا يكون إلا ابنا شرعيا للخطأ، فإن جلسات الوعظ، والنصائح، وإيراد الأمثلة والحكم ليست إلا كلاما لا يلصق بالذهن، ولا يكون له تأثير على النفس البشرية طالما هي لم تستشعر الخطأ استشعارا حقيقيا، فإن المواعظ ستفقد قطبها السالب، وبالتالي ستفقد تدفق التيار بين القطبين، وتفقد الطاقة اللازمة والأمل المرجو.
وعلى هذا الأساس من التصور عن العلاقة بين الخطأ والصواب، وأن لا صواب إلا بخطأ ملموس، فإننا نستطيع أن نقرأ بعض ما نعاني منه من تخلف وفكري ومعرفي وحضاري :
1-إن الحصانة التي نسبغها على كثير من المعتقدات والأفكار والتصرفات بحيث نرفعها فوق تناول النقد والتمحيص، هو شيء مضر، بل هو الشر بعينه، ذلك أن تعود الذهن على أفكار معينة ومعتقدات معينة، هي مرحلة الوقوف التي تمهد نحو التراجع والسقوط.
2- إن الأفكار المضادة لأفكارنا هي أكثر ضرورة لنا من الأفكار المؤيدة، ذلك أنها تجعلنا دائمي النظر إلى أنفسنا وإلى أفكارنا وتوجهاتنا، فهي كالمرآة التي نرى فيها صورتنا مقلوبة، ولكنها تمنحنا فرصة التحقق من ذاتنا.
3-إذن نحن بحاجة إلى من يوجه لنا النقد السلبي، وليس النقد السلبي شرا مستطيرا دائما، فلا بد أن يكون فيه إشارة إلى مكون سلبي في أفكارنا.
4-إذا استطعنا أن نكون بهذه الروح العالية فإننا نغدو بلا أعداء، وبلا منافسين لأننا نرى في منتقدينا أصدقاء يهدون لنا عيوبنا, وتصبح قدرتنا على المنافسة وتقبل النقاش والمحاججة أكثر، ونكون كالمحاربين الديناميكيين لا يرى ضيرا من التراجع لكي يعيد الكرة مرة أخرى.
أن هذا التنظير الذي يراه الكثير بديهيا فإن تطبيقه ليس ميسرا كما في المجالات التالية:
1- كان تعاملنا مع إسرائيل تعامل عدو، بل تعاملنا مع وحش مفترس، المهم هو ضربه بأي شيء، وإقصائه إلى أبعد مدى، وعدم محاولة فهمه كعدو لديه أفكار عدوانية، توطئة لكيفية معالجة عدوانه وصده، ومع أن إسرائيل أكثر تكتما وحرصا على خصوصيتها ومشاريعها في المنطقة، فنحن أيضا عزفنا عن محاولة التجسس عليها ومعرفة أسرارها وما تخبئه ومقدار قوتها، وتعاملنا معها على أنها ليست بذات شأن إلى أن كانت الكارثة عام 67 فوجدنا أننا بواد وهي بواد آخر، وأن عنصر الشر والخطيئة التي جسدتها إسرائيل حيالنا، لم يجعلنا نتفقد أنفسنا ونستفيد من هذا البلاء الذي أصابنا.
2- وفي ذات المساق كان تعاملنا مع المد الشيوعي، والذي لم يكن عداءنا معه عداء وجوديا، ذلك أننا لم نكن رأسماليين كما هي أوروبا وأمريكا، ونحرص على بنيتنا الاقتصادية، إنما كان عداءً عقائديا بان الشيوعية مبدأ كافر صنعه اليهود ، ولم ندر أننا نحارب في معركة غيرنا، ذلك أن أحدا من المناوئين للشيوعية لم يكلف نفسه عناء قراءة الفكرة الشيوعية قراءة استطلاعية، بل كان الجميع معتمدا على الأفكار التي سربتها الدوائر المناوئة للشيوعية على أنها ضد الدين، بالإضافة أن مؤسسات الرقابة كانت تمنع أي كتاب يتكلم عن الشيوعية، أنا لا أقول هذا دفاعا عن الشيوعية، إنما أقول إن أحدا لم يكلف نفسه عناء دراسة الشيوعية كما يجب, ومناوأتها كما يجب، إن فهم عدوك فهما صحيحا، قبل أن تبدأ في عدوانك عليه أو صد عدوانه عنك.
3- في حياتنا الإسلامية استسهلنا فرز البشرية إلى كفار ومسلمين، وامتدت فكرة الفرز إلى عصرنا الحديث، إن شتم الآخرين بالكفر والإلحاد هو إيجاد سدود أو مسافات يصعب اجتيازها بيننا وبين الآخرين، وهذا جعل منا أناسا يرونهم خطرا على ديننا دون التمعن في ما يحمد عندهم، وهنا كان مجال التأثر بهم بطيئا، ذلك لاعتقاد الكثير منا في مطلع القرن الماضي بأن هناك حضارة كفار وحضارة مسلمين، لذلك لم يكن الاستفادة من عدائنا لحضارتهم، بأن استثاروا ملكاتنا وقوانا لمقاومتهم ودفعهم وبالتالي طورنا أنفسنا وأفكارنا ومواقفنا وأثرينا حضارتنا، ولا نحن صادقناهم وتعلمنا منهم وبالتالي أثرينا حضارتنا بقبس من حضارتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية