الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار العلماني و التيار الاسلاموي

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يستطيع خصوم العلمانية في العالم الاسلامي و على رأسهم انصار التيار الاسلاموي ان يكفّوا عن نشر المغالطات بشأن العلمانية و تاريخها و اهدافها, لأنهم لم يريدوا و لا يريدون قراءة التاريخ فيعتبرون العلمانية استيراد غربي لا علاقة له بالعالم العربي فهي عبارة عن ابتكار غربي جاء للقضاء على سلطة الكنيسة على العقل و العلم و شئون الحكم و بما أن لا كنسية في الاسلام, لا يحتاج العالم الاسلامي الى العلمانية. وهذا في رأينا طرح غير سليم لأن من اسباب ظهور العلمانية هو الصراع البروتستانتي الكاثوليكي الذي دام اكثر من مئة سنة مثل الصراع السني الشيعي و السنة مع الخوارج و غيرها من الفرق و سالت الدماء و الكل كفّر الكل, فابتكرت اوروبا نظاما اسمته النظام العلماني لأنه لا يمكن لأروبا ان تتفق على دين واحد و لا على مذهب واحد.
و لأخافة الناس يتم صبغ الدعاية ضد العلمانية بالدين فكما قال محمد اركون ’’ يكفي ان تصبغ فكرة بالدين لكي يتبعك العرب ’’ يتم المقارنة بين الاسلام و العلمانية كما تم المقارنة بين الاسلام و الاشتراكية فهذه اما طريقة خبيثة لاجتذاب البسطاء الذين لا اطلاع لديهم على مثل هذه المواضيع وفي هذه الحالة يصبح الأتباع قطيعا لأنهم لا يستطيعون النقد والمعارضة لأنه في نظرهم معارضة الدين هي هرطقة و تجديف او أن الذين يسمون انفسهم خصوما للعلمانية لا زالوا يخلطون بين الديني و الدنيوي و لا يستطيعون النظر الى الامور سوى بنظرة الدين و خصوصا نظرة ’’ الحلال و الحرام ’’, لكن الذين يعقدون المقارنات بين الاسلام و العلمانية لا يعلمون انهم يضعون الاسلام نفسه في وضع محرج لأن هناك الكثير من الدول التي طبقت العلمانية ووصلت الى مستويات متقدمة من الحضارة و الديمقراطية ولم تعرف الاسلام مقابل العالم الاسلامي الذي ابدعت دوله في انتاج النماذج الناجحة في التخلف في جميع الاصعدة و الارهاب و الانظمة الاستبدادية ورغم ان الفهم المتزمت للإسلام و رفض كل محاولة تحديث هو الذي انتج هذه الاوضاع الكارثية في العالم الاسلامي نجد انه من غير المجدي ان نقارن بين نماذج علمانية ناجحة و بين عقيدة و عليه يجب مراجعة الاسئلة على شاكلة ’’ هل انت مسلم ام علماني ؟ ’’ فالسؤال عن العقيدة يجب ان يكون عقائديا وليس سياسيا و على اي حال هذا الخلط في المفاهيم يتحمله من يمارسون التزييف و التدليس بطريقة محترفة لكسب الاتباع و من العجيب على الذين ينتقدون العلمانية و يزعمون انها خطر كبير على الاسلام ان نجد المسلمين في الهند يطالبون بالعلمانية و احترام الاديان و حرية المعتقد وهذا بسبب صعود الهندوس الى الحكم و تهديداتهم للمسلمين بمواجهة مستقبل اسود, لكن بالمقابل لا يجد المسلمون اي حرج في مضايقة الاقليات الدينية غير الاسلامية و بل حتى الاسلامية التي تخالف رؤيتهم للإسلام.
و المغالطة الاخرى التي يحاول تسويقها خصوم العلمانية هي ان العلمانية هي من مخلّفات الاستعمار الاوروبي للبلدان الاسلامية فالاستعمار نشر الفكر العلماني لإبقاء تلك البلدان في حالة تبعية و الفكر العلماني نما فيها بسبب المثقفين المتشبعين بالثقافة الغربية. و لانفهم من هذه الهرطقات كيف للاستعمار الذي خرج بقوة السلاح ان يكافئ من اخرجه بأن يعلمه نموذجا الذي هو بسببه تقدم العالم الاوروبي ؟؟؟ فاذا اراد الاستعمار ان يبقى في و طن فهو يلجأ الى ربطه بالمعادات و الاتفاقيات التي تمس سيادته و ثرواته و ليس ان يعطيه مفتاحا يحرره من تلك التبعية, فالتبعية يصنعها من لهم مصالح مشتركة مع الاستعمار و الذين يريدون السيطرة على الاوطان وليس الذين يحاولون تنوير المجتمع و صنع مجتمع عقلاني حداثي يتكيف و يساير العالم ويشاركه في صنع القرار الدولي بكل جرأة و يستطيع ان يواجه كل من يتربص به و بسيادته.
لا يمكن ان ننكر ان من احد اسس العلمانية المساواة امام القانون دون اي تمييز على اساس العرق او الدين او الجنس او لأي سبب أخر لكن في المقابل من يمارس التمييز هو التيار الاسلاموي الذي يقسم الناس على اساس ديني و يتعامل مع الأقليات بطريقة تعسفية مثل تعامل الاستعمار فاكبر دليل هو السودان كمثال و بالتالي من يعطي الحجة للاستعمار للتدخل بحجة حقوق الانسان هم الاسلامويون فهم الذين يسلّمون البلدان الاسلامية على طبق من ذهب الى الاستعمار دون التذكير بأن أكبر حليف للاسلاموية هي القوى الامبريالية نفسها وكما قلنا ان التيار الاسلاموي يحاول تخوين دعاة العلمانية و تكفيرهم و جعلهم محسوبين على الاستعمار فاننا لا نفهم كيف يتعمدون تغييب انصار الحداثة و النهضة التي هي نتاج العلمانية مثل الشيخ علي عبد الرازق و محمد عبده و الكواكبي و هم مسلمون وطنيون بشهادة اغلبية المسلمين فلا يمكن ان تتفق الأمة الاسلامية على ضلال حسب الاعتقاد الاسلامي.
و يحاول خصوم العلمانية ايهام الناس ان النظام العلماني يهدف الى اقامة الحياة على غير الدين و نشر الالحاد بين المجتمع, لكن في الحقيقة ما تصبوا اليه العلمانية هو اقامة دولة تبنى على مفهوم المواطنة و المساواة امام القانون و الحفاظ على الحريات الشخصية منها حرية المعتقد و التدين لمنع قيام الحروب الطائفية بين ابناء الوطن الواحد و تجنب تعرض وحدة الوطن و نسيج المجتمع للتفسخ و التقسيم. كما ان العلمانية لا تفرض على الأخرين اعتناق معتقد معين مهما كان لأن ليس من مهمتها حمل الناس على التدين لأن مسألة المعتقد مسألة شخصية لا يمكن للدولة العلمانية ان تتدخل فيه, كما ان مهمة الدولة هي رعاية مصالح الناس و الدولة عبارة عن مؤسسات و ليس افراد لكي تتدين فمصالح الناس و أمنهم تتعرض للخطر ان انحازت الدولة الى دين معين, و في الجهة الأخرى من يفرض التدين على الناس و يصادر حريات الناس المكفولة دستوريا ويكمم افواه الأقليات هو التيار الأسلاموي الذي يعتبر نفسه حارسا للدين فاذا كان ممثلي هذا التيار في البلدان الاوروبية تجدهم يستعينون بالنصوص القرآنية المكّية التي تدعوا الى التسامح الديني و عدم اكراه الناس على قبول المعتقد الاسلامي و عندما يتواجدون في البلدان الاسلامية يرددون نصوص القتل و السبي و العبودية رغم ان تلك النصوص جاءت في سياق معين و لبيئة قاسية و متوحشة تعتبر السيف و القتل شيئا عاديا فالنفاق و الذرائعية شيئ معتاد و عادي عند التيار الاسلاموي اما قضية الحريات فهم ابعد الناس عن مفهوم الحرية فهم لازالوا يحلمون بزمن امتلاك العبيد و الجواري و الغلمان فتجدهم يتدخلون في أدق تفاصيل الأمور الشخصية للناس بحجة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر رغم ان مايراه احد الاشخاص منكرا يمكن ان يراه شخص اخر شيئا عاديا فليس لكل الناس طريقة واحدة ثابتة لفهم المعروف و المنكر فالمنكر الحقيقي هو في انتهاك حريات الناس كما أن الدعوة للمعروف و النهي عن المنكر هي من مهمة الدعاة من منابر المساجد و ليس بضرب الناس في الشوارع ان دخنوا سيجارة او اقتحام بيوت الناس ان سمعوا فيه موسيقى مثلما يحدث في السعودية.
و علي اي حال الطرف الذي يجب ان نلومه هو التيار الاسلاموي و ليس اتباعه التعساء لأنهم اوهموا قطيعهم اننا يمكنا ان ننظر الى الواقع بنفس نظرة اجدادنا الذين عاشوا في القرن 12 بل نظرتهم للدين و الدولة نظرة مقدّسة من خرج عليها كفر كما ان من انتقد هؤلاء البشر هو ايضا كافر فالتيار الاسلاموي الذي يدّعي ان الانظمة العربية الاستبدادية هي انظمة علمانية فيحق لنا ان نتسائل ان كان دستور دولة الجزائر مثلا في مادته الثانية ينص ان دين الدولة هو الاسلام يسمح لنا هذا الأمر بأن نقول ان الجزائر نظامها علماني ؟ هل الجزائر التي تسمح للجماعات السلفية بالدعوة الى التضييق على الطوائف الدينية الأخرى هي دولة علمانية ؟ هل مصر التي يهدد فيها الاخوان بتحويلها الى بحر من الدم ان تم الغاء المادة الدستورية التي ذكرناها سابقة هي دولة علمانية ؟ ان من اعطى الشرعية للاستبداد و اسسه على شرعية دينية هم الاسلامويين, اليس الوهابيين في السعودية يقولون لا خروج عن الحاكم ولو سرق مالك ؟
فمن يتحمل مسؤولية اطالة اعمار الانظمة الاستبدادية في هذه الحالة ؟ هل الشعب المصري الذي خرج على مبارك و طالب بالحربة و الكرامة كافر و ضال اذا ؟ ان الحركات الاسلاموية التي تشارك الاستبداد في تسيير مؤسساته المزورة وغير الشرعية و ترتمي في احضان الامبريالية هي التي تدعم الاستبداد و ليس التيار العلماني الذي يدعوا الشعب الى تغيير حاكمه ان استعمل السلطة لأغراض هدّامة, ان التيار العلماني يساوي بين ابسط عامل في الدولة و بين رئيس الدولة فهم يؤدون وظيفتهم من اجل خدمة شعبهم فغايتهم غاية واحدة وليس التيار الاسلاموي الذي يهدر دم معارضي الحكام و يجبروا الناس على القبول بالذل و المهانة.
ان الشيئ الذي يثير الحيرة هو لماذا يشارك التيار الاسلاموي في الديمقراطية و الانتخابات رغم انهما ابتكار غربي فالمنظور الاسلامي يقول ان اتباع الغرب امر لا يجوز و السير على خطاهم هو تشبه بهم و لايجوز التشبه بالكفّار فلماذا يؤسس الاسلاموييون احزابا سياسية؟ لماذا يشاركون في البرلمان ؟ اليس مفهوم الدولة هو اصلا مفهوم غربي ؟ ان كان الاسلام دين و دولة فهل هناك نص شرعي قطعي الدلالة يشير الى مفهوم الدولة في الاسلام ؟ فان كان هناك دولة في الاسلام لماذا الله لم بذكرها في القرأن بوضوح حول مؤسساتها و طريقة تسييرها و مدة العهدة الرئاسية و كيفية اختيار الحاكم ؟ الم يفصّل القرأن في قضايا التوحيد و العبادات و ترك الامور الدنيوية للبشر يجتهدوا فيها حسب مقتضيات عصرهم ؟ اليس رسول الاسلام هو من قال ’’ انتم ادرى بشؤون دنياكم ’’ ؟ فاذا الاسلام دين ودولة و الحياة دين و العلم دين و كل شيئ دين فأين الدنيوي اذن ؟ اذا كان الحكم الا لله فذلك يقتضي ان يكون الحاكم نبيا اليس في القرأن نص يذكر ان بني اسرائيل كانت تسوسهم انبيائهم ؟ فمن اين يستمدون الجرأة للافتئات على الله ليصفوا الحاكم بأمير المؤمنين ليساووه بالأنبياء ؟ اليس في الاسلام حزبان لا غير حزب الله و حزب الشيطان ؟ اذن ماذا سيفعل الاسلاموييون بأحزاب المعارضة من مختلف الايديولوجيات ؟ .
في الحقيقة كل ماتقوم عليه حجج الاسلامويين لتبرير تصرفاتهم لا تقبل ان تكون الا مجرد خزعبلات لا اساس منطقي لها فهم يستخدمون الميكيافيلية في جميع تعاملاتهم و الميكيافيلية حتى مع عقولهم الميتة التي تعجز عن ايجاد حجج منطقية مقبولة لمواجهة التيار العلماني فالدين و الدولة شيء واحد عندهم وهذا شيء عادي بالنسبة لهم فهم يخلطون كل شيء ببعضه, ان مطالبة المسلمين بالعلمانية في الهند و دعوتهم للحفاظ على الديمقراطية بعد الصعود الكبير للتيارات اليمينية المتشددة في اوروبا يبين ان العلمانية ضرورة لا مفر منها في العالم العربي الاسلامي و ان المنتج لخطابات التكفير و القتل و الدعوة الى الكراهية و المتحالف الكبير مع الاستبداد هو التيار الاسلاموي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرحمه والتسامح والعداله الاجتماعيه ....وين
سعد القريشي ( 2017 / 1 / 27 - 07:52 )
هل تبلورت نظريه اقتصاديه اسلاميه على مدى اكثر من الف واربعمئة عام من ظهور الاسلام وهل قدم المتأسلمون نظام حكم اسلامي رشيد على مدى هذا الزمن. سمة المسلمون امس واليوم وغدا البؤس والحرمان والفقر والاحتراب والغدر والخيانه والخنوع والاستكانه والاستواء على بعضهم البعض .... النظام الاسلامي في قم وطهران نموذجا