الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موانع الميراث وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية مانع اختلاف الدين- الجزء الثاني

محمد ابداح

2017 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


موانع الميراث
وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية
مانع اختلاف الدين- الجزء الثاني

بعيدا عن العواطف والشعارات، يمكن القول بأن أساس المواطنة والولاء يرتبط بمدى تمتع المواطن بالحقوق دون سواها، وهذه الصفة ترتقى على بقية العناصر المكونة لشخصية الأفراد- فكريا ودينيا- لتجعلهم جميعا سواء أمام القانون، مما يحول دون إمكانية ان يعطى أي نص قانوني تأويلا فيه إهدار لمواطنة شخص من خلال اسقاط تمييز عليه بسبب معتقداته الدينية، والفارق بين ما هو مرتبط بالصفة الإنسانية وبين ما تتضمنه صفة المواطنة، هو ذلك الجدل الدائر في أروقة العديد من المحاكم ممن رفض قضاتها إقحام مانع اختلاف الدين أثناء الفصل في النزاعات بين مواطنين مختلفي المذهب، لتعارض ذلك مع مبدأ المساواة.
وعليه فإنه لا يمكن منع أو منح حقوق المواطنين إلا بموجب قانون، وهو ما يستنتج منه قاعدة عامة مفادها أن الحرمان من الحقوق أو تقيدها لا يتم إلا بنص قانوني يتخذ لاحترام حقوق الغير ولصالح الأمن الوطني والنمو الاقتصادي والاجتماعي، فالمساس بالحقوق هو أمر تحتكره السلطة التشريعية دون سواها، وحتى الأخيرة لا يمكنها حرمان إنسان من حق أو تقيده إلا بناء على معطيات واقعية ومبررات قانونية، وعليه فإنه من غير المقبول أن يعطي القضاء لنفسه سلطة الحرمان من حق دون نص صريح بحجة أن قواعد التأويل تفتح الباب أمام اعتماد المصدر المادي والذي استمد منه التشريع أحكامه، يستخلص من ذلك أن سد الفراغ المتمثل في غياب حكم تشريعي وضعي ينظم مسألة اختلاف الميراث، سيكون في اتجاه إباحة التوارث دون تمييز على أساس المعتقد الديني، فهل هي ذات النتيجة التي سينتهي إليها المفسر في صورة ما إذا وقع اعتبار الأمر من قبيل غموض النص؟.
وفق غالبية التشريعات الدستورية العربية فإن الحل الواجب الإتباع عند وقوف المفسر أمام نصِ غامض، هو الأخذ بالمعنى الذي تقتضيه عبارة النص القانوني بحسب وضع اللغة وعرف الاستعمال ومراد المشرع، فعناصر تأويل النص الغامض ثلاث هي: اللغة، وعرف الاستعمال (واللذان يمثلان تقنية الشرح اللفظي)، ومراد واضع القانون (والذي يمثل تقنية الشرح القصدي)، و لا يوجد تفاضل بين عناصر التأويل في حالة الغموض طالما أن المشرع أجاز استخدام أي من التقنيات المذكورة، والسؤال هنا هل إن اعتماد أي من تقنيات تفسير النص الغامض سيسمح بتأييد الرأي الرامي لاعتبار اختلاف الدين مانعا للإرث؟
استخدم المشرع العربي عموما حرف "من" والتي باتت شهيرة بـ (من) التبعيضية، في أحكام موانع الإرث بقانون الأحوال الشخصية، وهو ما يسمح بالقول أن اختلاف الدين قد يكون من موانع الإرث وليس مانعا للإرث، ولتوضيح ذلك، فقد سبق بيان أن شقا من الفقه والقضاء أجاب بأنه مانع اختلاف الدين، وهو ما يستفاد منه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، فهل هذا صحيح؟ أجابت مقدمة هذه البحث عن سبب استخدام المشرع العربي للحرف "من" وهو أن خمس من الموانع الأخرى التي تشكل حروفها الأولى عبارة "عش لك رزق" مكرسة في قوانين الأحوال الشخصية كشرط أو كسبب لاستحقاق الميراث، وبالتالي فتأويل استخدام المشرع للحرف "من" قد يكون هذا هو مبرره الوحيد، وعلى فرض أن تأويل استخدام الحرف "من" سيكون بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، فلماذا وقف أنصار هذا التأويل عند مانع اختلاف الدين ولم يواصلوا نقلهم لبقية الموانع المسكوت عنها؟ فطالما أن "من" تسمح بالرجوع إلى الموانع المعتمدة في الفقه الإسلامي، فلا مجال بعد ذلك للانتقاء، فالسماح باعتماد المصدر المادي للنص بموجب تقنيات التأويل يجعله بمثابة المصدر الشكلي، وبالتالي فإن اعتماد مانع دون سواه أمر بحاجة إلى تعليل، ولابد بالضرورة أن يأخذ بعين الاعتبار عند تقديم التعليل جملة الحجج - إن وجدت- وإلا بات الأمر عبثيا، ولا ريب أن أفعال القضاء منزهة عن العبث، غير أن الاقتصار على مانع دون سواه من بقية الموانع المسكوت عنها يسمح بالقول ان أنصار الأخذ بهذا المانع تبنوا موقفا ثم بحثوا له عن تفسير فبدا أن "من" أسعفتهم من الناحية اللغوية، رغم أن "من" هذه نفسها لم تلق نفس التأويل لدى فقهاء المذاهب الأربعة، وهو الموقف الذي يضفي ظلالا من الشك على الفهم الذي أعطاه الفقه والقضاء لاحقا، وكي يزول الشك لا بد من البحث عن مراد المشرع.
هل يسمح استخدم حرف "من" بالقول أن إرادة المشرع العربي اتجهت نحو ترك الباب مفتوحا أمام العمل بمانع اختلاف الدين في الميراث؟ قبل الإجابة لابد من التذكير بأن أغلب التشريعات العربية المقارنة أوضحت كيفية تأويل أحكام قوانين الأحوال الشخصية عند غموض أو غياب النص، وذلك بالرجوع للشريعة الإسلامية، وهو اختيار لم يلتفت العديد لآثاره وأبعاده عند التطبيق، علاوة على أن الثابت دون جدل أن المشرع العربي نقل جل فصول أحكام الميراث عن مجلة الأحكام العدلية العثمانية، التي كان من بين فصولها المادة رقم 789 من الكتاب الثاني المتعلق بالميراث حسب المذهب المالكي، والتي نصت على موانع الإرث و هي ثلاثة: الرق والقتل العمد واختلاف الدين" فالمسلم لا يرث الكافر و لا يرثه الكافر، وهو الفصل الذي لم يظهر منه في المجلة سوى جزئه المتعلق بمانع القتل والتسبب فيه، فلو كانت إرادة المشرع متجهة إلى اعتماد مانع اختلاف الدين فلماذا لم ينقل حكمه مع جملة الأحكام التي نقلها من المجلة العثمانية؟ بل على العكس من ذلك فقد تجاوزها بسكوته عنه، والسكوت في موضع الحاجة بيان، وهو ما يبيح القول أن سكوت المشرع المقصود عن نقل ما هو معلوم لديه بالضرورة هو في حقيقته إعلان موقف، فالتشريعات العربية عموما لم ترغب في تكريس هذا المانع عن علم ودراية تجنبا لأن يوصف أول تشريع لها بعد استقلالها بأنه تمييزي لفائدة الأغلبية المسلمة.
يستخلص مما سبق أن سكوت بعض التشريعات العربية عن ذكر مانع اختلاف الدين في الميراث صراحة نابع من إرادة استبعاده، وهو تحليل تدعمه الفلسفة التشريعية العامة، والتي لم يرغب واضعوها في جعلها كما كان عليه الحال لدى مجلة الأحكام العدلية العثمانية، أي نقلا حرفيا لأقوال الفقه التقليدي، بل كرسوا فيها روح تجديدية تعبر عن إرادة تشريعية قوامها التجديد والابتعاد عن أي حكم تمييزي سواء على أساس العرق أو الدين، بدأ من (المساواة بين الزوجين في حقوقهما عند إبرام الزواج مثلا) وأثناء الحياة الزوجية أو عند انفصامها، مرورا بحق الخلع، وبالقضاء على ظواهر اجتماعية شاذة نسبت إلى الإسلام نتيجة آراء فقهية قائمة على التشدد والتحيل (مثل إلغاء زواج الأطفال وحق الجبر والقضاء على زواج التحليل بجعل التطليق ثلاثا مانعا مؤبدا)، وصولا إلى الحد من التمييز بين الجنسين في الميراث عن طريق مؤسستي الرد والوصية الواجبة وهو الموقف الذي مالت إليه غالبية التشريعات العربية مشكورة، وعدم تكريس أي مانع يحول دون ممارسة حق أو التمتع به نتيجة اختلاف الدين، فعدم التمييز بين المواطنين على أساس معتقدهم الديني هو من أبرز ملامح تكريس حق المواطنة، وعليه فإنه لا مجال للقول أن مراد المشرع العربي قد اتجه عند صياغة موانع الميراث نحو ترك الباب مفتوحا أمام القضاة لتكريس مانع سكت عنه المشرع لا بل تجاوزه ولم يأخذ به ، ثم أكد تجاوزه له من خلال انخراطه في عدة اتفاقيات ومواثيق دولية تنبذ التمييز على أساس المعتقد، وهذا ما يؤدي بنا إلى بحث إشكالية التطبيق أمام تلك المعاهدات والمواثيق.
تستعمل عبارة الفراغ القانوني عادة دون أن يقع تحديد هل أن الأمر يتعلق بفراغ في التشريع أم في النظام القانوني بأكمله، ويبدو التمييز بين هذين المعنيين للعبارة ضروريا لأن الموقف من إمكانية وجود الفراغ القانوني من عدمه يتغير بحسب المعنى الذي تحمل عليه العبارة، فالإقرار بوجود فراغ تشريعي يجب أن يكون مسبوقا بتقييم شامل وعام للنصوص أي القيام بعملية التأويل التي تعتبر مرحلة سابقة وجوبا للبحث عن سد الفراغ، ولهذا فإن الإقرار بوجود فراغ تشريعي يعد حكما قيميّا يعبر عن نقص تشريعي ويؤدي هذا إلى القول بأن الفراغ القانوني يمثل شكلا خاصا لغياب قاعدة قانونية كان من المفترض أن توجد داخل التنظيم القانوني، فهل يمكن الحديث عن غياب نص ينظم مسألة اختلاف الدين في الميراث في النظام القانوني العربي؟ إن الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب ستفتح الباب أمام عملية التأويل، أما الإجابة عنه بالنفي فإنها ستغلق حتما باب التأويل بصنفيه رفع الغموض و سد الفراغ، يمكن القول عموما أنه لا وجود لغياب نص في القانون، وحتى لا ندخل مجددا في باب الجدل فإنه سيقع استبعاد كل المعاهدات التي صادقت عليها الدول العربية و أبدت تحفظات على بعض موادها وبنودها، إذ تعد التحفظات وسيلة تلجأ إليها الدول بغية استبعاد الأثر القانوني أو تعديل عدد من الأحكام الواردة في معاهدة دولية، كما سيقع استبعاد الاتفاقيات التي لم تكن فيها إباحة التوارث مع اختلاف الدين غير مباشرة أو وردت في التوطئة فقط، وعليه فإنه سيقع الاكتفاء بأحكام اتفاقية لم تلق حظها من التطبيق القضائي أو التحليل الفقهي فهي تكاد تكون مجهولة أو على الأقل "متجاهلة" وهي الاتفاقيات الدولية الخاصة بالقضاء على جميع صور التمييز العنصري والتي صادقت عليها معظم الدول العربية، والتي غالبا ما تنص على أن تكفل الدول الأطراف لكل إنسان مقيم على أراضيها، حق الرجوع إلى المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع التعدي عنه على نحو فعال بصدد أي عمل من أعمال التمييز العنصري يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وكذلك حق الرجوع إلى المحاكم الوطنية التماساً لتعويض عادل مناسب أو ترضية عادلة مناسبة عن أي ضرر لحقه كنتيجة لهذا التمييز، وأمام وضوح أحكام مثل تلك الاتفاقيات فإنه لا مجال للقول بوجود غموض أو غياب نص، تبقى المسألة إذن متعلقة بإشكالية تطبيق النص، و تجاوز تلك الإشكالية لا يكون إلا بإتباع قاعدة السلم الهرمي لتطبيق النصوص من جهة، وقاعدة نسخ القوانين من جهة أخرى.
من المفترض أن دور القضاء هو حسن تطبيق القانون لذلك فهو مطالب بتفعيل قاعدة الترتيب الهرمي للنصوص تلقائيا، كونها مسألة تخص النظام العام، والمقصود بهذه القاعدة هو ترتيب القواعد القانونية حسب تسلسلها الهرمي باعتبار ان القاعدة الادنى تستمد قوتها من القاعدة التي تفوقها منزلة وبالتالي فإذا ما تعارضت قاعدة دنيا مع قاعدة عليا وجب إعطاء الأولوية في التطبيق للقاعدة الأعلى مرتبة، ولا جدال أن قمة هرم القواعد القانونية يحتلها الدستور بما فيه من قواعد و مبادئ تنص صراحة على أن الدولة تضمن احترام حقوق الإنسان كما تعمل الدولة والمجتمع معا على ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح بين الأفراد والفئات والأجيال، ومن المعلوم بأن الدساتير العربية تضمن حرمة الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن( كبعض الطقوس الشيعية والتي تتضمن إسالة الدماء في الشوارع العامة)، كما أن كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون، ويتمتع المواطن بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبينة بالقانون، ولا يحدّ من هذه الحقوق إلا بقانون، وعملا بهذه القواعد الدستورية التي سبق التعرض لها فإنه لا مجال للتمييز في الميراث بين المواطنين مختلفي الدين، ومن ثم فالتفرقة بين مواطن وآخر في الحقوق السياسية والدينية أو في غيرها هي من الناحية القانونية تفرقة تخالف المبادئ الدستورية العامة، التي تنص علي أن المواطنين مهما اختلفت عقائدهم وانتماءاتهم أمام القانون سواء.
أما فيما يتعلق بالمصادقة على المعاهدات الدولية عموما والمتضمنة لأحكام ذات صبغة تشريعية او المتعلقة بحالة الأشخاص ، فهي لا تعد نافذة إلا بعد مرورها بالإجراءات القانونية الدستورية لكل دولة، كالموافقة عليها من قبل مجلس النواب مثلا، وطالما أن اتفاقية القضاء على جميع صور التمييز العنصري تمت المصادقة والموافقة عليها ودخلت حيز النفاذ، فالدولة المعنية ملزمة وجوبا للقضاء باعتبار أن أحكامها باتت متممة للتشريع الوطني وهي في المرتبة الثانية بعد الدستور، وبالتالي فإنه لا مجال للتمييز بين المواطنين في الميراث بسبب دينهم، أما الأجنبي فإن انتفاعه بأحكام هذه الاتفاقية يبقى رهينا بأن لا يتضمن قانونه الوطني أي تمييز باستحقاق الميراث بسبب الدين أو غيره من الأسباب ضد رعايا الأخيرة عملا بقاعدة المعاملة بالمثل.
وفيما يتعلق بقاعدة تطبيق قاعدة النسخ، فلا تنسخ القوانين إلا بقوانين لاحقة لها إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها أو استوعبت جميع فصولها، وعلى فرض مجاراة الرأي القائل بأن إرادة المشرع كانت متجهة نحو فسح المجال أمام القضاء للرجوع إلى المصدر المادي للنص( الشريعة الإسلامية) وإعمال مانع اختلاف الدين في الميراث فإن أحكام اتفاقية القضاء على جميع صور الميز العنصري بعد أن تمت المصادقة و الموافقة عليها ودخلت حيز النفاذ، نسخت دون شك تلك الأحكام لأنها لاحقة لها في التاريخ، وهذا النسخ ناتج عن تضمين القانون اللاحق حكما مخالفا للحكم الذي يرى البعض أن القانون السابق يتضمنه، فهو نسخ ضمني بالمخالفة، وفي الختام يمكن القول أن حدة الجدل القائم فقها وقضاء لا تعكس الواقع التشريعي العربي، فالمبادئ الدستورية التي تمنع صراحة إقامة أي تمييز بين المواطنين في الحقوق على أساس ديني، مع وجود نص صريح في اتفاقية دولية مصادق وموافق عليها وفق الدستور، يمنع دون أي تحفظ أي تمييز بين الأفراد خاصة في الميراث، من المفترض أن أن يغلقا باب الجدل حول مانع لا يقره أي نص صريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المانحون الذين ساهموا في ترميم كاتدرائية نوتردام؟


.. ماهي فرضيات استعادة تنظيم الدولة الإسلامية نشاطه في سوريا؟




.. كاتدرائية نوتردام في مهب رياح التاريخ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. كاتدرائية نوتردام في باريس.. عمق أدبي وفني يكاد يضاهي الأهمي




.. مسيحيو الشرق.. عودة إلى العراق • فرانس 24 / FRANCE 24