الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر ) الحلقة 2 النوع الاجتماعي في الخطاب السوسيولوجي

رشيد اوبجا

2017 / 2 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر )
الحلقة 2
النوع الاجتماعي في الخطاب السوسيولوجي
ذ . رشيد اوبجا

يعتقد الدكتور " فوزي بوخريص" أن ما اكتسبه مفهوم النوع من شعبية و انتشار ، فقده على مستوى الدقة و الوضوح
فليس هناك إجماع حول استعمال المفهوم في العلوم الاجتماعية ، بالنظر إلى تعدد دلالاته و أشكال توظيفه ، فلم يعد مجرد مفهوم علمي يستمد شرعيته الإبستمولوجية من الدراسات السوسيولوجية و الأنتروبولوجية ، بل تحول إلى مفهوم معياري و أداة نقدية موظفة من طرف الحركات النسائية و أداة عملية للمنظمات الدولية .
و يرى مجموعة من الباحثين و منهم فوزي بوخريص ، أن موضوع النوع الاجتماعي بدأ منذ بداية البحث السوسيولوجي ، و لو بشكل ضمني و غير واع بكافة الأبعاد و الإشكالات التي تطرحها هذه المسألة .(1 )
في حين ، يجزم جاك بيرك أن العلوم الاجتماعية ظلت لعقود عديدة عاجزة عن إدراك ما يسميه ( مشكلة النساء ) و مشكلات أخرى غيرها .
أما ( إيان كريب ) فيقر بتجاهل علماء الاجتماع ، و هم في الغالب ذكور ، لوضع المرأة في المجتمع أو إساءتهم لتحديده . فإلى وقت قريب ، كان من المعتاد مثلا ، أن ينظر علماء الاجتماع إلى الأسرة من منظور التراتبية الجنسية . و الأكثر من ذلك يعمد علماء الاجتماع ، في نظر كريب ، إلى توظيف لغة مشبعة تحيزا ذكوريا . (2) . و قد حاول هذا الباحث تقويض هذه القاعدة نسبيا في كتابه : النظرية الاجتماعية : من بارسونز إلى هابرماس ، عبر استخدام لغة ( لاجنسوية ) ، مساهمة منه في نشر وعي جديد ، يسمح بتحقيق مساواة بين الرجل و المرأة على جميع الأصعدة أبرزها صعيد العلم و اللغة العلمية .
و تبدوا أهمية اللغة أكثر جلاء عند بيار بورديو ، فقد لاحظ أن السلطة التي يمارسها الأفراد على بعضهم البعض لا تمارس بالضرورة عبر واسطة الثروات أو الشغل ، و إنما تمارس في الغالب مباشرة ، عبر الفرض الناعم لأنماط التمثل و التصورات المحمولة بواسطة اللغة . ذلك أن اللغة بفعل بنيتها أو بلعبة الدلالات الإيحائية أو الاستعارات التي تمارسها ، هي بمثابة مرآة ثقافية ، تثبت التمثلات الرمزية ، و تمثل صدى للأحكام المسبقة و الصور النمطية ، كم أنها تغذيها و تحافظ عليها . (3 )
لم يسلم بعض علماء الاجتماع من انتقادات الحركات النسائية ، كما هو الحال مع ( إرفين غوفمان ) ، الذي طالته سهام نقد الحركة النسائية بأمريكا ، فقد اتهم بتكريس صور نمطية حول النساء في إطار تناوله لموضوع النوع و العلاقات بين الجنسين ، من خلال مقارنته بين النساء و الأطفال و بينهن و بين مرضى البدانة و المرضى العقليين . فخطأ غوفمان أنه لم يتصور المرأة سوى في علاقة خضوع و تبعية للرجل .
إن هذا الانتقاد نابع من المفارقة الحاصلة بين التنظير و الممارسة ، فشتان بين من ينظر و يبقى في برجه العاجي ، و من يعايش أوضاع النساء و يناضل من اجل تحررهن . وهذا ما حاول ( ألان تورين ) تجاوزه ، فيتعين، في نظره، على علماء الاجتماع الذهاب لمعاينة النساء في الواقع و الإنصات إليهن بدلا من الحديث باسمهن .
في هذا الصدد ، يعتقد ألان تورين أن نضالات الحركة النسائية مثال حي على زيف اعتقاد الباحثين الذين يطالبون بإلغاء مفاهيم ( الفاعل الاجتماعي ) ، و الحركة الاجتماعية .
لقد راهن تورين في كتابه ( عالم النساء ) على المساهمة في الكشف عن النساء كفاعلات اجتماعيات ، بإبراز أهدافهن و الصراعات التي ينخرطن فيها ، و إرادتهن في أن يكن ذوات صانعات لوجودهن الخاص.( 4)


الجنوسة و البيولوجيا : الفوارق الطبيعية .

يرى أصحاب هذه النظرية ، أن التكوين الجسمي البيولوجي للإنسان ( مثل الهرمونات و الكروموزومات و حجم الدماغ ، و المؤثرات الجينية...) هي المسؤولة عن فروق فطرية في سلوك الرجال و النساء . هكذا تغدوا العوامل الطبيعية العامل الرئيسي في اللامساواة بين الجنسين .
غير أن هذه المقاربة كانت محط انتقادات شديدة من قبل العديد من النظريات ، بيد أن " البحوث و الدراسات التي جرت على مدى مائة عام للتحقق من الأصول الفسيولوجية ، لهذا الأثر لم يحالفها النجاح ، و ليس ثمة دليل على الآليات التي يمكن أن تربط بين القوى البيولوجية من جهة ، و أنواع السلوك الإجتماعي المعقد ..." (5 )

التنشئة و النوع الإجتماعي :

تميز هذه المقاربة بين الجنس بمعناه البيولوجي و النوع الاجتماعي ، و تعتبر اللامساواة بين الجنسين ، ناتجة بالأساس عن التنشئة الاجتماعية للرجال و النساء و التربية على أداء أدوار مختلفة .
ووفق هذا المنظور ، فإن الطفل منذ ولادته ، يلقن بشكل تدريجي المعايير التي تطابق جنسه سواء أكان ذكرا أم أنثى . هكذا تصبح الفروقات بين الجنسين ″ لا تحدد بيولوجيا بل تنتج ثقافيا " .(6 )
و يتبنى الوظيفيون نظرية التنشئة الاجتماعية الجنوسية (الجندرية) ، و يعتقدون أن كلا الجنسين ينبغي أن يلقنا التربية المناسبة لجنسهم البيولوجي . و في هذا الإطار، يلحون على دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ( في الحفاظ على النظام الاجتماعي بالإشراف على التنشئة الجنوسية ( الجندرية ) ...)

نظرية البناء الاجتماعي :

انتقدت هذه النظرية أطروحة نظرية التنشئة الاجتماعية ، و تعتبر أن كلا من الجنس و النوع نتاج أعيد بناؤه أو تصوره اجتماعيا . هكذا رفضت الأساس البيولوجي للفروقات الجندرية . و بموجب هذا المنظور ″ فإن الكتاب الذين يركزون على الأدوات الجنوسية ( الجندرية) و على تعلم الأدوار عن طريق التنشئة ، يقبلون ضمنيا بالأساس البيولوجي بين الجنسين ..." (7)
إن نظرية البناء الاجتماعي ، تعيد نشأة الهويات الجندرية لإدراكنا للفروق بين الجنسين في المجتمع ، و تعمل على تشكيل هذه الفروق . وأكبر رائدة في هدا المجال هي" سيمون ديبوفوار" فتحليلها البنائي مكثف في العبارة الشهيرة ، " لا نولد نساء بل نصبح كذلك ". وفي هذا المضمار، تؤكد المقاربة البنائية أن مفهوم المرأة يجب أن يدرك كمسار تاريخي يتغير و يتحول عبر الزمن .
وعليه، فان المرأة بخصائصها وطبيعتها المختلفة هي نتيجة لاشتراط راجع لتاريخها ولظروفها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية. ولا يستند الى " أي أساس بيولوجي أو ذهني. (8)




النظرية الوظيفية :

ينبني الأساس النظري للنظرية الوظيفية ، على كون المجتمع عبارة عن نسق مترابط من الأجزاء تحقق الانسجام و التضامن الاجتماعيين . فالمجتمع حسب أنصار المنظور الوظيفي ، هو منظومة من المؤسسات الاجتماعية التي تؤدي وظائف محدد لضمان عنصري الاستمرار و الإجماع في الوضع الاجتماعي . و يحدد هذا الأساس تصورها لأصل الفروق بين الجنسين ، فتقسيم العمل بين الجنسين مسألة طبيعية و ناتجة عن الخصوصيات البيولوجية لكل منهما .
ويتضح هذا المنظور من خلال الدراسة التي قام بها " تالكوت بارسونز" حول العائلة في المجتمعات الصناعية ، إذ يرى ″ أن العائلات التي يقسم فيها العمل بين الجنسين بطريقة واضحة بحيث تؤدي الإناث أدوارا (( تعبيرية )) يوفرن فيها العناية و الأمن يؤدوا أدوارا مساعدة ، أي يزودوا العائلة بمصدر الرزق و المعيشة . و نظرا للضغوط المفروضة على دور الرجل العامل ، فإن النزعة التعبيرية و العاطفية لدى المرأة ستكون بمثابة عنصر استقرار و راحة و اطمئنان للرجل ، و سيكون من شأن هذا التقسيم التكاملي للعمل القائم على أساس التمايز البيولوجي بين الجنسين ، أن يؤمن التضامن للعائلة " . (9)
يظهر جليا ، من خلال هذا المقطع ، أن ( بارسونز ) يعتقد بطبيعة الفروق بين الجنسين ، و كيفية توزيع الأدوار ، فالمكان الطبيعي للنساء هو البيت و تربية الأطفال ، أما دور تأمين العيش للأسرة فمن مهام الرجل .
و هذا اعتقاد بتفوق الرجل على المرأة ، ما دام دور هذه الأخيرة مختصر في شؤون المنزل و توفير الاطمئنان و الاستقرار للرجل فحسب .

الماركسية و النوع الاجتماعي :

تنطلق الحركات النسائية التي تؤطرها النظرية الماركسية ، من الفهم المادي للتاريخ ، أي من المادية التاريخية و المادية الجدلية ، و نظرية الصراع الطبقي . و تربط أصل اضطهاد المرأة بظهور الملكية الخاصة ، و زوال هذا الاضطهاد رهين بزوال النظام الرأسمالي الذي يرعى التفوق الذكوري .
لعل أول مبادرة لتحليل أوجه اضطهاد النساء ، محسوبة ل( فردريك إنجلز) في كتابه ( أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة).
و يفسر انجلز استمرار اضطهاد المرأة بالدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة الأسرية . غير أن منظوره يبدوا محدودا ، حسب سيلفيان دهان (10)، و تكمن هذه المحدودية في ( مماثلته اضطهاد النساء بإقصائهن من دائرة الإنتاج ، و في الربط - الميكانيكي جدا- بين ذاك الاضطهاد ، و بين بروز المجتمع الطبقي و الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ). (11)


لقد لعبت ( ألكسندرا كولونتاي ) دورا بارزا في التعريف بقضية اضطهاد المرأة من وجهة نظر ماركسية . بحيث وضعت قضية المرأة في قلب الثورة الاشتراكية، و تحولت فيما بعد إلى الأدب القصصي لوصف معاناة النساء.
و استعملت تيارات نسوانية حديثة مفهوم الطبقة في العلاقات بين الجنسين ، ففي هذا الإطار ترى ( كريستين ديلفي) (12)
أن الرجال و النساء يشكلان طبقتين متصارعتين ، بفعل وجود علاقة استغلال ، حيث يتملك الرجال عمل النساء .
و في السبعينيات من القرن العشرين ، و هي الفترة التي ظهر فيها مفهوم النوع الاجتماعي ، انتقدت مجموعة من الناشطات في الحركة النسائية المنظور الماركسي لقضية المرأة . و نذكر في هذا الصدد :
 مقال( الزواج غير الموفق بين الماركسية و الحركة النسوانية ) ل(هادي هاتمان ) المناضلة في صفوف الحركة النسائية الأمريكية و الصادر سنة 1979 .
بعد سنوات قليلة ، نشرت الناشطة الفرنسية ( جوزيت ترات ) مقالا بعنوان ( المواعيد المفوتة بين الحركة النسوانية و الحركة العمالية) . فهل لهذا الهجوم ما يبرره ؟
تختصر مجموعة من التيارات الماركسية على الصعيد العالمي المشكل في صعود البيروقراطية في الإتحاد السوفياتي ، و قد خصص ( ليون تروتسكي) فصلا كاملا في كتابه ( الثورة المغدورة ) لهذا الموضوع ، و اتهم البيروقراطية الستالنية بكونها السبب في التراجعات الحاصلة في حقوق النساء، و الذي أثر على مواقف مجموعة من المنظمات الإشتراكية عالميا و التي تأسست على قاعدة الانضباط للأممية الثالثة .
و يمكن التمييز بين تيارين ضمن الحركة النسائية الماركسية:
 النسوية الشعبية : الذي يعتبر أن التمييز الجنسي ليس إلا عنصر القهر الأول للنساء ، وأن النضال من أجل المساواة بين الجنسين يجب أن يترافق مع النضال ضد الفقر والتهميش والعنصرية .
 مذهب ( الأجر مقابل العمل المنزلي ) : الذي يعمل على تبيان حجم القطاع غير المرئي وغير المحسوب في الاقتصاد، منطلقاً من أن العمل المنزلي وعمل الولادة أو ( إنتاج البشر ) هو مكان لاستغلال النساء لترافقه مع الارتباط الاقتصادي بالرجل ، ومجانية العمل ، ومن ثم يشكل المنزل والحي والمجتمع الصغير بالنسبة للمرأة النصف الآخر من التنظيم الرأسمالي الذي يخدم النصف الأول ، أي السوق .




الهوامش :
1- فوزي بوخريص ، المرأة في العلوم الاجتماعية ، من متغير الجنس إلى سؤال النوع ، افريقيا الشرق ، 2016 ، ص 113
2- إيان كريب ، النظرية الاجتماعية : من بارسونز إلى هابرماس ، ترجمة محمد حسين غلوم ، سلسلة عالم المعرفة عدد 244 ،
ص 37
3- فوزي بوخريص ، مرجع سابق ، ص 115 .
4- فوزي بوخريص ، مرجع سابق ، ص 119
5- أنطونيو جيدنز ، علم الاجتماع، ترجمة و تقديم : فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الرابعة ، 187-188
6- أنطونيو جيدنز ، مرجع سابق ، ص 188
7- أنطونيو جيدنز ، مرجع سابق ، ص 190 .
8- الاشتراط يعني ( غرس نظرة معينة عند الشخص عن نفسه و عن العالم و من الآخرين ، تترسخ عنده حتى تصبح و كأنها طبيعية )
مصطفى حجازي ، التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور ، ص241.
9- أنطونيو جيدنز ، مرجع سابق ، ص 192 .
10- مناضلة في صفوف منظمة ( ريفولتا غلوبال ) اسبانيا .
11- سيلفيان دهان ، الماركسية و الحركة النسوانية : صداقة محفوفة بالمخاطر ، تعريب جريدة المناضلة - المغرب - ، عدد 41 .
12- مناضلة ومنظرة نسوانية فرنسية ، رئيسة مؤسسة كوبرنيك ، تدير مجلة مسائل نسوانية جديدة. صدرت مجموعة هامة من مقالاتها المكتوبة ما بين 1978 و 1996 تحت عنوان " العدو الرئيسي" في جزئين : " الاقتصاد السياسي لنظام السلطة الابوية (البطريركي)" و " التفكير في النوع " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية إدمان الإنترنت


.. ابتسام بوزايدي




.. دليلة شرعبي


.. نساء الجنوب اللبناني مأساة لا تنتهي ولكل امرأة حكاية




.. التدريب وسيلة لتوعية النساء وتعريفهن بتاريخهن وحقوقهن