الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاهلية المسلمين في زمن الانفتاح والعولمة

حسني أبو المعالي

2006 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يكاد شبح الحرب الأهلية في العراق بعد مجيء الاحتلال أن يكون أمرا واقعا لولا حكمة عقلاء الأمة من السنة والشيعة غير المتعصبين وغير المتطرفين والمنحازين لهذا الطرف أو ذاك، والذين عملوا وما زالوا يعملون على تفادي حرب طائفية حقيقية لو قامت – لا سمح الله – سيكون الخاسر الوحيد فيها هو العراق وشعبه، والرابح فيها في كل الحالات هم المحتلون و أعداء العراق الذين فشلوا لحد الآن في تطبيق سياسة فرق تسد، ولكننا مازلنا نطمح بل ونطمع من ذوي النفوس الخيرة والنيرة أن يجتهدوا بشكل مضاعف في محاولة أكثر جدية لنزع فتيل الفتنة من جذورها وتلافي كل ما من شأنه أن يخلق مناخا يبعث على الحساسيات بين أبناء الأمة الواحدة من أجل أن يجتمعوا على حب الوطن وتقسيم الخيرات بالتساوي، لا أن يعملوا على تقسيمه وتجزئته من منظور طائفي أو على أساس الأكثرية والأقلية لصالح المحتل.
.لقد جلبت لنا الانتماءات الطائفية والفرق الإسلامية المتعددة على مر التأريخ الويلات تلو الويلات، وهي في الحقيقة لم تكن سوى صراعات على السلطة بدون أن يحمل كل منها أي مشروع حقيقي يعمل لخدمة الأمة بقدر ما كان يسعى كل طرف الوصول إلى الحكم واحتكار السلطة باسم الدين تارة وباسم الشعب تارة أخرى: كصراع الأمويين مع العباسيين وصراع العلويين مع الأمويين وكذلك الصراع بين الفاطميين والأغالبة والفاطميين مع العباسيين، مرورا بحرب الطوائف في الأندلس، و هلم جرا، ولم يلتفت رجالات تلك الفرق والطوائف والمذاهب – كما هو حالنا اليوم – إلى مصلحة شعوبها وأوطانها وإلى ضرورة المحافظة على وحدتها واستقرار أمنها بقدر ما كان همهم الأكبر هو الحصول على المطامع الخاصة بأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الأمة ومستقبلها وآمالها.
والانقسام العراقي العراقي عبر التاريخ لم يكن بمنأى عن الانقسامات الإسلامية فقد ظهرت الخلافات في تأريخنا الحديث على أشدها إبان ثورة تموز عام 58 ولكنها تجسدت بين الأحزاب السياسية، شيوعيين وبعثيين وغيرهم وما إن سيطر البعث على مقاليد الحكم واحتل الوطن وأذل شعبه، حتى حل الدمار والخراب بالعراق كله، ويبدو أننا لم نستفد من أخطاء الماضي ولم نتعظ من نتائجه وكأن التاريخ يعيد نفسه، وها نحن نشهد اليوم الانقسام مرة أخرى ولكن على أساس طائفي، سني وشيعي، إنني أتساءل: ما المقصود أساسا بالسنة والشيعة ؟ وما جدوى هذا الاختلاف بين الطائفتين طالما هناك قرآن واحد ورسول واحد والله واحد لا شريك له؟
أعتقد بأن هاتين الكلمتين – سنة وشيعة – هما صفتان دخلتا على الإسلام من باب السياسة وليس من باب الفقه والدين - نشرت هذه الفقرة في مقال سابق، اسمحوا لي أن أذكر بها للضرورة مع بعض الإضافات – وفي عهد أول الصراعات الإسلامية على السلطة والذي شهد حربا نازفة بين معاوية بن أبي سفيان والخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب، كان مصطلح الشيعة ينعت به اتباع كل من معاوية وعلي، فقيل شيعة معاوية وشيعة علي، أما كلمة السنة فالمراد بها المضي على نهج سنة الرسول (ص) وهو نهج لا يختلف عليه المسلمون كافة سنة وشيعة، والغريب أن نجد اليوم أكثر من أي وقت مضى تفاقم الشيع وتناسل السنن، ومهما يكن نوع الخلاف بين زعماء المسلمين في الماضي، فمن الجهل أن نتمسك اليوم بتلابيب إشكاليات ماض سحيق يمتد عمره إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام، نحن نجهل أصلا حيثياتها وتفاصيلها الدقيقة ثم نسقطها على حاضرنا ونحن في عصر العولمة وزمن الفضاء وعصر التقدم التكنولوجي والصناعي وعصر الانترنيت.

المظهر والجوهر

قد تختلف الخصوصيات و تتعدد الأذواق عند الأفراد كما تتعدد التقاليد وتختلف العادات عند الشعوب نظرا لطبيعة الموروث الثقافي والفني لكل بلد، إلا أن العمامتين السوداء والبيضاء اللتين يرتديها فقهاء الدين في العراق ليس لها علاقة بالموروث الثقافي ولا بالتذوق الشخصي، وإنما تنسحب عليها خلفيات طائفية: سنة وشيعة، وهو شكل من أشكال التعصب غير المنطقي، طالما هناك طريقتان للصلاة وقراءتان للأذان ونوعان من المساجد وعيدان لرمضان، ماذا يعني أن تصوم كل طائفة رمضانها في يوم معين وتحتفل بعيدها في يوم معين ؟ ونحن في أرض واحدة وسماء واحدة وهلال واحد، ليس هناك أدنى شك في قوله تعالى: من يرى منكم الشهر فليصمه، ولكن زمن الرسول كان عاريا من كل وسائل الاتصالات المتطورة وأجهزة الرصد التي يمكنها مشاهدة ما يوجد على سطح القمر، وأهم من ذلك لم يكن آنذاك ما يسمى اليوم بالشيعة والسنة المختلفين على المظهر والمبتعدين عن الجوهر.
أستحضر هنا صرخة المتنبي الشهيرة باحتجاجه، على اختلاف المسلمين فيما بينهم حول شرعية الشوارب في الإسلام:

ما غاية الدين أن تحفوا شواربكم .... يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

العراق للجميع

لم تكن أية فئة أو حزب أو طائفة قد تعرضت للظلم والاضطهاد، في عهد النظام السابق، أكثر أو أقل من الفئات الأخرى فقد كان صدام حسين- ديمقراطيا وعادلا- في قمعه للجميع وقد طال هذا القمع حتى أقرب الناس إليه ولهذا لا يحق لأية طائفة أو حزب أو جماعة أن تسم تاريخها بوسام النضال وتصنع لنفسها مقاما متميزا يفضلها على الأطياف الأخرى من الشعب العراقي، فمنذ فترة ونحن نسمع دوي صوت الكردي وصوت العربي السني وصوت العربي الشيعي، وكل منهم يدعي وصلا بالوطن و أحقيته بالخلافة، بدون أن نلمس حضورا فعليا ودورا واضحا لفئات عراقية أخرى ناضلت وعانت الأمرين مثلما حدث للجميع، فأين صوت المندائي والمسيحي والكلداني والتركماني والآشوري والفيلي وغيرهم على الساحة العراقية فالعراق للجميع، للأقلية قبل الأكثرية إن كنتم مخلصين.

إن الإعلان والتصريح على لسان بعض الفرق والطوائف والأحزاب باعتبارها الأكثرية في العراق هو تصريح له حمولته السلبية على مستقبل الوطن وهو إعلان يضعف إمكانية العمل على وحدة الصف العراقي عبر تشبث كل طائفة بثوابتها – المتغيرة أصلا – تبعا لمصالحها الخاصة على حساب مصلحة الوطن، فمبدأ المواطنة يجب أن يسمو على كل أشكال الانتماءات وأن يستأثر مكانته في الدستور وفي كل القوانين الوضعية والشرعية والسماوية، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وأن يتبوأ الرجل المناسب والمرأة المناسبة المكان المناسب بغض النظر عن الطوائف والأحزاب إن كنا حقا نفكر في إرضاء جميع الأطياف، وهو طموح مشروع لكل مجتمع يتطلع إلى بناء مستقبل حضاري لوطن أفضل.

لا لعبادة الأصنام

في عهد الحرية - المقيدة والمربوطة بالاحتلال- يحق لأي فرقة أو حزب أو طائفة ممارسة شعائرها ومعتقداتها كما تشاء، ولكن في الحدود التي يسمح لها قانون الذوق ومعايير الاختلاف في احترام مشاعر الآخرين بدون استفزاز الطوائف والأحزاب الأخرى، لان حرية الفرد كما يقال – تقف عند حدود حرية الآخر، فالتدخين مثلا، مسموح به لجميع البشر ولكنه ممنوع دوليا في المناطق العمومية، حرصا على صحة الآخرين، وينطبق ذلك على حرية الأحزاب والطوائف التي يجب أن لا تتمادى برفع شعاراتها وصور قادتها في كل مكان من الوطن، الشيء الذي قد يبعث على النفور لدى بقية الأحزاب، لقد كرهنا عبادة الصور والأصنام التي فرضها النظام السابق ولا حاجة لنا أن نكرر مأساة الماضي في عبادة أشخاص جدد رحمة بالآخرين وخدمة لأصحاب الصور.

الهوية العراقية أولا

إن دعوة أبو مصعب الزرقاوي بقتل الشيعة، هي دعوة حمقاء بكل المقاييس فهي تهدف أول ما تهدف إلى زرع بذور الفتنة بين المسلمين وبين أبناء الشعب الواحد ولو لم يكن هذا التقسيم موجودا أساسا – سنة وشيعة - لما استطاع ما يسمى بالزرقاوي أن يتطاول باسم الدين والإسلام في أن يفتي بهذه الفتوى التي لا ترقى إلى مستوى الجهاد ولا يمكن حصرها إلا في إطار العمليات الإجرامية. فأي عدوان على الشيعة هو عدوان على السنة وأي عدوان على السنة هو عدوان على الشيعة في ظل التداخل الاجتماعي العريض بين هاتين الطائفتين. فنحن عراقيون أولا وأخيرا، كيف يقتل المسلم أخاه المسلم على أساس الهوية الطائفية، وعلى ضوء أية مسطرة يبرر البعض المجازر التي حصلت في كامل المدن العراقية، لا شك أن وجود المحتل الأمريكي له تداعياته في كل ما حدث ويحدث اليوم على الساحة العراقية، ولكن كيف يدافع المرء عن الوطن بقتله أبناء هذا الوطن؟ و يستهدف المسلمين بحجة الدفاع عن الإسلام؟ لابد أن نعطي فرصة للعقل وفسحة للتفكير في معالجة هذا الموقف ومراجعة الوساوس الوهمية للخلاص من تلك الآفة الخرافية- الطائفية- والتي نخرت عقول المسلمين عقودا طويلة وفرقتهم ومزقت صفوفهم وكأننا في زمن الجاهلية.

يا ذئابا فتكت بالناس آلاف القرون
اتركيني أنا والدين فما أنت وديني
أمن الله قد استحصلت صكا في شؤوني؟
وكتاب الله في المسجد يشكو أين حقي

( للشاعر العراقي محمد صالح بحر العلوم)

إن الله سبحانه وتعالى، هو وحده الذي يحاسب، ووحده الذي يغفر، ووحده الذي يحيي ويميت، فليس لأحد الحق في أن يتجاوز سلطته، كيف يحكم الإنسان على أخيه بالقتل، والله غفور رحيم؟ ويبطش ظلما بالإنسان ولقد كرم الله بني آدم، ويخطف ويذبح باسم الإسلام وهو دين السلام والمحبة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وكيف يطمئن الشعب العراقي لفئة أو طائفة تريد أن تحتل مقعدها في السلطة عن طريق السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة بعيدا عن الانتخابات والديمقراطية؟
نحن بحاجة إلى تربية حقيقية لترميم الإنسان العراقي– بعد سنوات القهر البعثي الظالم وسنوات الحصار الأمريكي الجائر – تربية كريمة تزرع فينا وفي أجيالنا اللاحقة على الأقل، حب انتمائنا النوعي كبشر بعيدا عن التعصب العرقي والطائفي والحزبي، بحاجة إلى تربية سليمة قبل العلم وقبل الثقافة والفن وقبل السياسة وحتى قبل الدين، لان الرسول ختم رسالته الخالدة بقوله: جئت لأتمم مكارم الأخلاق.
يا عقلاء القوم من السنة والشيعة كونوا لنا قدوة حسنة من اجل نشر المحبة بين أبناء الوطن الواحد، ودرعا واقيا من اجل حقن دماء الأبرياء، رحمة بالشعب العراقي المقهور الذي لا يتحمل مزيدا من الويلات والجراح والمعاناة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ