الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام حضارة أم دولة؟

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم أن البحث في الحضارات من أعقد البحوث وأوسعها وأصعبها، ولكن هذا لا يمنعنا أن نتصور الحضارة من خلال الخطوط العريضة الأولية، والنظرة العامة على معظم الحضارات، نستطيع أن نقول أن الحضارة لا تبتعد عن قولنا إنها مشروع، يخطط له أناس تخطيطا واعيا يتبعهم منفذون يقومون على بناء تلك الحضارة وفق ما لديهم من قدرة ووعي مسبق بما سيقومون به، وهناك عمال مهرة يقومون بالعمل اليدوي، وعندما ينتهي المشروع، ويتوقف عندها العمل، فيتوقف تلقائيا نموها وحركتها ريثما تبدأ بالتراجع، وتصبح هذا الحضارة في التاريخ معلما يشار إليه ، وشاهدا لا يزول عن صانعي هذه الحضارة، بالطبع كما في كل مدينة هناك من قصور وعمائر عملاقة وكذلك بيوت كبيرة وصغيرة وسقائف وعرش وكهوف وخيام لا تقي بردا ولا حرا، كذلك كانت مدينة الحضارات التي صنعتها البشرية, إنها صورة متخيلة للحضارات التي بادت وتركت أثرا كبيرا أو صغيرا، ليست حقيقية إنما لتقريب الأفكار، ومحاولة لفهم تكون الحضارة ونموها وسقوطها.
وارتباط الحضارة بالدولة أو بشعب من الشعوب او بمفكر او قائد سياسي محنك، هو ارتباط تلازمي، فلا بد من الحضارة من يخترعها ويحملها ويرعاها ويطورها ويطبقها، وهي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ والعلوم الإنسانية والطبيعية التي اعتنقها شعب من الشعوب، ويمكن لهذا الشعب ان يفنى ولكن حضارته لا تفنى، ما دامت إنسانية، واستقاها اقوام أخرون، وأبقوا عليها، لذلك نقول ان الدولة شيء والحضارة شيء آخر، فيمكن ان تكون دولة بلا حضارة ، اوحضارة بلا دولة:
فلو نظرنا إلى أية حضارة في التاريخ لاستطعنا أن نشير إلى السمة الرئيسية في هذه الحضارة، فمثلا لو نظرنا إلى الحضارة الفنيقية لقلنا إن سمتها هي التجارة البحرية، فقد تنبهوا إلى البحر الأبيض المتوسط كبحيرة كبيرة، وراحوا يتجولوا في أرجائها يأخذون من هذا الجانب ليضعوا في الجانب الآخر، إلى أن تنبه من كان في الجانب الشمالي من البحر البيض المتوسط، فهزموا هانيبال وبدأ مشروعهم الذي تمثل باستيلائهم على مستوطنات الفنيقيين في البحر الأبيض المتوسط وأوجدوا الأسلوب الإداري الذي به يسيطرون على هذه الممتلكات بالتنظيم المحكم، من طرق وحواضر ومباني ومسارح وبالتالي رفاهية الرومان.
وفي جانب آخر كان اليونانيون قوم يهتمون بالبناء العقلي للإنسان، إنها حضارة التفلسف والعلم والبحث عن الحقائق وأساليب الفهم والتفكير، وعلى هدي أفكار أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم صنع الإسكندر الكبير إمبراطورية لمعت مثل البرق في معظم البلاد المعروفة آنذاك، لقد كان مشروعا ناجحا بامتياز، ولكن المنفذين من بعد الإسكندر الكبير لم يقوموا بعملهم خير قيام، وكذلك الشعب اليوناني لم يكن بالكثرة التي يمكنهم بها أن ينجزوا كثيرا من الأعمال مما جعل الإمبراطورية الرومانية بإدارتهم الجيدة أن يحتووا الإمبراطورية اليونانية أيضا.

أما الحضارة الإسلامية فقد كانت مشروعها أخلاقيا، نابعا من الدين الإسلامي، فالأخلاق هو خير للغالب والمغلوب على السواء، فكان المسلمون بمثابة الأب لكل الشعوب التي انتشروا بها، لقد كان مشروعا عظيما ليس بفكرته فحسب، بل بالقائمين على تنفيذه، من خلفاء قادة ومفكرين وفقهاء وأئمة عظام، وامتد هذا المشروع في النماء إلى أن تم بعد أربعة قرون، كان ذلك واضحا أن الفقه قد توقف لأنه لم يبق ما يمكن أن يقال فيه، وهنا أصبحت الحضارة الإسلامية تضمحل وتتراجع.
أما الحضارة المغولية فهي حضارة قوة، أسس لها جنكيز خان، أو هولاكو، إذ استطاع أن يجمع حوله قبائل المغول وينشئ أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ ، ولكن بعد أن مات جنكيز خان، لم يكن يحمل فكرة تجعل خلفاءه يتابعونها، فبدأ التراجع سريعا كالجَزْرِ التي يتبع المدّ، وكانت أولى الهزائم هي معركة عين جالود بقيادة قطز، ومن الصعب متابعه تراجع هذه الإمبراطورية السريع في الصين وأوروبا وبلاد أخرى.
أما عن تراجع الحضارة الإسلامية ، الذي بدأ إثر توقف الفقه عند أقوال الأئمة الأربع، الذين استطاعوا أن يبحثوا بكل قضية صغيرة ومجهرية في الحياة الإنسانية، وأصبح ما بعدهم يعيدون إنتاج أفكارهم، وكانوا في هذه المرحلة بحاجة لمفكرين يوقفون عوامل الانهيار، ولكن، بما أن الفلاسفة والمفكرون كانوا من الذين لا يسمع لهم، لأنهم لا يسيرون مع الركب، فقد واصلت الحضارة الإسلامية طريق الانحدار.
وبجانب هذا الإرث الروحي الفقهي الكبير الذي توقف، فقد توقف أيضا ما كان قد تم تأسيسه من حياة علمية مادية، من قبل العلماء والفلاسفة والمفكرين لتحسين الحياة المعيشية بجانب الحياة الروحية، وهي القائمة الأخرى التي يجب أن تقف عليها كل حضارة، ومن يطّلع على ما قدمه العلماء العرب والمسلمون في الجانب الفكري والعلمي، يجد أنهم بنوا مشروعا رائدا، ويملك الخصوبة التي تمده بالحياة والنمو والتقدم، لولا أن تم وأده بعد الحروب الصليبية بسبب ما تلاها من خراب، أنهك المجتمعات، بالإضافة للحكام الجهلة من الأيوبيين المماليك والأتراك، ونضيف إليهم الفقهاء الذين قللوا من شأن العلوم الطبيعية ولم يشجعوا عليها لأنهم لا علم لهم بها ولا خبرة.
إن ما نتغنى به اليوم ونقول إن الغرب قد أخذ هذه العلوم العربية من الحضارة الإسلامية وبنى عليها حضارته الحديثة، نقول هذا تقليلا من شأن الحضارة الحديثة وتعظيما لتاريخنا، ولكن لماذا لم نتساءل عن جدوى قتلنا للعلوم الطبيعية من اجل العلوم الدينية؟ لماذا تعاملنا مع العلم العقلي كما يتعامل الفلاح مع الأعشاب الضارة في حقله؟ لماذا قام العلماء الأوروبيون بالبناء فوق المداميك التي بناها العرب والمسلمون؟ في وقت نحن عزفنا فيه عن الجانب المادي في الحياة لحساب الجانب الروحي؟ لماذا أطنبنا في تخيل ما في الجنة من نعيم، وما في جهنم من أهوال وما في القبر من عذاب؟ ولم نستطع أن نطور النار الرومية -كما سُميَتْ- حيث استعملوا البارود الذي تعلموا صناعته من الصين في الحروب الصليبية كقذائف نارية في المعارك البحرية، ليطورها الأوروبيون فيما بعد إلى مدافع وصواريخ، واستعملها بعد حين سليمان القانوني في هزيمة المماليك في مرج دابق.
.نقول هذا لكي نعلي الصوت في وجه السلفيين والإسلاميين والشيوعيين والقوميين والطائفيين وكل من له طموح نحو بناء حضارة ننتمي إليها، إن الحضارة الحديثة هي حضارة علم ، بغض النظر عمن يسميها حضارة مادية، وإن كل الأمم التي تقدمت لم تتقدم، لا بالدين المسيحي ولا اليهودي ولا بالبوذية أو الهندوسية أو الطاوية أو الشيوعية أو الاشتراكية، إنما تقدمت بالعلم وبالعلم فقط.
وننادي كل العاملين في مجال الإسلام السياسي بالرجوع عن المناداة بالبدء من حيث توقف الحكم الراشدي، أو المناداة بأن نبتدئ من النقطة التي توقف عندها ابن الهيثم وجابر بن حيان والبيروني والخوارزمي ابن سيناء وابن خلدون وابن رشد، ذلك أن الزمن قد تجاوز تلك النقطة.
أرجو أن لا يفهم أحد كلامي بحرفيته الظاهرية، فقد سبق أن بنى الغربيون على أفكار علمائنا العلمية ولا مجال لذلك الآن، فالعلم تراكمي، فإن أردت أن تبني فعليك أن تصعد القمة وتبني فوقها مدماكك الجديد، قبل أن تُسبَقَ لذلك، ولأن هذا مستحيل، فلا بد أولا من بناء العقلية العلمية والتفكير العلمي، وترك الشعارات التي لا معنى لها، والتوقف عن وعظ الناس على أنهم بحاجة إلى الإسلام الصحيح، والتزلف إلى العامة من الناس، لكسب تأييدهم ، فالعامة لا يفقهون إلا بقدر عقولهم البسيطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلاااااااام رسااااااااااااالة
عبد الله اغونان ( 2017 / 1 / 23 - 02:06 )

الاسلام قصدا رسالة لذلك سمي المبعوث رسولا
في الاسلام جوانب حضارية بمعنى تنظيم حياة الناس وعمران الأرض وفتح افاق العلوم
الاسلام كان دولة مدة يسيرة في عهد الخلفاء الراشدين
ومازال كدولة حلما
يراجع حديث الخلافة


2 - الدولة تختلف عن الحضارة
سعادة أبو عراق ( 2017 / 1 / 23 - 09:51 )
انا اكتب مقالات تنويرية، ألهدف منها هو إعادة تعريف الأشياء،، ذلك اننا نعاني من الفهم السطحي او الشخصي للأمور ، وهذا جعل الحوار والفهم بيننا معدوما، وأدعى إلى المخاصمة والإقتتال ، الذين يريدون دولة اسلامية ، لا يعرفون شيئا عما يتكلمون ،والذين يقولون اننا خير امة اخرجت للناس لا يعرفون معنى خير امة، فيا اخي انا قلت ان الحضارة شيء والدولة شيء ،ولكن من الممكن ان تكوت دولة همج لا تملك حضارة ـ ويمكن ان تكون حضارة ،كحضارة انكا بدون دولة وشعب ، وهذا التقعيد له ما بعده لكي لكني نكون على بينة عندما نريد ان نبني دولة او حضارة، وانت تدافع عن الإسلام كأني انكر ان هناك جانب حضاري

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب