الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنظيرات حول الحرية

أحمد عدلي أحمد

2006 / 1 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ماذا تعني الحرية؟...الحرية ببساطة تعني القدرة على الاختيار بين البدائل وتنفيذ الخيار المفضل.
كيف يمكن أن يصبح الإنسان حرا؟

عندما يكون قادرا على الوعي بالبدائل، وقادرا على الاختيار بينها، وعندما يكون قادرا على تنفيذ اختياره، أي تحويله من حلم إلى واقع، فالمريض بخلل عقلي يمنعه من الوعي بالبدائل، والاختيار بينها لا يكون حرا حتى لو أتيحت ليديه أن تمارس أعمالا أكثر من العاقل لأن أفعاله لا تقوم على أساس من الوعي والاختيار، وأيضا فلا يمكن أن أقول أنني حر في أن أحمل بيتي على كتفي لأنني لا أملك القدرة لفعل ذلك.
ثلاث قدرات إذن تتحكمان في الحرية:
· القدرة على الوعي بالبدائل
· القدرة على الاختيار
· القدرة على تنفيذ الاختيار
فالعالم أكثر حرية من الجاهل لأنه أكثر قدرة على الوعي بالبدائل ، والاختيار بينها ، كما أن القوي أكثر حرية من الضعيف لأنه يمتلك قدرة أكبر على تنفيذ خياراته، والقوة هذه قد تكون جسدية ، أو تقنية ، أو مالية ، أو سلطوية.
أن تكون حرا فهو يعني أن تكون واعيا قويا ، وبدون هاتين القدرتين لا توجد حرية

ما هي حدود الحرية؟

تأسيسا على ما سبق تصبح حرية الإنسان محدودة بلا شك طالما أن القدرات الثلاث الأساسية لها لا يمكن أن تتحقق لأي إنسان بصورتها المطلقة، فالإحاطة الكاملة بالبدائل المختلفة بمعنى العلم المطلق لا يمكن أن يتحقق، فأفضل ما يفعله العالم الحق أن يكون واعيا بفداحة جهله ، وكذا قوة الإنسان مهما عظمت فلا بد أنها محدودة مهما كانت هذه القوة ، وحتى القدرة على الاختيار ، فهي دوما محدودة ، ودون الاعتبار للمعوقات الاجتماعية لهذه القدرة فإن مجرد مجيئنا للحياة وذهابنا منها دون اختيار لدليل كاف على محدودية قدرتنا على الاختيار ، ولكن مع الاعتراف بهذه المحدودية فإن حرية الإنسان ممكنة وإمكانيات زيادتها كبيرة جدا لأن إمكانية تطوير قدرات الحرية الثلاث متسعة جدا لأغلب الأشخاص، وأنا أتحدث هنا عن الحرية كمفهوم اجتماعي بالأساس ، فالبعد الفلسفي للمسألة "الجبر والاختيار" المناقش بتوسع كبير في الأدبيات الفلسفية الإسلامية والمسيحية والعلمانية ليس هذا مكانه.
يمكن توسيع حرية الإنسان بزيادة معارفه التي تتيح له وعيا أفضل بالمسائل المختلفة، إن الانتقال من حالة الأمية إلى حالة القراءة، من حالة العزلة المعرفية إلى الانفتاح، من حالة التعصب إلى قبول الآخر، من حالة الانحياز إلى الهوى والآراء المستقرة إلى التفكير النقدي والاحتكام للدليل..كل ذلك يضمن زيادة الوعي بالبدائل و القدرة على الاختيار بينها، وبالتالي زيادة في الحرية
من جانب آخر فإن توسيع حرية الإنسان يكون من خلال زيادة قوته بالانتقال من حال المرض إلى الصحة ، من حال الضعف البدني إلى القوة، من حال الرق إلى السيادة، من حال الفقر إلى الغنى ، من حال الذل إلى العز، من حال المعيل إلى الاستغناء. جميع ذلك كله يؤدي إلى زيادة القدرة على تنفيذ الاختيار، أي توسيع مجال الحرية.

مجتمع الأحرار أم مجتمع الأدوار؟

إذا كانت الحرية حق للفرد ، فهل صحيح أن توسيع الحرية يخصم من مصلحة المجتمع...هل الحرية تتعارض مع الدور الاجتماعي؛ مع الإضافة التي ينتظرها المجتمع
من الأفراد...هناك مدارس اجتماعية ترى الفرد مجرد ترس في ماكينة.. عضو في جسد.. مدارس تتحدث عن الطبقة والجمهور والشعب باعتبارها وحدات التأسيس للمجتمع ، فالفرد فيها ينبغي أن يكون ممتزجا في هذه التجمعات ، في مرحلة من بدايات القرن العشرين كانت هناك دول تقوم بتعقيم المصابين ببعض الأمراض الوراثية لتحسين السلالة القومية... فلا دور للفرد هنا سوى خدمة الجماعة، العلاقة بين حق الفرد في أن يكون حرا وحق المجتمع في الاستفادة من هذا المواطن وبالتالي حقه في أن يضع الحدود أمام قدرة الفرد على تنفيذ بعض خياراته هي صلب النقاش السياسي والاجتماعي حول الحرية. إن الإجابة عن هذا السؤال لن تكون ممكنة قبل تحديد ماهية العدل وعلاقة الحرية به.

العدالة وحدودها الاجتماعية

يظل الربط الذهني بين العدالة والميزان أحد أدق التصورات حول العدالة ، ولقد ظهرت هذه الفكرة في الأدبيات المصرية القديمة فحسب الأسطورة فإن الإله أوزوريس بقوم بتقويم أعمال المتوفى من خلال وزن قلبه مقابل ريشة، وفي التراث الإسلامي فالصورة تتكرر مرات ومرات ولعل أوضح ما في القرآن من ربط العدالة بالميزان هي الآية من سورة الحديد "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" ، والميزان في هذه التصورات بالطبع هو الميزان التقليدي ذي الكفتين وليس الميزان الديجيتال الحديث الذي ورثه ، ففي حالة الميزان ذي الكفتين فإن الوزن يكون عادلا إذا اتزنت الكفتان ، فإذا كانت الموزونات هي المصالح المختلفة فإن العدالة تصبح كيفية إقامة التوازن بين هذه المصالح بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم العلاقة بين الحرية والالتزام المجتمعي، فإذا كان الاختيار بين البدائل المختلفة وتنفيذ هذا الاختيار يمثل حقا للفرد ، فإن استفادة المجتمع من أفراده تمثل حقا للمجتمع ، كما أن عدم تضرر أي أفراد آخرين بخيارات أحد الأفراد يمثل حقا آخر ، ويصبح هدف الفكر والقانون هو الإجابة عن التساؤل المعقد عن كيفية إقامة التوازن بين هذه الحقوق، وسوف نناقش هنا بعض المفاهيم حول هذا الموضوع
تعتبر الجملة المنسوبة لأحد قضاة المحكمة العليا الأمريكية "إن حريتك في تحريك يديك تحددها مكان وجهي" أحد أهم مبادئ الحدود الاجتماعية للحرية ، ومضمونها أن حرية فرد لا يصح أن تسبب ضررا لفرد آخر ، ولكن تحديد معنى الضرر هنا يطرح تعقيدات جديدة، فقد يعتقد البعض أن من حقه التحكم في لون حذائك حتى لا ترتدي لون يزعج عينيه، وبشكل ما فإن هناك أضرار لا خلاف حولها مثل أن تتسبب بعض الخيارات في القتل، أو الإصابة، أو ضياع المال، بينما الخلاف ينشأ فيما يتعلق بأضرار غير مادية ، وأيضا فإن هناك حالة أن تتسبب بعض الخيارات في حرمان الآخرين من الانتفاع الأمثل بحقوقهم ، فمثلا أن يتسبب رفع بناء أمام جار من منعه من حق الانتفاع بالموارد الطبيعية العامة مثل الرياح وأشعة الشمس، وبالإضافة لمراعاة الأفراد الآخرين هناك قضايا ترتبط بحقوق المجتمع ككل، فمثلا قد يمثل حق المجتمع في تلقي المساهمة من أفراده القادرين قيدا على اختيار بعض أفراده للبطالة، وكذلك فإن حق المجتمع في الاستفادة المثلى من الأراضي التي يسيطر عليها قد يتعارض مع حقوق الأفراد في الاختيار الحر فيما يتعلق بالتصرف في ممتلكاتهم من الأراضي والعقارات مثل تحويلهم بعض الأراضي الزراعية إلى مساكن مثلا، وأيضا فإن حق المجتمع في البقاء وفي ضمان أجيال صالحة قد يتعارض مع بعض الاختيارات الجنسية للأفراد، وهكذا..... في التعامل مع هذه التعارضات تنقسم المجتمعات بشكل عام إلى مجتمعات تسلطية، وهي مجتمعات تفترض الأولوية لمصالح المجموع التي تعلو على حساب الأفراد ، في هذه المجتمعات تظهر تعبيرات مثل المواطن الصالح ، وهو المواطن الخاضع لإرادة الجماعة ، ولأن الجماعة لا تتحدث ككتلة أبدا ، فإن نخبة ما عشائرية أو أرستقراطية أو ثيوقراطية أو عسكرية أو غيرها هي التي تتحدث باسم الجماعة ، وتتولى حراسة التقليد الاجتماعي وتفسيره والاستفادة منه كذلك، بالتالي تصبح هي نفسها المجتمع ويسقط الأفراد جميعا أسارى في يد هذه النخبة، وفي المقابل هناك جماعات تطالب بالحرية المطلقة وتعتبر التقليد الاجتماعي قيدا يجب كسره ، وعبر التاريخ مثلت ظاهرة الصعلكة (والهيبيز نموذج غربي لها) مثالا لهذا التيار ، وبرغم إعجاب البعض بهذا النموذج من التمرد، فإن عداء تلك الأفكار لمبادئ الاجتماع الذي هو أساس التمدن قد جعل قبوله على نطاق واحد معادي لطبيعة البشر، وبين الضدين تقف فكرة الميزان كحل أكثر نجاعة إذ تصبح مهمة المفكرين والقانونيين ليس التفضيل بين حقوق الأفراد المتعارضة ، مثلما تظهر في صيغة "الانحياز لمحدودي الدخل" التي تفتخر بها بعض الحكومات والتي تعني فعليا الانحياز ضد الأغنياء ، ولا التفضيل بين حرية الأفراد ومصالح الجماعة ولكن إيجاد الحلول التوفيقية بين جميع هذه المصالح المتعارضة أي دفع الميزان باتجاه التوازن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا