الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحات عن معتقدات وفلسفة الماوريين

حارث زهير الحكاك

2017 / 1 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لمحات عن معتقدات وفلسفة الماوريين
عندما جئنا إلى نيوزلندة هذا البلد الجميل، كنا فتيانا وشبابا لا نعرف شيئا عن السكان الأصليين
( الماوريين ) لهذه الجزر، ولكن بعد فترة أطلعنا عن بعض عاداتهم وخفايا أخرى من حياتهم. وفي السطور التالية سأدرج لكم بعضا من معتقدات وفلسفة هذا الشعب .
قبل كل شيء، يجب أن نعرف أن لغة التفاهم عند الماوريين بسيطة جدا، كما هي حياتهم، وهم يحبون هذه البساطة ويعتقدون أن حقهم في العيش يكمن في هذه البساطة ، خصوصا حقوقهم في هذه الطبيعة بالرغم من أنهم لا يعرفون ما هي بالضبط، فقط لأنهم ببساطة جزء منها, ولهذا تقوم لغتهم البسيطة بتجزئة الواقع الحياتي إلى نوعية أخرى من المقايضة مهمة جدا تجعلهم يشعرون بعدالة طبيعية لحماية النفس. فمثلا أنهم يعتقدون بأن الأرض ليست ملك الإنسان بل هي التي تملك الإنسان. وهنا يمكننا أن نذكر أنهم كانوا في أشد مشاعر الإستغراب عندما جاء الأوربيون يتفاوضون معهم لشراء الأرض، وقبلوا بالمقايضة وهم فرحين بأستغفالهم للرجل الأبيض الذي جاء ليشتري شيئا منهم وهم لا يملكون ذلك الشيء!!
تنبع أغلب المعتقدات الماورية من الطعم المتميز لما كانت تمارسه الشعوب السامية التي أستوطنت العالم القديم ، ومتأثرة جدا بالعبرانيين وبالديانة اليهودية التي ظهرت بينهم. حول هذا الواقع، ألتقينا بأحد شيوخ الماوريين، وأخبرنا، بعدما عرف إننا من العراق، بأن هناك أعتقاد قديم جدا، يتناقل بين قبائل الماوريين، بأن أصولهم تعود إلى سكان شمال الجزيرة العربية، وبأن أجدادهم بدأوا بركوب البحر والرحيل نحو المجهول أبتداءا مع ظهور ديانة التوحيد من قبل إبراهيم الخليل (ع) والديانة اليهودية فيما بعد، وظلوا لآلاف السنين يستوطنون ثم ينتقلون من مكان لآخر ومن جزيرة إلى أخرى إلى أن وصلوا قبل حوالي 800 سنة إلى هذه الجزر وأستوطنوها, وأحسن برهان على ذلك، أن الماوريين ما زالوا يمارسون عدة عادات قديمة تعود إلى تلك الأصول وأهمها أحترام التدرج داخل العائلة وختان المواليد الذكور. ولتأكيد هذا الإدعاء يعتقد الماوريون أبضا أن أصل الإنسان على هذه الأرض قد نتج من علاقة صداقة بين رجلين. كانا يسيران مع بعض، ووصلا إلى مكان بارد جدا أطلقا عليه أٍسم ( تانجيرورو). وللتخلص من البرد الشديد ألتجئا إلى مخاطبة عالم الأرواح، وأتصلا بأختيهما هناك. فلما سمع الأختان نداءاتهما المتكررة وصراخهما وآلامهما من البرد، جاءتا إليهما عبر البحار، وقامتا بأحتضانهم لتدفئتهم، ( لاحظ الشبه مع قصة أولاد آدم عليه السلام ... قابيل وهابيل لحد ما وكما جاءت في العهد القديم من الكناب المقدس ).
ومن الجوانب المثيرة عند الماوريين في هذا المجال ، هو أعتقادهم بأن ما حدث لقوم (لوط) قد نجم عن فقدان مفردات الصداقة بين أفراد المجموعة الواحدة بسبب ظهور الخداع والمخادعة كسلوك مشتبه به بينهم. وكشعور عام، أن هذا الخداع مربوط بالحقيقة بأن هؤلاء الأصدقاء قد يقعون قي شباك الحب الغير الطبيعي ( بين الذكر والذكر والأنثى والأنثى)، بالإضافة إلى تواجد الحب الطبيعي. ولكن الماوريين بسبب لغتهم البسيطة وقعوا في غيبوبة عدم الإستئناس بهذه الظاهرة كفكرة بديهية لا معنى لها، ومعاملتها بالضبط كأي مرض يمكن الإبتعاد عنه حتى يزول من المجتمع.
ولقد كتب حكماء الماوريين القدماء بأن بداية الإنسان عندهم مسألة روحانية كبيرة، تهتم بالدرجة الأولى على شعور كل فرد بأهمية العائلة والإنتماء إليها، وعدم أخفاء المشاعر مهما كانت. فالخائف مثلا، يجب عليه أن يواجه خوفه بالإعتراف به أول الأمر مع نفسه، ومن ثم مع باقي أفراد العائلة، الذين سيقررون فيما لو يسمح له بالتصريح به أم لا، لأن أي تصريح به سيكون مربوطا بمحاولاته في التخلص من الخزي والعار والخجل من هذا الشعور. أما إذا لم يصرح بشعوره بالخوف، فإن ذلك سيؤدي إلى أن تركيبة شخصيته ستكون في حالة إنفصام ما بين لعنة الروح أو التخلص منها بالموت. أما من ناحية الشجاعة والقدرة على القتال، فإن الماوريين يؤمنون جدا بأنهم يكتسبون هذه الصفات (المطلوبة) من القوة في إيمانهم بأهمية الإنتماء العائلي والقبائلي، والتفاني المطلق في المحافظة والدفاع عنهما. وكذلك يكون هذا التفاني مربوطا بقوة مع التضحية المطلوبة للدفاع عن قدسية الأرض لأنها بنظرهم مقدسة جدا، وتعود للجميع وليس لأحد ما، خصوصا إذا كان المعتدي عليها من أجناس أخرى من البشر. وعليه أستنبطوا وتوارثوا في أجيالهم سلسلة من التراتيل والأناشيد المحفزة لشجاعتهم في القتال والدفاع عن الأرض والعائلة أطلقوا عليها رقصات (الهاكا).
ومن هذه المعتقدات الفلسفية القديمة أنهم يربطون (عرق الجبين) مع (تشقق الأرض)، وذلك لأنهم يشعرون بأن التعب والإرهاق بسبب العمل هو من الأرض وإلى الأرض أصلا. ولذا فإنهم يعتقدون بأن الأرض تتشقق(عطشا) عندما تراهم كسالى لا يعملون ولا يهتمون بها. ولهذا ترى الماوري يحاول حهده إخفاء تعرق جبينه، لأن هذا سيؤدي إلى أعتباره كسولا وأنطوائيا وليس فعالا في العمل وضمن المجتمع. وبالتالي يعتقد الماوريون أن مثل هذا الإنطواء والكسل قد يولد إنفعالات العنف في الفرد ضد باقي الناس والطبيعة.
أما من ناحية الروحانيات، فالماوريون واضحون جدا في مشاعرهم الروحانية وتخيلاتهم الواسعة عندما يتبع الفرد قوانين الطبيعة فسلجيا وحيويا ونفسيا. فالبعد النفسي عندهم لماهية الإله، يؤدي إلى تخيلهم لصور مختلفة له. فهم مقتنعون بأن الروح لا تملك أي مظهر معين مثل وجود عيون، أنف، أذن وفم وغيرها، وبأنهم يتصورون أن جميع حركاتهم وتصرفاتهم يجب أن تكون مشابهة لما قيل لهم عن تصرفات وحركات أجدادهم وأصولهم من البشر.
أما علاقة الماوريين مع النجوم والكواكب (علم التنجيم) فهي مفرطة ومتناثرة لا يمكن جمعها ووضعها في إطار واحد، قد يكون سبب ذلك تفاعلهم مع شعوب مختلفة أثناء مسيرتهم البحرية القديمة والطويلة. فمثلا يعتقدون أن الحياة عبارة عن حب أنفطر بين السماء والأرض، وإن ما يحصل على الأرض هو دائما تحت أنظار ومراقبة النجوم.
في الوقت الحاضر، وبالرغم من التفاعل الكبير لأغلب هذه المعتقدات الماورية مع تلك التي جاءت إليهم مع المستوطنين الجدد خلال القرنين الماضيين، إلا أن الماوريين ما زالوا متمسكين في تطبيق الكثير من معتقداتهم القديمة في حياتهم، وبغض النظر عن المستوى الفكري والثقافي الذي قد يصل إليه بعض الأفراد، وانجرافهم مع عملية التمدن التي جاء بها الغربيون والشرقيون إلى هذه الجزر. فمثلا أن أغلب الماوريين ما يزالون متمسكين بأهمية الحياة والطبيعة، وأستغلال جمال العيش في الوقت الحاضر، ونسيان الماضي لأنه لم يعد بينهم، وترك المستقبل لمجهوليته. حــارث زهيرالحكـــــاك / نيوزلندة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم