الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعياد بين داعش والحاخام

ياس خضير الشمخاوي

2017 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غالبا ما تمثّل الأعياد الوطنية والدينية والمناسبات الكبرى جانب من هُويّة الشعوب .
وعيد ميلاد السيد المسيح الذي نحتفل به سنويا مع إطلالة كلّ عام جديد واحد من بين تلك الكرنفالات الهامة التي تقام على نطاق واسع من الأرض ، لأهميته الدينية عند معظم معتنقي الديانات السماوية ، ولوقعهِ الإيجابي والمتنامي في التبادل المعرفي والقيمي تاريخيا وثقافيا بين الأمم على مختلف إعتقاداتهم وإتجاهاتهم الفكرية .
وتاريخيا ؛ الحادثة الوحيدة التي أعتُمِدَتْ رسميا وعالميا في التوثيق وتحديد المواعيد والمناسبات لدى جميع أقطار العالم ، هي حادثة ولادة السيد المسيح .
لذلك يُعَد التقويم الميلادي ، الأشهر من بين كل التقاويم وأكثرها شيوعا واستخدما عند شعوب الأرض وحكوماتها ، خصوصا بعد تعديل وتصحيح الأخطاء الفلكية التي أجراها البابا غريغوريوس الثالث عشر ، بابا روما ، على التقويم اليولياني القديــم عام 1582م .
ولكي يتطابق التقويم الغريغوري المعمول به حاليا أو يكون أقرب فعليا وواقعيا لمعدل سرعة حركة الأرض حول الشمس ، تم أجراء التعديل عليه أنذاك .
قطعا لكل مذهب أو طائفة وجهة نظر معينة ذات مرجعيات مختلفة في كيفية التعامل والتعاطي مع مناسبات الشعوب والأمم الأخرى .
ولكن عادة ما تنصهر المجتمعات وطنيا وإجتماعيا وإنسانيا في بودقة واحدة من خلال مواقف كثيرة تقتضي المشاركة الجماعية ، وربما نرى المجتمع متحدا في مفاصل أنثروبولوجية وسيسيولوجية عديدة ، مثلما يحدث في الحروب أو مواجهة الأخطار والكوارث الطبيعية والأعياد الوطنية والمناسبات الدينية والمسابقات الرياضية وغيرها .
بيد أن مصداقية هذا الرأي تبدو أكثر وضوحا وأعمق دلالة عند الشعوب المدنية ، لأنها أكثر مرونة وإنفتاحاً على ثقافةِ الآخر خصوصا فيما يتعلق بالمناسبات الدينية الخاصة بطائفة معينة .
وكلما اقتربنا من مجتمع مدني متحضّر متعدد الثقافات والمكوّنات كلما تصاعد الخط البياني للتعايش والإنسجام ، عندئذ يختفي الإحتقان الطائفي والتمييز العنصري .
في حين يحدث العكس تماما لدى الحكومات الثيوقراطية والمجتمعات المنغلقة ، إذ يزداد مستوى الخلاف والتناحر والتهميش بين الإثنيات والطوائف الأخرى .
الفرح والحزن ؛ جد مؤثران في إنعكاساتهما على الذوق الإنساني والتربية النفسية للفرد والمجتمع وفق المفاهيم العصرية لعلم النفس التربوي والإجتماعي (Educational Psychology and social psychology ) حسب ما يراه طائفة من علماء الإجتماع والنفس .
وكلاهما يحتاجان الى توظيف جيد للتواصل من خلال خطابات إنسانية هادئة تدعو الى أنسنة وعقلنة السلوك .
إذ لابد من إغتنام فرصة هاتين القناتين للدخول في شراكة حقيقية وتفاعلية مع المجتمع ، سيما ونحن في عصر إزدادت فيه التوترات والتشنجات وبلغت فيه الخطابات الدينية المتشددة والسياسات العرقية المتشنجة أقسى درجات الغلو والتطرف .
أضحت الأبتسامة ومناسبات الفرح في عالمنا الإسلامي قليلة ، وإنْ مرَّتْ تمرّ مرور الكرام كسحابة دُخانٍ لا تحمل مطرا ولا تروي عطشا !
فما بالك منْ يقف بوجه هذا النزر القليل كالبوم في خرائب الديار ، لا يتورّع عن منعها أو تحريمها وإثارة المشاكل عند ممارستها !
لا بل يقوم بعضهم بنسفها ونسف من يقوم بإحيائها ،
وهذا ما إعتادت على فعله الجماعات المتطرفة والتنظيمات الأرهابية المنتمية لداعش واللامنتمية للقيم الإنسانية تحت ذرائع وحجج دينية وفتاوى لمرجعيات دموية قريبة من فقه الذبح والتوحش ، بعيدة كل البعد عن الصفح والتعايش .
ولا يقتصر التطرف والتشدد الديني على تلك الجماعات المحسوبة على الديانة الأسلامية .
ولعلنا نجد آخرين على نفس شاكلة داعش عند ديانات وطوائف أخرى .
أما الصهيونية ؛ الوجه الآخر لداعش والمصنع الحقيقي لفكرها الإقصائي ، يبدو انها لم تكتفِ بذبح وتشريد ومضايقة الشعوب الآمنة من المسيحيين والمسلمين طيلة ثمانِ عقودٍ خلت ، لذا كشرت عن أنيابها وباتت تنغّص على المحتفلين استقبال عامهم الجديد تحت ذرائع دينية وهلوسات فقهية تنم عن حقد دفين وجهل وتخريف وتعالٍ على الأمم الأخرى .
وما نقلته بعض الوكالات والصحف ومحطات التواصل من انتهاكات قام بها حاخامات إسرائيل مؤخرا إشارة واضحة لهذا المفهوم التعسفي ضد المحتفلين في الأراضي المحتلة .
فقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية خبرا مفاده إنّ إلعاد دوكوب حاخام الكنيس القائم في معهد الهندسة التطبيقية بمدينة حيفا المحتلة هاجم الطلبة المحتفلين لوضعهم شجرة عيد الميلاد الى جانب الشمعدان ، زاعما إنّ الشجرة رمزا وثنيا لا ينبغي وجوده في الحرم الجامعي أو الدوائر الرسمية وشبه الرسمية ، مضيفا الى أنّ ممارسة الأحتفال بعيد المسيح يسيء الى هُويّة الدولة العبرية والديانة اليهودية .
كما وحرض الحاخام معتنقي الدين اليهودي على عدم تناول طعام المحتفلين أو الدخول الى بيوت طلبة المعهد وحذّر من الإختلاط بهم .
وقد شدّد الحاخام في تعليقٍ له على صفحته الشخصية (face book ) على عدم المرور قرب ما أسماه بمكان عبادة الأوثان على حد تعبيره ، لافتا الى إنّ عليهم الإلتفاف بطريقة أو أخرى كي يتجاوزوا المرور بمكان الأحتفال لتجنّب وقوعهم في حرمةٍ شرعيـة !
وقد أصدر حاخامات آخرون تعليمات مشابهة الى أصحاب الفنادق بعدم إعداد أو تناول طعام الأحتفال .
ومن الجدير بالذكر إن عيد الميلاد لعام 2017م قد وقع تماما في اليوم الثامن والأخير من عيد الأنوار العبري (هانوكا Chanukah ) .
ويسمى هذا العيد أيضا ( حانوكا ) في بعض اللهجات العبرية والذي يعني عيد التدشين أو التجديد .
حيث يُحتفل به لمدة ثمانية أيام حسب الموروث الديني والنص التوراتي أعتبارا من اليوم الخامس والعشرين من شهر ( كسليف Kislev ) الشهر الثالث من السنة المدنية العبرية ، إذ يُعتبر تاسع شهر من الشهور الدينية ، وعدد أيامهِ إمّا 29 او 30 يوما حسب رؤية الهلال .
وقد جاء اليوم الأول من هذا العيد في 25 كسليف لسنة 5777 حسب التقويم العبري الموافق ليوم 24 كانون الأول ، ديسمبر 2016م .
وعليه يكون آخر يوم من العيد موافقا ليوم 31-12-2016 ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة 2017م .
ومن الواضح أنه قد تسبب بحساسية كبيرة لدى الحاخامات لتزامنه تماما مع عيد الميلاد ، حيث إنّ الإحتفالية قد صرفت اهتمام الشعب اليهودي عن عيدهم المقدس ( عيد الأنوار ، التجديد ) مما أثار حفيظة رجال الدين الذين زعموا إنّ ميلاد يسوع أضاع عليهم فرصة الإهتمام الشعبي بالمراسيم والطقوس الخاصة بعيد الأنوار ، بل أضاع هُويّة دولتهم العبرية كما يزعمون وأنسى شعبهم احتفالاته الضرورية بتدشين ( تجديد ) الهيكل ، التي يقيمونها سنويا إحياءً لذكرى إنتصاراتهم على يد الكاهن الكبير متتياهو الحشمونائي في حربهِ ضد الحاكم اليوناني لمملكة السلوقيين ، أنطيوخوس الرابع الذي تولى الحكم بين عامي 174-164 قبل الميلاد .
ولذا يُعتبر هذا العيد الذي ورد ذكره في سفر المكابيين الأول ( التوراة ) بالغ الأهمية بالنسبة لليهود لإستعادتهم الهيكل المسبيّ من اليونانيين أنذاك .
وقد إزدادت أهمية العيد سياسيا ودينيا بعد الإحتلال الغاشم لأرض فلسطين عام 1948م تأكيدا منهم على شرعية دولتهم المزعومة .
وبالتالي أتخذ العيد طابعا سياسيا أكثر مما هو دينيا لدى الساسة الإسرائيليين والحاخامات اليهود المتطرفين لكونه يحقّقُ غرضا مهما في تجذير فكرة الحق المشروع الذي نادى به (هرتزل ) لإقامة دولة عبرية يهودية عاصمتها أورشليم القدس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال