الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن محكومون بالتغيير

سعادة أبو عراق

2017 / 2 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- نحن محكومون بالتغيير
نتكلم كثيرا عن التغيير، ,خاصة حينما نكون حيال التفكير بالتخلف الحضاري والتخطيط للمستقبل، وتغيير الأوضاع السائدة السيئة للمجتمع، وربما هناك طبقة في المجتمع يقلقها التغيير، فترفع شعار الحفاظ على التقاليد والأعراف والهوية القومية أو الطائفية أو غير ذلك، وبعضهم يرى في التغيير مؤامرة استعمارية غربية تسعى لاقتلاعنا من جذورنا، ويرون الداعين إلى التغيير عملاء مأجورين للغرب.
في الحقيقة أننا محكومون بالتغيير، شئنا ذاك أم أبينا، ذلك أن كل ما في الطبيعة مخلوق، ومكون من مواد طبيعية قلقة، هي في ذاتها تتغير، لذلك فإنها في صيرورتها يتغير الجسم المكون منها، فالحديد لا يبقى حديدا، بل يتحول مع الزمن إلى صدأ، أي هو ثاني أكسيد الحديد، وبالتالي سيغير الآلات المصنوعة من الحديد، والماء يتحول إلى بخار أو جليد، ولن نحصي التحولات الكيماوية وغيرها التي تجري فيما نلمسه في حياتنا البيئة، ومالم نستطع الكشف عنه، وعلى الكائنات الحية وغير الحية، مما هو على الأرض وغيرها من الكواكب الأقمار والنجوم والمجرات.
والتغيير في الطبيعة لا دخل للإنسان فيه، لكنه بالتالي محكوم لهذا التغيير، وعلى مدى الحياة كانت التغيرات البيئية تؤثر على الكائنات الحية، فمن استطاع أن يتكيف مع هذا التغيير استمر بالحياة، ومن لم يستطع آل إلى الفناء، وهذا القانون عبر عنه دارون بالبقاء للأصلح.
أما التغيرات التي يجريها الإنسان بإرادة منه ووعي أو من غير إرادة أو وعي، أوجدت منظمات تحذر دوما من الإخلال بالنظام البيئي في مجال درجة حرارة وطبقة الأوزون وثلوج القطبين ، وانقراض بعض الحيوانات، والغابات المطيرة التي تنتج الأكسجين وانبعاث غازات ثاني أكسيد الكربون، كل هذه التغيرات نحن صنعناها، ونحن محكومون بها، وعلينا أن نفعل شيئا نمنع تداعياتها السيئة.
أما التغيير الواعي الذي يمارسه الإنسان فهو نابع من رؤيته المستقبلية أو الرفاهية، فاختراع الآلات التي تساعد الإنسان في حياته وتجعله يبذل جهدا اقل ليكسب عملا أجود وراحة اكثر، كالمواصلات والاتصالات والأدوية والعلاجات والتعليم وبناء المدن الكبيرة كلها تحمل الإنسان على التغيير عنوة.
وبما أننا مجبرون على التغيير، علينا أن نكون واعين بما يجب أن نفعله لكي نواكب التغيير كما يلي:
1-لا بد أن نؤمن أن التغيير هو قدرنا، وانه لا يستأذننا، ولا يمهلنا، وليس لديه مشاعر كي يعطف علينا، وان الزمن الذي قال عنه أينشتاين، أنه البُعدٌ الرابعٌ في المادة، فإنه يفعل بالمواد تغيرا وتحويلا بلا هوادة، وأنه يجرها منذ مليارات السنين إلى الفناء، ولا نعتقد أن الكون كما هو منذ أن خلقه الله.
2-أن نوقن أن لا ثبات موجود إلا في ذهن الأغبياء، وان الجماعات التي تريد أن تعيد الناس لأف سنة مضت وتثبيتنا هناك، هو أمر ضد سنن الطبيعة.
3-إن المجتمعات في صيرورتها بحاجة في كل مرحلة إلى أفكار جديد تجعل من التكيف مع المتغيرات ممكنا، وعدم وجود مثل هذه الأفكار يعني فناء الإنسانية، ولا ينفع معها استعمال الأفكار القديمة.
4-أن نعلم أن هناك تغييرا يفرض نفسه علينا كالتغيرات البيئية، أو الأحداث القدرية، أو الصدفة المحضة، وعلينا أن نجعل منها حافزا فكريا لننجو من النتائج الكارثية أو المحتملة ونتابع مسير الحياة.
5-أما التغيير الإرادي الذي يقود إلى تغيير مستقبلي، فعلينا أن نقوم به بكل قوانا العقلية، ونحسب حسابا للاحتمالات المفاجئة ونتوخاها، وبعكس ذلك نكون مع حثالة الأمم، ونزيح من الأذهان وجود شياطين بشرية أو أشرار يريدون تدمير الأخلاق والدين ويفككون المجتمعات وينشرون التحلل والفساد، الشرير ليس مفكرا، الشرير يخطئ في تفكيره.
6-لا بد في حالة إيماننا بالتغيير أن تترك بعضا مما تعودنا عليه، وبعضا من أفكارنا ومعتقداتنا، ونمارس مرونة لا تقسو على أجسادنا، كما لو أننا نمارس التدليك والعلاج الطبيعي، ونهيئ انفسنا لتقبل الجديد وتغيير القديم، وننبذ كل ما لا يتفق مع التغيير، كما لو أنك تنتقل من منزلك القديم إلى منزل حديث، يختلف مساحة وهندسة وموقعا، لذلك تكون مضطرا إلى تغيير كثير من قطع الأثاث وشراء أخرى، وتستغني عن قطع أثيرة على نفسك يثمن بخس، وسوف تترك جيرانك الذين تعودت عليهم، وتصبح لك عادات حياتية جديدة، أنها طبيعة التغيير التي لا بد منها، فلا يمكن لك أن تنعم بالتغيير إلا إذا استغنيت عن كثير من عاداتك وممتلكاتك وأفكارك وسلوكك القديمة التي لا تصلح مع التجديد.
7-إن عواطفنا التي نسبغها على أشيائنا التي تعودنا عليها طويلا يجب أن لا تمنعنا من قبول التغيير، ونعتبرها افضل من الجديد، ونتمنى العودة إليها، وإن هذا تشويش على التفكير السليم، والسير في ركاب التغيير، لأنها لو كانت افضل لظلت مستعملة، فما كان ضروريا لحياتنا في الصحراء والقرى، من ملبس ومأكل ومشرب وعادات وسلوك وعلاقات اجتماعية، يجب أن تتغير، لتوافق التغيير الذي حصل في الانتقال من السكن في الخيام والبيوت الطينية وشظف العيش وقلة الموارد وافتقاد للحكومة التي من واجبها والتعليم والأمن والرعاية الصحية وتطبيق القانون وتقليل البطالة، ولا نتمسك بالقوانين العشائرية والمعيشة القبلية، لأنها ستحد من اندفاعنا نحو التغيير ومفهومنا للوطن والعيش الحضري.
8-قد تضطر إلى تغيير أفكارك ومعتقداتك تماشيا لظروف تملي عليك تركها أو تغييرها، وهذا هو التغيير الأشد صعوبة على النفس في الأفراد والمجتمعات، ويعتبر المعيق الأكبر للتغيير، ولعل الصعوبة ليس متساوية في جميع مجالات التغيير ولا في كل المجتمعات وهي كما يلي:
أ‌-المعتقدات الدينية : وهي معتقدات وجدت لتبقى عبر العصور والأزمان، أو هكذا فهمنا بأن الدين صالح في كل زمان ومكان، لذلك فإن تغييرها سيكون مصحوبا بمقاومة عنيفة، المشكلة أن التغيير لا يكون في المعتقدات الدينية الأساسية، بل بالأفكار التي وضعها فقهاء بناء على فهمهم لأركان الدين، وأن وجود كثير من المذاهب لهو على دليل تعدد وجهات النظر، بمعنى لا يوجد صدقا مطلقا، بل وجهات نظر مرحلية نابعة من الظروف الزمانية والمكانية.
ب‌-المعتقدات القائمة على التمايز العرقي أو الطائفي أو الديني أو القومي أو الطبقي، فهي مفاهيم ليس من السهل التبرؤ منها واستبدالها، لأنها وقرت في نفوس الأفراد قبل نمو العقل لديهم.
ت‌-العادات والتقاليد والأعراف والموروثات في أنماط السلوك التي تشكل خطوطا مرسومة لحركة المجتمع، وان محوها بسرعة يجعل من المجتمع لا ناظم له، لذا يكون التمسك بها مرتبطا بتماسك المجتمع والحفاظ على استقلاله وهويته.
ث‌- التغيير نحو الأسوأ، أي الانحدار نحو بدائية الماضي، وهو امر مؤلم جدا، وتقبل ما لم يكن مقبولا مسبقا، وهو دليل على التراجع والخذلان وفقدان القدرة والقوة على التقدم والسيطرة على الظروف القاهرة، لذلك يكون التغيير إلى الخلف عنوة لا منعة ولا متعة ترتجى منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التغيير يبدأ من الانسان
مولود مدي ( 2017 / 2 / 1 - 07:00 )
التغيير أمر لا مفر منه لأنه سنة الطبيعة لكن المسألة هي مسألة وقت , فالتغيير الذي ننشده يجب أن يبدأ من اصغر فرد في المجتمع عن طريق تعليمه تعليما راقيا و جعله يعود الى عقله في كل شيء و هذا يتطلب تغيير المناهج التعليمية الحالية التي لا تنتج الا الفشل و المعاقين فكريا.
اما مسألة الثوابت و العادات و غيرها فان هذه المسالة هي مسألة مطاطية فلكل شخص ثوابته لكن لا يمكن ان يفرضها على الأخرين كما يجب الشرح للأخرين ان ثوابت اليوم ليست يالضرورة هي نفس ثوابت الغد فمثلا الشعب العربي الذي كان يرفض بالأمس ارسال بناته الى الجامعة اصبح التعليم اليوم لديه امرا ضروريا.
وبما أن التيار الاسلاموي هو الوصي على الدين و الاخلاق و قضية الثوابت في العالم الاسلامي فالمهمة ستكون صعبة و لا أمل في الانظمة العربية في تسهيل التغيير بل هي ستواجه التغيير بالتحالف مع الاسلاموية و بالتالي العملية ستطول جدا و لا أمل الا في التعليم و نشر الفكر العقلاني عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي


2 - لا خلاف بيننا
سعادة أبو عراق ( 2017 / 2 / 1 - 13:12 )
الهدف من هذا المقال هو ترسيخ فكرة التغيير التي تطرأ على المواد وعلى الإنسان والحيوان والمناخ والأقمار والكواكب، هو تغيير طبيعي ، ويجب ان نتفبله كجزء من الحياة المتغيرة ، وبالتالي علينا ان نكون مستعدين ان نتكيف مع هذا التغيير بوعي وتقدير مسبق، انطلاقا من قناعتنا ان التغيير قام ولا مناص من أن يدهمنا
اما كيف نصنع التغيير المناسب ، فذلك امر خار إجرائي، يتناسب مع خصوصية الحالة
وتحياتي أخي مولود

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا