الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربا بين الحرمة والاباحة

حسين سميسم

2017 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الربا بين الحرمة والاباحة
المقالة الثانية
لم اجد خلافا محتدما بين علماء المسلمين مثل الخلاف على حرمة او حلية فائدة البنوك ، ولم ارَ اشد احراجا من شيوخ الفضائيات لدى تناولهم هذا الموضوع او سؤالهم عنه ، لان الخلافات في وجهات النظر وصلت الى اعلى المستويات . فقد حرم فائدة البنوك بعضهم واحلها البعض الاخر ، ومنذ تأسيس البنوك الحديثة في المناطق الاسلامية حرم فائدتها كل الفقهاء من مختلف المذاهب الاسلامية . وشأن كل شئ جديد يأتي من الغرب يحرم في البداية ويعتبر بدعة والعياذ بالله ، ثم يبدأ التراجع عن حرمته بعد حين حسب متطلبات واسباب ومصلحة الفقيه وينتهي الامر الى حليته ، وتبقى مجموعة من الفقهاءيحرموه ويسكت البعض الاخر عنه ويعتبره تحصيلا حاصلا . وتوجد قائمة طويلة من تلك المحرمات احلت بعد تحريمها او سكت عنها البعض الاخر ، ومن امثال ذلك تحريم لبس الملابس الغربية التي اصبحت في الوقت الحاضر الملابس الرسمية في الدوائر ، وتحريم الدراسة في المدارس التي اسسها الاستعمار ، وتحريم وجود الصور والمنحوتات في البيوت ، وتحريم سياقة النساء للسيارة ، ولبس ربطة العنق ، والتداوي بغير الطب النبوي ..... .
ومن يراقب الفتاوي الصادرة عن الازهر يجد تدرجا في التخلي عن حرمة كثير من الاشياء ومنها حرمة الفائدة البنكية ، فقد صرح السيد طنطاوي بحديث صريح متلفز ( يوجد في اليوتوب) بأنه حصل على رواتب عالية بعد اشتغاله في السعودية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي ، وما زال ( لغاية تسجيل الحلقة قبيل وفاته ) يتمتع ويعيش من فوائدها ، واجاز اخذ الفائدة من البنوك الحكومية والاهلية . وقد افتى معظم علماء الازهر فيما بعد بحليتها . وقال السيد طنطاوي ردا على سؤال عن حرمة فائدة البنوك في 14حزيران 1991 في جريدة الاهرام ( ان كل معاملة تتم باختيار الطرفين ورضائهما المشروع وليس فيها غشا واستغلال او ظلم او غير ذلك مما حرمته شريعة الاسلام هي معاملة حلال ) ، وقال ( اما المعاملات التي اتفقوا على انها حلال وعلى ان ارباحها حلال فهي كل معاملة اباحتها شريعة الاسلام ،كالبيع والشراء والمضاربة والمشاركة ، والاجارة ،الى غير ذلك من المعاملات التي تقوم على تبادل المنافع بين الناس ، بطريقة لاتخالف شريعة الله ، سواء أكان الذي أجراها من البنوك التي تصف نفسها بالاسلامية ، ام من البنوك التي لاتصف نفسها بذلك ) ( الاقتصاد الاسلامي . القضايا الفقهية المعاصرة ص 383 علي السالوس )
وقد شاركه الرأي المفتي السابق علي جمعة ، والدكتور نصرفريد واصل ، وعبد المنعم النمر ، وعبد الصبور مرزوق ، ود. احمد شلبي .... وقالوا بعدم حرمة استثمار الاموال في البنوك العادية . ومن الطريف ان السيد طنطاوي والدكتور علي جمعة كانا قد حرما فائدة البنوك عندما كانا يعملان في السعودية ، ونادرا ما تجد فقيها احل فائدة البنوك ولم يحرمها في السابق ، وبقى على تحريمها معظم علماء السعودية وبعض علماء مصر كالغزالي والشعراوي . ومن يقرأ الفتاوي المؤصلة للازهر يرى هذا التدرج . ونرى في كثير من الدول التي تدعي تطبيق الشريعة الاسلامية كثيرا من البنوك الربوية كالسعودية وايران .
وتتكرر نفس الحالة في الطرف الشيعي فكل فقيه منهم جعل الفائدة البنكية حلالا كان قد حرمها في السابق ، ولم اجد اية فتوى احلت الفوائد البنكية قبل سبيعينيات القرن الماضي ، فهي مسألة مستحدثة حداثة البنوك التي تتعامل بالفائدة البنكية وبالاستثمار والاسهم والمعاملات البنكية الاخرى . فكيف كانت بداية الانتقال من حرمة الفائد البنكية الى حليتها ؟ . ساحاول من خلال النقاط التالية تتبع ذلك
: 1) : كانت البداية هو حرمة الفائدة البنكية حسب اجماع الفقهاء القائم على مقاربتهم وقياسهم وتفسيرهم للنصوص القرآنية والسنة النبوية ، ونجد هذا في عدد كبير من الفتاوي والرسائل العملية للفقهاء ، وساحاول ضرب الامثلة بواحد من الفقهاء لكي لا اثقل على القارئ كثرة المصادر والامثلة في مقالة صغيرة . وسابدأ باشهر عالم ومفكر اهتم بالاقتصاد السياسي وكتب كتاب اقتصادنا والبنك اللاربوي في الاسلام وهو السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، فقد ورد في كتاب اقتصادنا المؤلف في بداية الستينيات من القرن الماضي في ص 571 فقرة 7 ( لا يجوز القرض الا مجردا عن الفائدة ، وفقهاء الامامية متفقون جميعا على هذا الحكم كما يظهر من مراجعة جميع مصادرهم الفقهية ) والسيد الشهيد يدين الفائدة الربوية في كل مورد ذكرت انظر كتاب اقتصادنا ص 571 و 591 و 603 . وكانت كل مبانيه في كتاب اقتصادنا على هذا الاساس .
2): بدأ السيد محمد باقر الصدر بتأليف كتاب البنك اللاربوي في الاسلام في نهاية عام 1969 ، وقد جاء في الكتاب ( لاحظنا في وضع سياسة البنك اللاربوي تجاه الفوائد الربوية على القروض ان ( تصاغ ) بشكل يميزها بقدر الامكان ( نصا وروحا ) عن فكرة الربا المحرم في الاسلام )( ص 164) . وشرط ان تكون نسبة الفائدة التي على البنك اللاربوي اعطاءها للعميل اكبر في البنوك اللاربوية منها في البنوك الربوية حيث قال : ( ان لاتقل النسبة (المؤية من الربح ) التي تخصص للمودعين عن الفائدة التي يتقاضاها المودع في البنك الربوي لانها اذا قلت عن الفائدة انصرف المودعون عن ايداع اموالهم من هذا البنك الى البنوك الربوية التي تدفع الفائدة ) ص 34 . ومن خلال هذا النص نفهم ان السيد الشهيد وضع البنك الربوي كما هو وغير اسماء المصطلحات والمعاملات ، حيث الوسيلة والشكل والاسماء والمصطلحات مختلفة لكن القصد بقى نفسه ، وساوضح كيف فعل ذلك كمايلي
: أ) تعويض كلمة الربا او الفائدة بالجعالة ( هدية ) مثلا يذهب المقترض للبنك ويقول : من اقرضني دينارا فله درهم ، لان الجعالة فرض شئ على عمل لاعلى مال حسب قوله . ب) تحويل كلمة القرض الى اتلاف المال ، وبذلك تخرج هذه الكلمة من مفهوم الربا المرافق للقرض . ج) الطلب من البنك تسديد الدين في بلد اخر ثم التراجع عن ذلك للتسديد في نفس البلد ، وسيفرض البنك مصاريف اضافية على هذه العملية ( حطيطة ) ، وسيدفع المدين مبلغا اعلى من المبلغ الاصلي لكنه لا يسمى ربا . د) التلاعب بمفهوم المكيل المحرم والموزون ، لان التعامل بالدنانير الورقية في الوقت الحاضر ليس مكيلا ولا موزونا . ه) التعامل بالمعدود بدل الموزون لان المعدود حسب الروايات ليس محرما . مثل بيع البيض بعدد اقل من الاصل او بيع الابقار والاغنام والخيل بزيادة وبيع البعير بالبعيرين ، او شراء 8 دينار بعشرة مؤجلة . و) وفاء القرض لشخص ثالث مثلا زيد يقرض خالدا دينارا ويشترط عليه ان يدفع درهما لدى الوفاء للفقير او للبنك . ز) الافتراضات : ان نفترض ان وديعة البنك باقية ملك صاحبها المودع ، وقد اشترى بها المودع بيتا مثلا من المقاول ثم باع المقاول البيت وحصلت مرابحة خصص جزء منها للمودع . وستكون النتيجة واحدة يحصل المودع على فائدة حلال يسددها البنك الوسيط كفائدة شهرية . ح) التخريجات الفقهية لتحويل الفائدة الى كسب محلل ص 244 ، وهي مجموعة من التخريجات تذهب الى اعتبار الفائدة هدية ، او عدم اشتراط الفائدة واستلامها في النهاية ... والتخريجات بمجموعها تدخل في حقل الحيل الفقهية ، وتضاف الى كتاب ابي حاتم القزيني صاحب هذا العنوان ، وهي من الكثرة ومن استمرارية التناسل لا يمكن حصرها في مقال . كما جوز السيد الشهيد اخذ الفائدة من الحكومة لانها مجهولة المالك ، ومن البنوك التي يدخل في راسمالها وفي ادارتها غير المسلمين ( تعبير واسع ) او البنوك المختلطة التي يعتبر مالكها مجهول ايضا ، كذلك اقر اخذ الفائدة الربوية من غير المسلم ( انظرص 163 البنك اللاربوي ) .
وأجاز ان يضع البنك اللاربوي جزءا من أمواله في البنوك الحكومية والاهلية او الاجنبية مقابل فائدة مشروطة . وقد جاء جواب احد المراجع على سؤال من احد المقلدين قائلا : اذا علمنا سلفا بمقدار الزيادة التي يقررها البنك وهي عشرة بالمائة فما فوق وكلما كبر المبلغ كانت النسبة اكبر حتى حدود 14 بالمائة افتونا برأيكم مأجورين .
والجواب : اذا كان راس مال البنك عائدا لغير المسلمين جاز الايداع فيه ولو بشرط منح الفائدة وتكون محلله للمودع ، واما اذا كان راس مال البنك عائدا للمسلمين او مشتركا بينهم وبين غيرهم فيجوز الايداع فيه من دون اشتراط الفائدة ، ولا يضر المودع علمه بأن البنك سوف يمنحه الفائدة على الايداع ، واذا تسلم الفائدة جاز له التصرف ونصفها مع التصدق بالنصف الاخر على الفقراء المتدينين ) .( انظر الرسائل العملية ) . وقد ذهب الشيخ محمد اللواتي الى ( ان القرض الربوي لا يتطابق بتاتا مع صورة القرض البنكي وهذا ما يدعونا للقول بان القرض البنكي ليس من القروض الربوية لانه لايتصف بشئ من صفاته الخبيثة المدمرة ) . والفقهاء لايأتون بدليل من القران والسنة ، بل يعتمدون على ادلة ظنية آتية من اجتهاد الفقهاد القدماء والجدد ، وسنرى في المقالة القادمة مسوغات الانتقال من حرمة الفائدة البنكية الى حليتها .
يتبع
حسين سميسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج