الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم التاريخ و (( مضار التاريخ ! ))

موسى راكان موسى

2017 / 1 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يقول هيجل : (( الحكام و الساسة و الأمم مطالبون يقينا بأن يدرسوا التعاليم التي تقدمها الخبرة أو التجربة في ميدان التاريخ ، لكن ما تعلمه التجربة و التاريخ هو أن الشعوب و الحكومات لم تتعلم شيئا قط من التاريخ ، و لم تعمل وفقا لمبادئ مستمدة منه ، إذ يندمج كل عصر في ظروف خاصة ، و يعرض وصفا للأشياء فريدا تماما في نوعه ، لدرجة أن سلوكه لا بد أن تحكمه اعتبارات مرتبطة بذاته ، و بذاته وحدها . فالمبادئ العامة لا تقدم أي عون وسط ضغط الأحداث الكبرى ، و من غير المجدي الارتداد إلى مماثلة في الماضي . و عبثا تناضل ظلال الذكرى الباهتة مع حياة الحاضر و حريته )) .

((مضار التاريخ !)) هو عنوان طرح للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف بالحوار المتمدن (عدد 5398) ، و بقدر ما كان وفيا لذكرى استاذه فاضل حسين كانت له كلمته في الطرح ، و إن بدت أكاديمية أكثر من اللازم .

فمضار التاريخ في مجمل الطرح هي في كونه :
* يساعد على تفكك المجتمعات .
* يخلق الأحقاد و يعمق الخلافات بين البشر .
* يفرّق بين الأقوام ، بل و يفرّق بين أفراد القومية الواحدة .

و توخيا للدقة ، فالاستاذ يُنوّع في ما يقصده بمضار التاريخ :
* التاريخ إذا ما كتب بطريقة خاطئة أو مقصودة ، فساعد على تفكك المجتمعات (... إلخ) .
* كتب التاريخ فيما إذا ألفت وفق المنظور الطائفي أو المذهبي أو الديني أو القومي تساعد في تأجيج الخلافات .
* التاريخ إذا ما ترك بدون تدخل إيجابي ، يترك آثارا مؤذية و مضرة .
* سوء عرض الأحداث ، و انتقاء البعض لما يعجبهم من الاحداث ، و ما يتلاءم مع ما يريدونه .
* من يلجأ إلى التاريخ ، ليأخذ منه ما يؤجج المشاعر ، و يثير الحساسيات .
* دروس التاريخ إذا اعطيت بطريقة تبث الفرقة أو تبرز مظاهر سلبية أو تتناول أحداثا تبرر الانقسام و الاختلاف أو تزرع العداوة .

طبعا لا يخلو الطرح من ذكر لمنافع التاريخ :
* العبرة .
* فهم جذور المجتمعات الانسانية ، و طبيعتها ، و علاقاتها .
* المساعدة في تكوين رؤية مستقبلية تدفع بالمجتمع إلى التقدم و النجاح .
* إبراز الايجابيات و حالات الاتحاد و التعاون و وضوح الروح الانسانية .

لحسن الحظ أن الاستاذ يتحدث عن التاريخ الذي يعنيه من خلال التحدث عن أركان أو مبادئ عامة :
* التاريخ يكتب على عدة مستويات .
* في التاريخ كل حقيقة هي نسبية .
* الكتابة التاريخية : إعادة تشكيل الحدث كما وقع بالضبط ، أي مهمة مشابهة لمهمة المصوّر الفوتوغرافي .
* عدم التعجل في التعليل و التحليل ، مع اعطاء هامش من الخطئ .
* ثمة مدارس كثيرة في التفسير التاريخي .


التاريخ من حيث هو (إخبار) ليس هو نفسه التاريخ من حيث هو (علم) ، فالأول نقل للمعرفة و سبب الحدث هو التسلسل الحدثي و التدخل الميتافيزيقي ، أما الثاني انتاج للمعرفة و سبب الحدث يكمن فيه نفسه بلا تدخل ميتافيزيقي . و في التاريخ من حيث هو (إخبار) نجد الإخباريين و القصاصين و الورّاقين ، دون الغفل عن سيادة التفسير الديني و الميتافيزيقي . أما في التاريخ من حيث هو (علم) نجد المدارس أو المذاهب التاريخية الحديثة (الما بعد خلدونية) ، و لا يمثل الإخبار أو التفسير الديني مدرسة منهن ، و قيام الاستاذ بوضع التفسير الديني بجانب تفاسير المدارس الأخرى لهو من التضليل . و كل ما قام بذكره في الطرح من فوائد و مضار و مبادئ ينطبق على التاريخ من حيث هو (إخبار) .

فالمشكلة عند الاستاذ مع التاريخ ليس في كونه (( سرد ، و وصف و تكرار لأحداث )) و هو تاريخ من حيث هو (إخبار) ، لكن في كونه (( سرد ، و وصف و تكرار لأحداث تفرّق )) ، و كل ما يبتغيه على ما يبدو هو في أن يكون التاريخ ((سرد ، و وصف و تكرار لأحداث )) (( تركز على قيّم المحبة ، و التفاهم و التسامح )) ! .

الجدير بالذكر أن الفكر الطائفي ليس في التفرقة و البغضاء فقط ، بل و في الانسجام و التسامح ، فالفكر الطائفي طائفي و إن كانت دعوته هي إلى الاتحاد و التسامح . مع تحرير العراق 2003 تم اقتباس النموذج التعددي الأمريكي في العراق ، و التعددية إنما هي طائفية (جماعاتية) ، فعلى الرغم من أنها في الولايات المتحدة الأمريكية تسير بهيئة (التسامح و الاتحاد) ، إلا أنها في العراق تسير بهيئة (البغضاء و الانفصال) ، و أسباب ذلك اجتماعية ليس في الوسع تقديم تحليل عنها ها هنا .

في الختام يكشف استاذ التاريخ (الإخباري) عن نزعته الدينية : (( القرآن ... عرض لأحداث تاريخية ... و كان الهدف الالهي ... ليس اظهار العداوة بقدر ما كان اظهار العبرة )) . إن مسألة (اظهار العداوة) و (اظهار العبرة) لا يحددها النص أو صاحب النص ، و بلا شك لن تحددها الرغبة الذاتية عند الاستاذ ، فالحكم للواقع الاجتماعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية